دخلتْ مصر منذ 3 من يوليو (تموز) 2013م في منحدر عام قبل سياسي؛ هانتْ معه أزمات شعبها المتوالية نظرًا لتولي أمرها أنظمة وحكومات لم تراع ضميرًا أو وطنية فيها وفي شعبها؛ بخاصة مع ارتفاع سقف الطموح التي جاء بها الفريق أول وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، وترديده باحترافية عالية عبارة: «الشعب المصري لم يجد مَنْ يرفق به أو يحنو عليه»، مما جعل فريق من المصريين يُصدقون أنهم مقبلون على فترة سيُراعي حكامهم فيها متطلبات العدل والحكم السُّوي؛ غير مُنتبهين أو حافلين بما رآه فريق أكبر من أبناء الوطن من أن وزير الدفاع يُمهد للاستحواذ على السلطة مُلغيًا آمال الملايين في حكم ديمقراطي وتداول للسلطة على نحو حقيقي صاحبا الرئيس الراحل محمد مُرسي، وأسفرتْ تجربة السيسي عن انعدام الطموح في استقرار أحوال مصر لا تقدمها أو نهضتها.

وبقدر ما كان الموقف صعبٌ على الجميع في البداية، وبقدر أنهار الدماء التي سالت مُقسمة الوطن الواحد إلى قسمين مُتنازعين بالغي الاختلاف؛ وإن كان منهم جانبٌ أقرب للحق، ولكن من الإنصاف الإقرار أنه تعجل في سبيل الوصول إلى السلطة، وتصدر مشهد حكم مصر؛ فيما لم يكن مؤهلًا أو قادرًا أو مُعدًا للأمر، حتى بحسب الشعار الذي كان يرفعه، فيما الفريق والجانب الآخر كان يملك القوة والقدرة على فرض الرأي بها؛ وحدثتْ الملاحم الذي جعلتْ وجه الوطن كله يغيب تحت غلالة كثيفة سوداء في الصدارة منها الأحزان واللون الأحمر القاني؛ ومن قبل تمسك كل جانب وفريق برأيه لا يحيد منه ولا يتحرك قيد أنملة، وبدا واضحًا للعقلاء أن الأمر اختلاف بين ظالم ومظلوم؛ لا بين حق وباطل واضحين، كما حاول أحد الجانبين صبغ المواجهة بوجهة نظره الخاصة فقط.

إن الكنانة يلفها إظلام تام كامل يخص واقعها ومستقبلها؛ وغني عن البيان أنه في ظل ظهور مأساة كورونا الحالية فإن الأمور يُعتقد بأنها سوف تشهد منزلقات أخرى لا نتمناها ولا نحبها أو حتى نتقبلها، ولكن الأمانة ومحبة الوطن والأمة يقتضيان النظر إلى تداعيات مُحتملة الحدوث بجد واجتهاد وبحث عن رأي صائب.

والموقف على أرض الواقع في مصر واضح صريح لا لبس فيه ولا قابلية للالتفاف؛ فقد استتب الأمر تمامًا واستقر على النحو الذي لم يكن عاقل يريده أو حتى يتخيله، ومجرد إنكار ما يحدث والثورة اللفظية عليه، إن كانا يحملان في طياتهما قرائن للتغيير مرحب بها؛ لكن اليقيني أن جماعة الإخوان المسلمين تحديدًا مطالبة بالتعقل والتروي حتى تستطيع النجاة بقرابة ستين ألف معتقل سياسي لها في غياهب السجون المصرية يواجهون طوفان كوارث غير محدود، بخاصة مع نزيف دماء أكثر من ألف منهم على مدار السنوات الماضية، والعدد مهدد بالزيادة على نحو غير طبيعي أو منطقي خلال الأيام المقبلة، بخاصة مع عدم وجود أفق سياسي واضح لإنهاء الأزمة الحالية العاتية؛ وإنما الأيام تزيد من مأساة مئات الآلاف آخرين من المُطاردين من كوادرها البشرية داخل الكنانة وخارجها؛ وجميع المأزومين الذين يعصف الواقع بهم يتلفتون راغبين في نهاية لا تبدو ولا يتم تحديد مجرد بوادر لها.

لماذا لا يقوم مجموعة من العقلاء، سواء أكانوا أفرادًا أو مؤسسات، من داخل مصر أو خارجها بالإجارة والإصلاح بين الجماعة والنظام الحالي؛ ومخاطبة الطرفين في ذلك الشأن؟ فإن أزمة الفيروس العاتية الحالية في مصر تستدعي الانفتاح على جميع القادرين من أبناء البلد لحلها وإنهائها؛ لا مجرد ظهور بوادر للرغبة في لمّ الشمل في مقال للقيادي الإخواني حلمي الجزار؛ أو عقد مؤتمر صحفي في إسطنبول الأحد 5 من أبريل (نيسان) الجاري لم تذم فيه الجماعة وتعيب النظام على النحو المعهود منها سابقًا؛ ثم رفض الأخير المحاولة برمتها وبالتالي إعلان الجماعة عدم استعدادها للتصالح معه؛ كل تلك الإجراءات تُمثل خطوات في الطريق، لا الطريق كله، رغم مرارة اللحظة وتخييم اليأس عليها، إلا أن الظروف والملابسات تجبر الجميع العاقل على إعادة طرق الأبواب نفسها مجددًا.

أين الرجال من الأزهر الشريف وشيخه والموقف المتماسك المتوازن لحفظ الوطن وإنهاء الانقسام الحالي إلى غير رجعة والتفرغ للبناء من بعد ذلك؟ وكفى ما كان، إن في السجون والمعتقلات آلاف الأطباء والصيادلة والكفاءات والقدرات المصرية القادرة على نفع مصر والأمة والبشرية؛ ولا يرضي عاقلًا أيًّا كان؛ فضلًا عن الدين أن يتم إزهاق أرواحهم بدم بارد لحساب مجموعة من المُنتفعين من هنا أوهناك، مع الفارق بينهما.

إن الأزمة الثقيلة الحالية بردائها القاتم المرير تستدعي تكاتفًا لإنهائها لخير العالم كله؛ وإن جماعة الإخوان ليست بأعز من الرسول، صلى الله عليه وسلم، لما قبل ووافق على صلح الحديبية وهو في منعة وقوة لم تصل إليهما الجماعة، بل وافق، صلى الله عليه وسلم، على محو اسمه حقنًا للدماء، فلعل عقلاء من الجانبين يستجيبون ويستطيعون التغلب على مرارة الفترة الماضية وقسوتها وينهضون للمّ الشمل وجمع الفريقين تمهيدًا لعودة مصر نسيجًا واحدًا على مختلف المستويات؛ والتعالي فوق مرارة اللحظة وقسوة وجبروت الظلم الذي تحمله من ناحية، وعدم استعداد البعض للاحتكام إلى العقل من ناحية أخرى.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

إنفراجة, مصر, منحة
عرض التعليقات
تحميل المزيد