منذ منتصف عام 2019 يتحدث الاقتصاديون حول العالم عن قرب بداية ركود اقتصادي عالمي مع بداية عام 2020، مثل الأزمة الاقتصادية في عام 2008 إن لم يكن أعنف، والحقيقة أن الجميع وضع سيناريوهات اقتصادية وسياسية مختلفة لشكل وطبيعة هذا الركود الاقتصادي الجديد، الذي لايبدو في ظاهره إلا محاولة لفرض أزمة اقتصادية جديدة حول العالم بالقوة، ومهما كلف الأمر، بلدان عدة فرضت أعباء ضريبية على مواطينها قابلها غضب ومطالبات شعبية عارمة في جميع بلدان العالم تقريبًا، تطالب بإلغاء تلك الإجراءات التعسفية التي لا تتماشى مع الواقع المعاش للفرد وتطالب بتحسين مستوى الدخل الذي لم يعد يتناسب مع الزيادة العالمية للأسعار، انخفاض أسعار الوقود، انكماش الأسواق العالمية نتيجة ارتفاع القيمة السوقية للمنتجات وضعف القوة الشرائية للأفراد، لاسيما الشركات والمؤسسات، مظاهر عديدة تحدث عنها الاقتصاديون حول العالم تنذر بحدوث ركود اقتصادي عنيف.
في الحقيقة أنا لست متخصصًا في الاقتصاد، ولكني أتابع كفرد من أفراد هذا العالم ما يقال ويكتب عن قرب الركود الاقتصادي الجديد، والواقع أن ما كان يكتب أو يقال من تقارير ومؤشرات اقتصادية عن أسباب حدوث انتكاسة اقتصادية حول العالم لم يكن كافيًا ليقنعني كشخص عادي، شعور غريب بالريبة كان يحدثني بأن هناك وراء الكواليس من يريد وبكل قوة أن يدفع العالم إلى هوة هذا المنحدر الاقتصادي بأي ثمن، كمن يريد أن يشعرك بأنك مريض فيظل يردد على مسامعك باستمرار وبشكل مدروس كلمات تصيبك بالإحباط والإحساس بالإعياء «يبدو على وجهك الإعياء» أو «لماذا وجهك لونه أصفر».
وبدأ العام الجديد وجميع المهتمين بهذا الأمر يترقبون ماذا سوف يحدث؟ ما الحدث الاقتصادي الجلل المنتظر الذي سيهز الاقتصاد العالمي مرة أخرى؟ ولكن حدث مع بداية العام الجديد أمر لم يكن بالحدث الاقتصادي، ولا حتى السياسي، ولكن كان حدثًا طبيًّا كانت الصين هي من أخذت به دور البطولة، وهو انتشار فيروس قاتل عرف باسم كورونا أو كوفيد19، بؤرته الأولى الصين، وتحديدًا في مدينة «ووهان»، حاولت الصين في البداية التعتيم، ولكن الأمر خرج عن سيطرتها وحصد هذا الفيروس في فترة وجيزة آلاف الموتى والمصابين، ثم خرج من الصين متجهًا إلى غرب آسيا (إيران)، ثم إلى وسط أوروبا، إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، ثم انتقل تدريجيًّا الشرق الأوسط، إجراءات وقائية متعددة اتخذتها كامل دول العالم لاحتواء الفيروس فتوقفت الحياة وأغلقت المدارس والجامعات، وأغلقت المحلات والأسواق التجارية أبوابها، والتزم الناس بيوتها، وخلت الشوارع تمامًا ثم اشتدت شراسة الفيروس فاشتدت معه الإجراءات الوقائية، فتوقفت حركة الطيران العالمية السياحية والتجارية، حدث أربك العالم كله صغيره وكبيره، فقيره وغنيه، تفاوتت الأضرار الاقتصادية بين الدول، ولكن ما ألم بالعالم هو ما كان يتوقعه المحللون الاقتصاديون، هزة اقتصادية عالمية عنيفة لا يعلم مداها أحد، ولا إلى أين سوف تذهب بالعالم؟ وما شكل العالم بعد انتهاء هذا الكابوس المدمر؟
فيروس كورونا كارثة اقتصادية بأسباب غير اقتصادية، حتى أعتى العقول لم تتوقع هذا السيناريو، ولكنه في الحقيقة السيناريو العظيم للقوة العالمية الجديدة التي قررت إرسال رسالة للعالم بأنها تستطيع بل استطاعت أن تغير خريطة العالم وبأي ثمن، فكيف سيكون شكل العالم بعد انتهاء تلك الأزمة؟ وهل نحن أمام سيناريو فوضى منظمة ومدروسة لجميع شعوب العالم؟
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست