مهم جداً، في هذه الأحوال المتردية اقتصادياً في بلادنا أن يبدع الإنسان، ويتفكر للاهتداء إلى طريق واتجاه اقتصادي من نوع جديد ومتطور، يقوم على الحفاظ على ذكريات الشعوب وحضارتها وثقافتها وتقاليدها، دون السطو على مقدراتها وثرواتها، حتى ولو كانت في مرتبة دنيا من العلم بالنسبة للأخرى، ولكن تبقى، بل يجب أن تبقى تجمعنا إنسانيتنا.
الفقر لا يمنع الإنسان، أو يقف حائلا بينه وبين الإبداع والتقدم والازدهار، بل في أحيان كثيرة، الحفاظ له على ذكرياته، وما يمتلك من تاريخ، وثقافة، يترك له المساحة للإلهام والإبداع.
ودليل على هذا تقدم الإنسان البدائى بفنه وثقافته ورسم حياته وكتابه تاريخه، رغم عدم معرفته بالكتابة، ولكن عن طريق الرسم والتعبير وتصويره ليومه كاملا بعنائه وفقره وما تعرض له من برد ومطر، ورغم معاناته مع الطبيعة، إلا أنه كان مبدعا ومتطورا، وهنا يكمن السؤال: (هل كان يدرك الإنسان البدائي أنه فقير؟ وكيف يدرك، ولا يوجد حوله من يمتلك شيئا أكبر مما يمتلك هو؟) هل كان تابعا لأحد أو جهة تتحكم في لقمة عيشه غير الطبيعة، وقبل إدراكه أن وراء كل هذا صاحب الملك سبحانه وتعالى؟) بالطبع لا!
لأنه لا يوجد حين ذاك وسيط بينه وبين صيده، أي: رزقه الذي يحصل عليه بنفسه يوميا، دون بيع أو شراء أو حتى ورق مرسوم أو حديد مصقول منقوش ومزقرش بصور للملوك والأمراء أو حتى رؤساء، يسمى دولار أو دينار.
ولا يوجد من يحاول إبعاده أو تجريف ما يملك من تاريخ دَونه بنفسه واحتفظ به، وتركه لنا كعلم نستطيع الوصول به إلى كيف كان يعمل ويفكر، ومن أين بدأ.
وكلما تقدمنا تكنولوچياً وعلمياً ظهر دائما المتحكم فى مقدراتنا على المستوى الداخلي، كقوة حكم ونظام حاكم تارة، أو المستوى الخارجي والتبعية في العالم الكبير الذي يريد أن يتحكم في مقدرات عالم بأسره تارة أخرى.
إذا من الممكن أن نبحث عن اقتصاد يحرر الشعوب من احتياجاتها، حتى ولو كانت تمتلك نسبة من الفقر، ولكن هي في الأصل متحررة من التوجه المطلوب والمسيطر عليها بالإعلام، أو حكم مستبد إلى أن تبقى في هذه الدائرة التي هي بمثابة سجن الإرادة وتزيفها المستمر لصالح مجموعة، كثرت أو قلت، فهي لا تمتلك من الإبداع والتطور ما تستطيع به كتابة تاريخ لها أو تترك أثرا وسنة حسنة على الأرض للبشرية جميعها.
ليس القصد من هذا التقليل من شأن التكنولوچية أو التقدم في مجالات تدخل فيها تقنية حديثة تعتمد اعتماد كامل على آلات ومعدات وماكينات وروبوت (رجال آليين) في صناعات كثيرة تمتلك اليوم مقدرات دول في أيدي من يمتلك القدرة على هذا العلم.
وربما ما نتكلم عنه هو البحث عن كرامة وإنسانيه اقتصاديه للإنسان، وأخص به الإنسان المصري، وبلادي مصر التي خرجت منها حضارات إنارة العالم بدون أي تكنولوچيا أو آلات ومعدات.
ولكن خرجت بقدرات وابتكار وإبداع شعب إنسان مملوء بالانتماء والوطنية والطيبة والسماحة التي جعلته يشعر بالرضا فى جميع أحواله، وتحت إمرة المستبدين من الملوك والحكام.
ولكن احتفظ المصري الإنسان بمعدل اتزان نفسي وروحي، كلما وضع يده في حرفة يعشقها، ويميل للإبداع فيها، أعطى كل طاقته لها حتى خرجت الحضارة المصرية بهذا الشكل الراقي لتظهر إبداع المصري الإنسان في كل المجالات، حتى هيئته الرقيقة وملابسه البسيطة التي كان حريصا على أنها لا تُظهر عوراته.
وكتابة تاريخه بحروف وجمل وحوارات لا تعرف خدش حياء، مليئة بالحب والرومانسية، بالتعفف والخجل والحياء، كلما أدركت ما بداخل المصري ستتعرف أكتر على مجالات وحرف مبدعة كامنة تنتظر الوقت أو الزمن المتوج بالكرامة والعدل والإنسانية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست