ها نحن الآن أمام الاختبار الأهم منذ انقلاب 3 يوليو (تموز) 2013، فجميع القوى السياسية الآن أمام تحدّ واضح المعالم، فإما أن يتم التوافق بين الجميع من أجل إعلان موقف واضح ومحدد من التعديلات الدستورية المزمع الاستفتاء عليها بمصر، أو أن يطوي الجميع ملف الاصطفاف والتوافق، ويعترفوا أن مسألة العمل تحت مظلة مشتركة واحدة هي ضرب من الخيال لا تملك منه أطياف المعارضة، إلا الكلام فقط، أما التطبيق فهذا أمر صعب التنفيذ.
باختصار إذا أردنا أن نحدد موقف المعارضة، سواء بالداخل أو بالخارج، ومن شتى التوجهات من مسألة التعديلات الدستورية سنجد أنفسنا أمام موقفين:
الموقف الأول
عدم الاعتراف بدستور 2014 وبالتالي عدم الاعتراف بأى تعديلات تتم عليه، والمبرر من ذلك أن دستور 2014 أتى على خلفية حكم انقلابي واضح المعالم، وبالتالي الاعتراض على التعديلات الدستورية من وجهة نظر أصحاب هذا الرأي هو بمثابة اعتراف بدستور 2014، وبالتالي الاعتراف بسلطة انقلاب 3 يوليو، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن أية درجة من درجات الاعتراض، أو الوقوف ضد هذه التعديلات، هو بمثابة خيانة لثورة 25 يناير (كانون الثاني) وللدماء التي أريقت منذ 30 يونيو (حزيران) وحتى الآن.
الموقف الثاني
يرى أصحاب هذا الرأي أنه لابد من التصدي والوقوف صفًا واحدًا ضد هذه التعديلات؛ لأنها تكرس لبقاء السيسي فى الحكم حتى عام 2034، وفي حالة النجاح في عرقلة تمرير هذه التعديلات، فإن ذلك يعني انتهاء حكم السيسي في عام 2022، ويطالب أصحاب هذا الرأي أن يرتفع الجميع بسقف الوعي، والنظر إلى الخطر من تكريس الديكتاتورية، وإلا فإن القادم سيكون سيئًا جدًا على الجميع، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن الصالح العام يستدعي التنازل من الجميع لمنع هذه الكارثة التي ستطال الجميع.
وهكذا.. تنقسم المعارضة في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى التوحد والتوافق والاصطفاف.
وهنأ يأتي السؤال الأهم والعملي في هذه المعضلة.. ما هو الحل؟
ومن وجهة نظري أرى أن الحل يأتي من جلوس الجميع معًا قبل إعلان مواقف كل طرف وفقًا للمقترح الآتي:
أولًا: دعوة جميع أطياف المعارضة بلا استثناء، ودون أي شروط من أي طرف لمؤتمر جامع في الخارج.
ثانيًا: يتم أخذ رأي جميع الأطياف التي ستحضر في تحديد أجندة وجدول أعمال هذا المؤتمر، والتي على رأسها طبعًا الموقف من التعديلات الدستورية.
ثالثًا: لابد من الخروج بصيغة موحدة وتوافقية تستوعب الجميع حتى لو استدعى الأمر أن يقدم جميع الأطراف بعض التنازلات من أجل الوصول إلى نقطة انطلاق جديدة تشمل الجميع، ومن يظن أن هذا البلد يمكن أن يسير بفصيل واحد أو رأي واحد أو أجندة واحدة هو إنسان واهم يعيش في خيال بعيد عن الواقع، ومهما كان هناك من تحفظات على الآخر، فإنه لا مفر من التعامل معه لأن الجميع جزء لا يتجزأ من مكونات هذا البلد هذه حقيقة مؤكدة على الجميع أن يستوعبها جيدًا.
رابعًا: على هذا المؤتمر أن يشكل هيئة سياسية جديدة جامعة وأن يضع لها أهداف المرحلة القادمة، وأن يتم صياغة برنامج عمل لتحقيق هذه الأهداف، وأن يشارك الجميع في التنفيذ.
ولابد للجميع أن يرتفع إلى مستوى الحدث والمسؤولية، ولتكن مصلحة البلد فوق أي مصلحة أخرى، وإلا فإن التاريخ لن يرحم من تخاذل. إنه الاختبار الحقيقي للتوافق الذي يدعيه الجميع، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنها الفرصة الأهم والتي قد تكون الأخيرة للاصطفاف. فهل استوعبنا أهمية وخطورة اللحظة التاريخية الحالية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست