إنّ طُرق العلم تلك، وإنْ كان هدفها سامٍ ومن أجل تغذية العدد المتضخم من الناس، وإلباسهم، وحصولهم على الأشياء بأقل تكلفةٍ ويسر. كانت لها سلبياتها الكبيرة والتي أخذت مع الزمن بالتحول إلى سلاح ضد الكوكب برمته، وبالتالي إلى اختلال التوازن الطبيعي فيه. المثال الجلي الذي شاهده الكثيرون عبر التلفاز في كيفية تجوّل قطعان الحيوانات في شوارع مدن أوروبا والتي صورتها كاميرات المنازل والطرق، يبعث لنا برسالة مهمة فيما لو أنكم أيها البشر قد قُدّر وآنت نهايتكم الوجودية، وقد ورثتْ قطعان الماعز والأيائل والفهود وسائر المخلوقات سواكم، ورثتْ دورَكم كدورة حياةٍ فرضَها حادثٌ معين. ولسائل أن يسأل: ما علاقة ذلك بكورونا؟

الإجابة الضرورية لهذا السؤال تكمن في ألاّ يكون الجنس البشري هو السبب الخارجي الذي أدّى إلى الفناء؛ لأنه وكل الموجودات الحية، كل الأسماك والقطط والكلاب والنمور والطيور هي شريكة فعّالة في وجودنا ككل، وبالتالي لا ينبغي أنْ يكون الإنسان هو مَن يقود إلى فناء كوكبٍ كان يجدد نفسه عبر ملايين السنين. إنّها مسؤولية أخلاقية قبل كل شيء ويبقى الأنسان هو الكائن الوحيد الذي بإمكانه أنْ يعي ما أهمية الأرض التي يسكن فيها. بدلًا عن أنْ يُسهم في فنائها، يساعدها في محاولة تحديث نفسها والعودة إلى سجيتها كطبيعة ولاّدة، لا الطبيعية المُعدّلة وراثيا أو المُصنّعة. كوكب الأرض كائن حي كبير. ونحن فيه، كلنا من الجنس البشري وحتى أدق مخلوق وأصغره، مجرد عاملين فيه. ونحن أشقاء كما يقول فرويد. وباء كورونا هو أحد العوامل المهمة التي هددت كوكب الأرض، لا الوجود الإنساني وحسب، لا نريد زيادة الأمر سوداوية، فقبل 100 عام لم يكن لوباء الأنفلونزا الإسبانية، الطاعون، أو أي وباء آخر. لم يكن على كوكب الأرض مفاعلات نووية تُدار بعنايةٍ فائقة ومستمرة من قِبل البشر، لم تكن المصانع العملاقة المنتجة للبلاستيك، والغازات والكيماويات موجودة بهذا الحجم في يومنا هذا. فمن سيدير تلك المنشآت المخيفة لو التزمَ البشر بيوتهم، أو حلّ وباء أكثر فتكًا؟ هل ستقود قطعان الأيائل والماعز المفاعلات النووية؟ سيكون مضحكًا تخيّل ذلك.

لن ينسى البشر ممن عايشوا وباء كورونا الأخبار المتتالية الكثيرة من كل دول العالم. من أخبار الصين التي كانت أول دولة أصيبت به، ثم انتقل إلى إيران، ثم إيطاليا التي انذهل العالم من شدة أخبار الموت الكثير فيها، بعد ذلك انتقل الدور إلى الولايات المتحدة. تحوّلت مسألة المرض إلى جدول مواعيد سيطال كل الدول.

وعلى سبيل التساؤل لماذا انتشر الوباء بسرعة النار في الهشيم في دول مثل إيران، وإيطاليا، والولايات المتحدة؟

الصين كما يعلم العالم كله أنها كانت الهدف الأول في ضربة ذلك الفيروس. وكانت في مرحلة الدفاع لا الهجوم أو التصدي. واتخذت الخطوات الطبيعية بعد اكتشافها أنّ هذا الفيروس ينتقل عبر أماكن معينة، مثل السطوح الملساء، كمقابض الأبواب، والسيارات، وأزرار المصاعد، وغير ذلك. لكن المفاجئ لباقي البلدان عدم أخذ الاحتياطات الخاطفة، كان لا بد عن إجراءات خاطفة وسريعة. مثل الغلق الفوري للحدود، والسفر، والبضائع، وإنّ الخطأ الذي وقعت فيه الدول هو تحديد موعد معين لمثل تلك الإجراءات، كما لو أنّ الفيروس لديه موعد حجزٍ مسبق لتلك الدولة أو غيرها. ففي أوروبا مثلًا، التقى الشُبّان في المقاهي التي اعتادوا التجمع فيها مرارًا، فتعانقوا مع بعض وودعوا بعضهم البعض بسبب الموعد المحدد الذي فرضته دولهم لبداية الحجر والتباعد الاجتماعي. ما كان ذلك؟ لقد كان إجراءً هزليًا لا غير، فقد كان الفيروس ينتقل مع عناقهم، وفجأة، بدأت الأخبار المحزنة عن الإصابات المتلاحقة والكثيرة.

لماذا لم توقف الدول الحركة الفورية لكل نشاطاتها وأفرادها؟ الرئيس ترامب غيّر مفردة فيروس كورونا إلى مفردة (الفيروس الصيني) في التصريحات الخاصة بالوباء. لا يبدو ذلك التغيير قد جاء اعتباطًا، أو لمسألةٍ مزاجية كما اعتاد ذلك الرئيس أنْ يخرج على العالم بمواقفٍ مضحكة أو ساخرة. لقد كان الأمر، وقد اتضح فيما بعد أن في مسألة تبادل المعلومات عن الوباء فيما بين الصين وباقي العالم، لذا يُعتبر الرئيس ترامب هو أول من حمّل الصين المسؤولية الكاملة عن إخفاء الصين المعلومات المهمة حول ما يمكن اتخاذه.

حقيقة الأمر، كان على الصين رغم أنّها كانت الضحية الأولى للهجوم الوبائي، كان عليها تغطية العالم بكل ما أتيح لها من معرفة عن كورونا. وأول أسباب فِعل ذلك هو العاتق الأخلاقي. أمّا تنسيب ترامب للفيروس على أنه صيني، فقد كانت له جوانب كثيرة، الأخلاقية منها والسياسية والاقتصادية. وقد يبدو الأمر على أنّه رسالة مُشفّرة بأن الولايات المتحدة تعرف ما يجري، وأنّ مباغتة الوباء سيؤثر عليها، لكن لن ينال منها، أو يكون فرصة مهمة لدولة مثل الصين أنْ تنال من الولايات المتحدة في شيء. ذلك يجعلنا أن نعيد ذكر أمر التغيرات في الجغرافية التقليدية المحتملة بسبب مضاعفات الوباء، وأنّ العالم الذي يخوض حربًا دفاعية ضد كورونا، قد تختل فيه القيم ببعض الأمور ذات المحتوى السري، أو لا يكون للقيم وجود بالأصل.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد