سترحل كورونا كما رحلت سابقتها من الفيروسات، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ويجُول في خاطر كل فرد سأم من هذه الأوضاع؛ هل سيعود النظام العالمي كما كان؟ وهل ستظل تركيبة المجتمع الدولي كما هي؟ قائمة على سيطرة أحادية تجمع الجباية من الدول النفطية وتُعاقب الدولة (أ) وترفع العقوبات عن الدولة (ب)، وتقوم بالحماية الكاملة لمخططات إسرائيل، ثم تتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي لحماية كراسي بعض حكام العرب، وعروشهم مقابل تقديم فروض الولاء والطاعة بالمال وتنفيذ مخططاته، وأولها صفقة القرن؟
وهل ستظل تحالفات بعض حكام العرب لاستمرار إحكام السيطرة على رقاب شعوبهم من أي محاولة لنفض، وكشف ظلام الاستبداد والقهر، ومن ثَم مطاردة كيانات الإسلام السياسي؟ وهل سيظل حلم الربيع العربي الذي بدأ في عام 2011م، كلما تقدم خطوة رجع خطوتين؟
بالطبع لن يستمر هذا الوضع ولن تدوم قوى الهيمنة، وهذه بعض المؤشرات التي تؤكد حتمية التغيير: 1-انكشاف سَوءة النظام الدولي، وتبين ضعفه وتخبطه، وأنه لم يستقوِ إلا على الدول العربية والإسلامية فقط. 2- ترقُب الشعوب بنظرة خيبة الأمل في حكامها. 3- ستركز أمريكا والدول الأوربية بعد دفن موتاهم على تجفيف الدماء الاقتصادية، وستهتم بكيفية معالجة الانهيارات الاقتصادية لبلادها، وستنشغل نوعًا ما عن دعم حكام العرب. 4- تصدع جدران الاتحاد الأوروبي ليكون آيلًا للسقوط بعد فشله في مساعدة الدول الأعضاء لمواجهة الوباء. 5-كثرة المناوشات على الرئيس الأمريكي الذي خضع له الحكام العرب رغَبًا ورهَبًا بعدما تخلص من محاولة البرلمان الأمريكي من النيل منه؛ حيث تعالت الأصوات بسوء إدارته للأزمة، إلى أن تجرأ بعض حكام الولايات على عزمهم مخالفة قراراته إذا كانت في غير صالح المواطنين؛ بل زاد الطين بِلة بقراره بوقف المعونات المالية لمنظمة الصحة العالمية أثناء محاربتها لأخطر وباء في العالم؛ وهو ما عارضه وتهكم عليه معظم القادة والمؤسسات الدولية. 6- تهاوي القيم العلمانية بصفة عامة في صدور معتنقيها، إضافة إلى ذلك تَنمر الإمبراطورية الصينية الصاعدة الواعدة واستعدادها للانقضاض بكل قوتها على الساحة الدولية، مما يؤدي إلى حرب باردة، وقد تتصاعد إلى أكثر من ذلك بين قطبي القوى.
من هنا تأتي الفرصة، من هنا يُفتح الباب شيئًا فشيئًا لقوى التغيير؛ والمتمثلة في القوى الإصلاحية، أن تُوجد لنفسها مكانةًً ولو قليلة، وأن يكون لها خطوات ولو بسيطة، تبدأ من هذه اللحظات نحو تحقيق أهدافها، ففي هذه اللحظات، وقبل قيام تلك التحالفات الدولية بجمع شتاتها ولَملَمة جراحها، ومن الممكن أن تقف قوى التغيير، وعلى رأسها كيانات الإسلام السياسي بكل أطيافه، ليقف على مكان عَالٍ ويقول ها أنا ذا، ليصنع لنفسه رقمًا في المعادلة ولو كان رقمًا صغيرًا، وإذا سلمنا بهذا الطرح؛ فيجب على قوى التغيير، وأولهم المنتمون إلى الإسلام السياسي، أن يدخلوا في هذا السباق وهذا التحدي، ولكن بالشروط والمواصفات المتطلبة لتلك المعادلة وهي:-
– إيجاد بعض الصياغات المشتركة؛ لتجمع قوى التغيير، مع تنازل كل كيان بالقدر الذي يؤدي إلى وحدة الأهداف العامة لهذه القوى.
– محاولة إيجاد بعض المصالح مع أطراف القوى الكبرى؛ وذلك للمناورة بها، ولتُتِم تبادل تلك المصالح فيما بينهم (نموذج حركة حماس).
– حصر التعامل بالأيديولوجيات الخاصة بالكيان الإصلاحي فيما بين أعضائه، أما مع الأطراف الأخرى فالتعامل بمنطق المصلحة وبمبدأ «الجميع يكسب».
– تصدير الخطاب التعايُشي مع المجتمع الغربي، وتخفيف حِدَّة الشعارات المعادية من قاموس هذه القوى، وعدم شيطنة كل ما هو أجنبي وغربي.
– عدم الاعتماد بالكلية على ما يسمى بالانتخابات فقط، بوصفها مؤشرًا للديمقراطية، والتي كفرت بها التكتلات الغربية بشأن دول العالم الثالث؛ بل لا بد من العمل وبخطة على امتلاك مراكز أو بعض مراكز القوة (إعلام – اقتصاد ومال – قضاة – علاقات وحماية خارجية…إلخ).
– تغير أولوية التركيز للتعامل مع مراكز التأثير في الدول دون الاعتماد الكلي على الحركة الشعبوية والخدمية للمجتمع، والتي لا تُسمن ولا تُغني من جوع بشأن التمكين، اللهم إلا إنْ كان بقدر توصيل خطاب قيمي، وتَوعوي ليكون بمثابة حاضنة شعبية عند التمكين.
– احتواء مجموعة من الخبراء والاستشاريين والمنظِّرين، وليكن كثيرٌ منهم غير منتمٍ للكيان، لرسم الرؤى والاستراتيجيات، واستشراف المستقبل.
– إعادة صياغة أفراد قوى التغيير؛ وخاصةً من ينتمي إلى الإسلام السياسي لتَقبل الآخر، ليس من قبيل التكتيك للوصول للهدف؛ بل لأن مشروع التغيير لن يسير بلون واحد من الأيديولوجية.
– البدء في تربية وتدريب المنتمين لقوي التغيير على سمات ومهارات ومفاهيم إدارة رجال الدولة من (محليات – وزارات – هيئات…إلخ).
– تبكير سن العطاء لشباب قوى الإصلاح، وتقديم الرموز الشبابية لتتولى مهارات التكتيك، والمناورة، والتعامل مع المتغيرات، وتناول الخطط التنفيذية مع الحفاظ على القيادة التي لا بد منها؛ والتي تتولى حراسة وحفظ الثوابت؛ والتي يجب إعادة صياغتها من جديد.
– إعادة النظر في دوائر التجنيد لكيانات الإسلام السياسي، وتوسيع تلك الدوائر لتشمل أكبر عدد من الآخرين، بمجرد قبوله الاتجاه والثوابت عمومًا، مع الحفاظ علي النواة الصُلبة لضمان الاستمرارية.
– إعادة النظر في نظم الإدارة الداخلية لكيان الإسلام السياسي بشكل علمي ومُعلن؛ تحقيقًا للمؤسسية والعلنية؛ بوصفها تشكل اهتمامًا عامًا، ويعدها البعض ملكية عامة تؤثر في مستقبل المسلمين.
هذه شروط ومتطلبات وجب على كل قوى إصلاحية تغييرية وضعها في برنامجها، وأن تبدأ في تنفيذها ولو على مراحل؛ حتى تستطيع أن تقف على قدميها وتخرج من مربع التهميش والمطاردة وتكسير العظام ورميها بالإرهاب؛ لتضع كتفها بكتف قوى النظام العالمي الجديد؛ والذي سيولَد فور انتهاء أزمة وباء كورونا، وإلا فعلينا أن نترك وصيتنا ليستلمها أحفادُنا؛ بأن ينضموا لهذه القوى حينما تقوم لها قائمة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست