على غرارِ الكوارث الوبائية السَّابقة، جاء فيروس كورونا (covid-19) ليكشف السِّتار عن حقيقةٍ صارت جليّة، حقيقة أننا معرضون للإصابة بأكثر من 300 فيروس قاتل آخر، وأننا لم ندفع بعد ثمن عدم اتباعنا لنظام حياة صحّي، و عدم وعينا بحقيقة ما نحن معرضون له من مخاطر بيولوجية.

بعيدًا عن البلبلة القائمة، وعن كون فيروس كورونا فيروسًا مصنعًا من أجل شن حربٍ بيولوجية أم لا، تعد عائلة فيروسات كورونا أو الفيروسات التاجية (لأن شكلها تحت الميكروسكوب يشبه التاج) عائلة شائعة جدًّا من الفيروسات تكون سببًا عادة في نزلات برد تختلف حدتها من الخفيفة إلى الخطرة، و لا تعد ظاهرة انتشار الوباء الأولى في العشرية، حيث ظهر فيروس سارس (sars) سنة 2002، وفيروس ميرس (Mers) سنة 2010، بأعراض مشابهة (ارتفاع درجة الحرارة، سعال، التهاب حلق، ضيق تنفس)، مقارنة بفيروسات أخرى، لا يعد فيروس كورونا قاتِلًا، حيث بلغت نسبة الوفيات 2% من المصابين، إذ إن أغلب الوفيات شملت كبار السن والمصابين بأمراض أخرى، كضغط الدم والسكري، وأمراض نقص المناعة.

وذكرت منظمة الصّحة العالمية،  أن فيروس كورونا وكسابقيه من العائلة نفسها انتقل من الحيوان إلى الإنسان عن طريق طفرات جينية وتغييرات في الحمض النووي؛ ليصبح قادرًا على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان.

وأمام هذه الجائحة والمشكلة الصحية العالمية، وفي ظل غياب اللقاح الذي يستغرق تطويره ما بين السنة إلى 18 شهرًا، شددت منظمة الصحة العالمية على ضرورة الحجر الصحي والحفاظ على النظافة (تعقيم الأسطح وغسل الأيدي المستمر لمدّة لا تقل عن ثلاثين ثانية) كإجراءات وقائية للحد من انتشار الفيروس.

ومن بين 114 دولة ومقاطعة حول العالم، تعد الجزائر من بين الدول المتضررة بفيروس (covid-19) بأزيد من 230 حالة مؤكدة و17 حالة وفاة حتى الآن، وتباينت الآراء في الشارع بين استهزاء وهلع، وتدحرجت الإجراءات الحكومية بين طمأنة وترهيب، لكن الكارثة الوبائية الحالية فتحت الأبواب لتساؤلات كثيرة وثغرات تعجب واستغراب لا تعد عن مستوى الوعي عند العامّة، والسبل التي ستستخدمها الحكومة الجزائرية في التعامل مع المخاطر البيولوجية، وقدرة القطاع الصحي على احتواء الكارثة.

لم يقتنع الرأي العام بسرعة بحقيقة الوباء، وانقسم الجزائريون بين مستهزئ وخائف ومكذِّب، وتضاربت ردود الحكومة الجزائرية بين الصائب منها والمثير للجدل، وغير المبرر، وبعد التزايد في عدد الحالات الذي يشوبه الكثير من التعتيم، انطلقت حملات التوعية من كل حدب وصوب، وفي المقابل موجة شائعات جارفة، مما ألزم الحكومة بفرض قرارات ردعية وفرض حجر صحي وحظر تجول في الولايات المتضررة.

جاء الوباء ليكشف عن الهوة العميقة التي تحول بيننا وبين التربية الصحية للمواطن، وعن أزمة وعي، فبرغم أن نسبة التعليم في الجزائر تتعدى 70%، فإن نسبة الوعي أقل من ذلك بكثير، كشفت الأزمة الصحية كذلك الفراغ المهول في ثقة المواطن بحكومته، وعن منظومة صحية عرجاء وجب مساندتها. في الأخير، نأمل أن ترحل«كورونا» وتترك لنا دروسًا وإن دفعنا ثمنها غاليًا، دروسًا تُجنبنا كوارث أشد وأعتى.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد