كورونا، مرض بسيط محدود في الصين، ثم فيروس منتشر على نطاق محدود، ثم وباء يجتاح العالم شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، لا يميز بين دول عظمى، أو صغرى، ولا بين اقتصادات عملاقة وأخرى هزيلة، ولا بين الأمراء والوزراء وذويهم وبين الفقراء. ولكن هل علَّمنا كورونا شيئًا؟ يقولون «في كل منحة محنة»، فما المنحة في محنة كورونا، وماذا علَّمنا؟
علَّمنا كورونا أن زيادة سرعة الإنترنت وتأهيل وإصلاح البنى التحتية لشبكات الإنترنت في ربوع مصر كافة ضرورة للاقتصاد والتعليم والتعلم ونشر الوعي. لقد رأينا وزارتي التعليم والتعليم العالي تسعيان بكل الطرق لإكمال الفصل الدراسي الثاني عبر الإنترنت، وقد نجحت الوزارتان في تحقيق أهدافهما بعض الشيء، إلا أنهما لم تنجحا كما خططتا بسبب ضعف سرعة الإنترنت وعدم استغلال الكوادر التي لديهما بشكل صحيح ولضعف الميزانية المرصودة لإعداد محتوى تعليمي محترم يغني الطلاب عن محاضرات مباشرة مع مدرسيهم بالمدارس والجامعات. ولذا، انتهت وزراه التعليم لحزمة من القرارات منها إلغاء الامتحانات لسنوات النقل وإلغاء ما تبقى من دروس الفصل الدراسي الثاني. ويُفهم من هذه القرارات أن الوزارة غير مؤهلة لخوض تجربة التعليم عن بعد كاملة لأن بنية المدارس التكنولوجية غير متوفرة، ولا تستطيع الوزارة توفيرها في وقت قصير، وأن أمام الوزارة إجراءات كثيرة لتستطيع خوض التجربة بنجاح. أما وزارة التعليم العالي، فما زالت تحاول غير أن الواقع ينبئ عن قرارات مشابهة لقرارات وزارة التعليم.
علَّمنا كورونا أن البحث العلمي ليس رفاهية، وأننا بحاجة للإنفاق عليه، والاستثمار فيه من خلال توفير أدوات البحث العلمي عالية التقنية وتأسيس البنى التحتية والتكنولوجية للمعامل بشتى صورها بالمراكز البحثية والجامعات على أفضل ما يكون التأسيس توفيرًا للبيئة الصحية والسليمة للباحثين وعملهم، والصبر على الباحثين حتى يصلوا لنتائج دقيقة ومكافأتهم على جهودهم مكافأة تغريهم عن الهروب لدول تقدر جهودهم وتسرق استكشافاتهم وابتكاراتهم ثم نلهث – وقد لا ننجح – لاشتراء ما اكتشفوه وأبدعوه بأضعاف ما بخلنا به عليهم.
علَّمنا كورونا أن الوعي الطبي وتعلم أساسيات الإسعاف بات فرض عين. ولنتساءل: أين ذهبت دورات الإسعاف التي كان الهلال المصري ينظمها بكثافة للسيدات على مدى عقود؟ لقد كانت هذه الدورات منتشرة أثناء الحروب، ولكن أليس من الأجدى أن تنظم مؤسسات المجتمع المدني والمستشفيات الحكومية والجامعات مثل هذه الدورات للرجال والسيدات وبشكل منتظم لنكون على استعداد دائم لمساعدة الأطباء والمرضى وقت انتشار الأوبئة مثلما هو حادث الآن، ولنساهم – عبر الوعي الطبي الذي يترسخ من خلال هذه الدورات – في الكشف والإبلاغ عن المرضى المصابين بوباء قد يضر آلاف البشر؟
علَّمنا كورونا أنه يمكننا التعبير عن حبنا ومودتنا بطرق شتى غير القبلات الـ16 بين النساء والأحضان التي يتبادلها الرجال 16 مرة كذلك، بل ربما أشعرنا كورونا أننا أكثر صدقًا في حبنا إذا بدلنا القبلات والأحضان بالاهتمام بصحة من نحبهم وبنظافة أبداننا حتى لا تنفرهم روائحنا الكريهة.
علَّمنا كورونا أن الاهتمام بنظافة المنازل والنظافة الشخصية لا يكون فقط عبر اشتراء الماركات باهظة الأثمان، وأنها تتحقق بوسائل بسيطة مثل الكلور والصابون المنزلي كما تتحقق من خلال منتجات التنظيف رائجة التسويق. والمهم في كل الأحوال هو عدم التكاسل في النظافة والتنظيف ونقل هذه الثقافة للأبناء والأقارب والمعارف، وإفراد مساحة أكبر في مناهج وزارة التعليم ووسائل الإعلام لأهمية النظافة وتطبيقها.
علَّمنا كورونا أن الاهتمام بالتعليم والصحة والزراعة أساسيات في عجلة التقدم لأية دولة تريد الرفعة والعزة. لقد أظهرت أزمة كورونا أن مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا في أزمة كبيرة، فمسافة المتر المطلوب بين كل طالب وآخر (لمكافحة انتشار العدوى المتوقعة) مستحيلة في ظل أعداد الطلاب الغفيرة ومساحات الفصول وقاعات الدرس بالغة الضيق، وأن هذه المسافة عينها غير موجودة حتى بين أسرة المرضى في أغلب المستشفيات الحكومية في مصر. أما الأغذية المطلوبة لزيادة مناعة الجسم ليكافح فيروس الكورونا أو غيره من الفيروسات حال انتشاره – لا قدر الله – فهي ذاتها الأغذية التي رُويت من مياه ملوثة وغُذيت بمبيدات أكثر ضررًا من كورونا ذاته. ولهذا السبب فإن التوسع في بناء المدارس وزيادة مساحة الفصول بها، وتقسيم الطلاب بشكل متوازن والقضاء على فكرة المدرجات الجامعية التي يُحشر فيها آلاف الطلاب، وتجريم الاستخدام المفرط للمبيدات الزراعية واعتماد ميزانية مناسبة لاستخدام مياه نظيفة في ري المحاصيل وترشيد الري كلها واجبات على الدولة لمكافحة أي مرض، بل لتحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
أيقظنا كورونا على فاجعة كبيرة وهي مرتبات العاملين في القطاع الطبي. يقول المثل السائر «إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع». فكيف نطلب من الأطباء والممرضين أن يكونوا في وجه المدفع في أزمة الكورونا وفي غيرها، وبدلات العدوى ملاليم لا تُذكر؟ وكيف نطلب منهم عدم ابتزاز المرضى بطرق تدني من كرامتهم ومرتباتهم هزيلة؟
ربما يكون كورونا قد علَّم البنوك وهيئة البريد بأن ماكينات الصرف باتت كرغيف الخبز لا يستغني عنه شارع من شوارع المحروسة، وبأن تزاحم الناس واندفاعهم، خاصة من كبار السنة والمقعدين، في وقت الأزمات له ثمن باهظ مؤكد أنه أكبر بكثير من ثمن ماكينات الصرف. أفلا تعي البنوك وهيئات البريد الدرس وتزيد من عدد ماكينات الصرف لشعب بات يعتمد بشكل كبير على الخدمات المصرفية في دفع فواتير الكهرباء، والإنترنت، والضرائب، والأقساط وكثير من المشتريات؟
هذا غيض من فيض دروس كورونا التي تحتاج كتبًا لتفصيلها، فهل نعيها ونستوعبها؟
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست