الاقتصاد العالمي بعد covid 19

من المعروف لدى الخاص والعام أن تداعيات فيروس كورونا لن تكون مجرد سحابة عابرة، بل بات يتضح للمختصين وأغلب المحللين الاقتصاديين أن الاقتصاد العالمي دخل في حالة ركود، وأن الانكماش سيكون كبيرًا، وستمتد آثاره لسنوات عديدة.

فقد كانت توقعات صندوق النقد الدولي لشهر يناير (كانون الثاني) بتحقيق ارتفاع في النمو من 29% في 2019 إلى 33% في 2020 معتمدًا على عدة أسباب منها، اتفاقية التجارة بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية، حتى جاء فيروس كورونا. وشكل موجة مفاجئة «تسونامي» على شكل أزمة اقتصادية أذهلت أغلب الخبراء  الاقتصاديين والسياسيين، وشكلت صدمة كبيرة للهيئات الدولية، فقد خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخرًا توقعاتها لنمو لسنة 2020 إلى النصف، أي من 2.9% إلى 1.5%.

مع إعلان صندوق النقد الدولي أنه سيصدر تعديلًا قريبًا على توقعاته السابقة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الأضرار التي سيخلفها تسونامي الوباء على الاقتصاد العالمي؟ وكيف سيواجه المجتمع الدولي هذه الأزمة؟

-أهم الأضرار التي سيخلفها كوفيد-19 على الاقتصاد العالمي:

  1.  تضرر الأسهم العالمية: شهدت مؤشرات ftse وداوجونز الصناعي ونيكي انخفاضات هائلة منذ بداية تفشي الوباء في ديسمبر (كانون الأول) 2019، وحقق مؤشر داوجونز وftse  مؤخرًا أكبر انخفاض لهما في يوم واحد مند 1987.
  2. القطاع السياحي: سجل هذا القطاع ما يقارب 50 مليار دولار خسائر؛ وذلك راجع لتوقف الرحلات الجوية والبحرية، وحتى البرية التي كانت تعد الشريان الأساسي الذي يغذي السياحة العالمية.
  3. قطاع المحروقات: شهد سوق النفط هبوطًا حادًّا لأدنى مستوياته مند عام 2018، فقد بلغت نسبة الانخفاض في سعر البرميل ما يقارب 25%، يرجع ذلك لقلة الطلب العالمي، وتوقف عمليات النقل البحري، بسبب تفشي الوباء، وظهور أزمة الأسعار بين المملكة العربية السعودية وروسيا، ورغم محاولة الدول المصدرة تدارك الانهيار بتخفيض نسبة الصادرات من البترول الخام، فقد صرح الرئيس الأمريكي ترامب في لقاء متلفز بأنه ناقش مع الرئيس الروسي بوتين إعادة الاستقرار لسوق النفط على الأمل في انتعاش السوق وإنقاذ الشركات العالمية النفطية من الإفلاس.
  4. الحركة التجارية (الاستيراد والتصدير): سجلت خسائر كبيرة جدًّا بسبب الحظر المفروض على سفن الشحن الموبوءة، وهذا ما يعرقل سلاسل الإمداد الغذائي بين الدول؛ مما يسبب ندرة التموين، وقد يهدد ذلك الأمن الغدائي لبعض الدول.
  5. سوق العـــــمالة (البطالة): حسب تقرير الأمم المتحدة ستؤثر أزمة فيروس كورونا المستجد في حركة السوق العمالية في أغلب الدول، وسيفقد حوالي 25 مليون فرصة عمل حول العالم، كما يتوقع انحسار بنسبة 40% في الاستثمارات الأجنبية عبر العالم.
  6. التبعية والارتباط الاقتصادي: يقول التقرير التقني للمنظمة التابعة للأمم المتحدة إن انكماشًا بنسبة 2% في إنتاج الصين له آثار مضاعفة تظهر على مجمل انسياب الاقتصاد العالمي، وحتى الآن سُجل انخفاض 50 مليار دولار أمريكي في التجارة بين الدول، ويوضح التقرير أن القطاعات الأكثر تضررًا تشمل «صناعة السيارات وقطع الغيار، وأجهزة الاتصالات، وصناعة الأدوات الصغيرة والآلات».                                    فقد صرحت رئيسة قسم التجارة الدولية التابعة للاونكتاد، باميلا كوك هاميلتون، بأن الاقتصاد الأكثر تضررًا هي مناطق الاتحاد الأوروبي (15.5مليار دولار) والولايات المتحدة الأمريكية (5.8مليار دولار) واليابان (5.2مليار دولار)، وقد أضافت المسؤولة الاقتصادية الأممية أنه بالنسبة لاقتصادات «الدول النامية التي تعتمد على بيع المواد الخام» سيكون الضرر ضخمًا وقاسيًا.

سبــل المواجهة من طرف المجتمع الدولي                    1- صندوق النقد الدولي: أصدر صندوق النقد الدولي موازاة مع مجموعة البنك الدولي رغبتهما في مساعدة الدول الأعضاء في مواجهة المأساة الإنسانية والكارثة الاقتصادية، مع الاهتمام أكثر بالدول الفقيرة التي تفتقد لمنظومة صحية قادرة على مواجهة الوباء.                        2- خفض أسعار الفائدة من طرف البنوك: في ضوء حالة الركود التي بدأت مع بروز أزمة كورونا المستجد، تداعت المصارف المركزية إلى تخفيض سعر الفائدة وتخفيض الاحتياطات الإلزامية لدى المصارف؛ مما يوفر المزيد من السيولة، كما اشترت بعض الحكومات سندات الدين الخاصة بها، لتشجيع الأفراد على الاستهلاك.

– في الولايات المتحدة الأمريكية اتخد مجلس الاحتياط الفيدرالي في 16 مارس (آذار) الجاري قرارًا بتخفيض سعر الفائدة بين (صفر و0.25%) وكذلك دول الخليج، فقد خفضت بنوكها المركزية سعر الفائدة بين (0.75% و1.5%).                  وكانت مصر أكبر الدول العربية تخفيضًا لسعر الفائدة بمعدل 3%.                              3- حماية الأمن الغدائي: يتوجب على الدول المتضررة الاهتمام أكثر بالقطاع الفلاحي؛ لمواجهة الندرة المتوقعة في السوق لتلبية حاجيات السكان، وتعويض النقص الناجم عن الاستهلاك والتخزين المفرط للسلع والمواد الغذائية، خلال أزمة الوباء.

4 – وتقوم منظمة الأغدية والزراعة بإعادة تنظيم برامجها الإنسانية، لضمان استمرار المساعدة حيثما تكون هناك بالفعل مستويات عالية من الحاجة، مع تلبية الاحتياجات الناشئة عن الآثار المباشرة وغير المباشرة من وباء فيروس كورونا، فقد عملت على تزويد صغار المزارعين والرعاة بالبذور والأدوات والأعلاف وغيرها من المدخلات الزراعية، إلى جانب دعم الصحة الحيوانية؛ حتى يتمكنوا من الاستمرار في توليد الدخل وإنتاج الغذاء لأسرهم ومجتمعاتهم المحلية.

5- الاهتمام بالنظام الصحي: بعد تسجيل تلك الخسائر الفادحة التي زرعها فيروس كورونا في العالم بحوالي 81 ألفًا من الوفيات، ووصل عدد المصابين بالفيروس حتى الآن إلى مليون و411 ألف و99 حالة، والرقم مرشح للارتفاع، حيث إن منظمة الصحة العالمية دقت ناقوس الخطر، وطلبت من الدول التكاتف والتعاون، خاصة في توفير معدات الوقاية الصحية من الوباء، وحث الهيئات الدولية لمد يد العون للدول المتضررة والضعيفة.                وبعد كل هذا ستعيد أغلب الدول النظر في سياستها الصحية، وستتوجه إلى الاهتمام  بمنظومة الصحة أكثر من السابق، ودعمها بكل الوسائل المادية والمعنوية، لأنها أضحت السد المنيع للصفوف الأمامية لصد أي هجمة وبائية أو بيولوجية قد تحصد الأرواح أكثر من الحروب التقليدية.                  وستخصص لها أكبر نسبة خلال إعداد الموازنة العامة كل سنة، خاصة الدول النامية التي كانت تهتم بسياسة التسليح التي أنهكت موازنة الدول على حساب قطاعات مهمة تحتاجها أكثر؛ للحفاظ على أمنها القومي مثل الصحة، قطاع التربية والتعليم، والبحث العلمي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

تسونامي, موجة

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد