لا توجد دولة في العالم لم تمر بأزمات وهزات اقتصادية، إلا أن ما يميز كل دولة عن الأخرى، فإما أن تنتقل إلى انتعاش اقتصادي، أو حالة من الركود هي طريقة تعاملها مع تداعيات الأزمة الاقتصادية، وخارطة التي يتم رسمها لمرحلة ما بعد الأزمة.
ومع اقرارنا أن أزمة (الكوفيد-19) تختلف عن غيرها فتأثيرها لم يقتصر على انهيار في قطاع واحد فقط، كما حدث في ازمة الرهن العقاري في العام 2008، بل إنها قد وجهت ضربة لكل الدول ولكل القطاعات الاقتصادية، حيث تعرضت هذه القطاعات لصدمة على مستوى العرض والطلب مما سيؤدي إلى الدخول في حالة من الركود التضخمي، وذلك كنتيجة حتمية لتراجع الدخول أو اختفائها مع حدوث تعطل في عجلة الانتاج لفترات زمنية متصلة، أو متقطعة بسبب الإجراءات المتخذة لتستطيح المنحنى، وعلى أمل أن يصبح عدد حالات الإصابة اليومية أقل من عدد حالات الشفاء وبحيث يكون النظام الصحي قادر على التعامل مع حالات الكورونا، وأداء مهامه اليومية المعتادة.
إلا أننا أمام تساؤل عن الخطة التي ستتبعها الحكومة الأردنية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وكيف ستعوض الايرادات التي فقدتها بسبب الإغلاق الشهري، وما هي الأدوات الاقتصادية التحفيزية المختلفة التي ستلجأ إليها في المرحلة المقبلة للتعامل معها في المدى المتوسط والطويل، وهل ستطرح برنامج أم أننا أمام قرارات متفرقة في الزمن والحجم؟
وحتى تاريخ اليوم فقد قام البنك المركزي بإطلاق برنامج لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لمواجهة أزمة الكورونا حيث تم توفير برنامج تمويلي بقيمة 500 مليون دينار ليتم إعادة إقراضه من خلال البنوك التجارية والاسلامية، كما قرر البنك المركزي تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع لدى البنوك من 7% إلى 5% والذي بحسب توقعات البنك المركزي سيوفر سيولة إضافية للبنوك بمبلغ 550 مليون دينار أردني.
كما أن وزارة المالية قامت بالحصول على عدد من القروض من البنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية لمساعدتها في مواجهة جائحة الكورونا، إلا أن كل ذلك لا يكفي، فما يتردد أن بعض البنوك (و هي من أكبر المشغلين في القطاع الخاص) بصدد إنهاء خدمات عدد من العاملين لديها، بالرغم من أنها من أكثر الجهات تبرعًا للصناديق المختلفة، والأقل تأثرًا بالجائحة كون نشاطها لم يتوقف، بل ازداد بعض الجائحة، ونورد بعض الحقائق وتصور لمعالجة آثار الكورونا:
1. الأزمة الصحية ستستمر وربما يتكرر الإغلاق مرة أخرى، ولن تنتهي حتى نتمكن من إيجاد لقاح وإنتاجه واستخدامه على المستوى العالمي.
2. على الأغلب فإن انخفاض أسعار النفط والغاز سيستمر لفترة زمنية طويلة وحتى في حال ارتفاع السعر مرة أخرى فإنه سيبقى في ضمن مستوى الثلاثين دولار، وربما على الحكومة البحث في إمكانية اعادة التفاوض حول أسعار الغاز في الاتفاقية التي تم توقيعها.
3. ربما على الحكومة التفكير في استغلال الأزمة لإعادة التفاوض حول أسعار فوائد القروض التي تم الحصول عليها سابقًا، أو محاولة الحصول على قروض جديدة بأسعار فائدة جديدة واستخدام هذه القروض في مشاريع انتاجية قادرة على سداد تلك القروض من عوائدها.
4. الشركات المدرجة في سوق عمان المالي تعرض أغلبها لآثار الكورونا، وبدلًا عن الالتفات لأموال الضمان الاجتماعي على هيئة السوق المالي التفكير بإيجاد شركة لتعمل كـ«صانعة السوق»، وذلك لتوفير حماية للشركات الأردنية، خصوصًا الإستراتيجية منها من مخاطر انهيار السوق.
5. في ظل عدم وضوح أفق القطاع السياحي على الأغلب فإن ورادت الحكومة من العملات الأجنبية قد تعرضت لضربة قاسية خصوصًا في ظل الخطط الطموحة السابقة للبناء على عوائد القطاع السياحي المميزة لآخر عامين، ومن أجل ذلك يجب أن تعمل الحكومة بشكل جدي على محاولة خفض فاتورة الورادات وتشجيع الصناعات الخفيفة، وذلك من خلال توفير قاعدة بيانات للمستثمرين توضح حجم المستوردات من كل سلعة وبحث مدى إمكانية إقامة مصانع بدائل محلية، وتوفير حوافز استثمارية لهذه المصانع شريطة تشغيل أكبر عدد من الأردنيين.
6. الاستمرار بتقديم الدعم لعمال المياومة وإلى الشركات التي تعمل في الاقتصاد غير الرسمي، وتمرير دعم مالي أو ضريبي على الأقل للشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بهدف الحفاظ على السلم المجتمعي.
7. في هذه المرحلة على الدولة أن تلعب دور رئيس في الاقتصاد كما تقوم به الدول الأخرى، وعليها أن تشرع قانون للحفاظ على الشركات الإستراتيجية كما فعلت دول أخرى سابقًا وأقرب مثال على ذلك «قانون دانون»، والذي أقرته الحكومة الفرنسية لمنع شركة «بيبسكو» العالمية من الاستحواذ على شركة الألبان دانون.
8. الاستمرار في مراقبة وتحديد أسعار القطاع الطبي والأدوية والكمامات ومنتجات التعقيم المختلفة، مع تشجيع اقامة المصانع الأدوية وزيادة عدد الأدوية المنتجة للاستهلاك محليًا خصوصًا وأن السوق المحلي لا يشكل إلا 20% من حجم مبيعات الأدوية الأردنية.
9. التعامل بجدية أكبر مع موضوع الأمن الغذائي وتعزيز التوجه للزراعة غير التقليدية وتلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة وتنظيم هذا القطاع بما يضمن استمراريته.
10. البحث بشكل جدي لتوفير ضمان استمرار سلاسل التزويد الخارجية خصوصًا في ظل أن من أفقر الدول مائيًا وعدم توفر مراعي مناسبة لتنمية الثروة الحيوانية، ومع ضرورة أن يتم تعزيز سلاسل التزويد الداخلية، واختبار مدى قدرتها على الصمود والاستمرار في ظل الأزمات المختلفة والإسراع في بناء قاعدة البيانات الخاصة بالمخزون السلع الإستراتيجية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست