من كتاب (١٠٠ نصيحة للمبدعين)، شخصيات المبدعين مختلفة ومتنوعة “صقلتها التجارب أو أنجبتها الظروف”، ضحية هي أو نتيجة لتجربة أو معتقد أو فهم: خاطئ أو صائب، أو حتى ما يحتمل الصواب والخطأ، وتلك الشخصيات المبدعة أصناف وكل صنف منهم قادر على العيش والإبداع في ظرف معين وغير قادر على العيش والإبداع في ظرف مختلف أو مغاير، ومنهم من يستطيع التأقلم مع كل الظروف وهؤلاء النادرون حقا.
شخصيات المبدعين:
المحاربون:
أولئك الذين يرون “الحياة حربا” يخوضونها كما تكون ويحققون التقدم في أصعب الظروف والتحديات، بل يزيد من جأشهم النقد اللاذع ، وعند الرخاء يحدث العكس، فيكلون ويخملون في بيئة ملأها الرخاء والعافية والترف، ( تشرشل) مثال على ذلك ، رئيس وزراء بريطانية في الحرب العالمية الثانية.
المنافسون:
أولئك الذين لا يجدون قيمة للعمل بلا خصم ، وإذا نظرت إلى حياتهم تجد أنهم يصنعون ذلك الخصم إن لم يجدوه، فهم بدون عدو عاطلون غير قابلين للتطور. ومثل ذلك الولايات المتحدة. التي لا تكف عن استعداء العالم.
اللاعبون :
وهم الباحثون عن المرح الكارهون للمسئولية العاشقون للتسلية واللعب والثناء يزدهرون في مناخ الرخاء والتشجيع إنهم يرون “الحياة لعبة” مسلية، ولكنهم يخسرون أمام التحديات التي تعكر صفو قوانين “اللعبة المسلية”
المغامرون:
وهم الذين يخوضون الصعاب في كل الظروف، ومهما كانت، في السلم أو في الحرب، هم يبحثون عن المتاعب تلك التي ليس لها خصم أو عدو، سوى التحدي، وأمثال هؤلاء المستكشفون (كعباس بن فرناس) الغني عن التعريف.
العاشقون :
وهم الباحثون عن الحب وهو نقطة تحول في عقولهم وحياتهم الإبداعي ولسان حالهم (هناك حب هناك إبداع لا حب لا إبداع ) أمثال الشاعر قيس بن الملوح (مجنون ليلى).
المضحون :
المنتمون أو الباحثون عن الانتماء وهم الذين يمتلكون طاقة عالية أكثر فيما يقدمونه للآخرين ولا يجدون الدافع ذاته مع ما يجب أن يقدموه لأنفسهم من إنجازات. ورغم كل النكبات التي قد تصل إلى حد الاستغلال والغدر إلا أن الكثير منهم لا يستوعب أن ( شراء الأصدقاء بالتضحيات غالبا تجارة خاسرة ) لأنهم يقعون تحت تأثير حب الانتماء. أمثال (غاندي) محرر الهند.
النرجسيون :
المحبون للشهرة والأضواء والتفاف المعجبين، الواثقون بأنفسهم حد القداسة، دوافعهم العليا هي أن تكون ذواتهم في الصدراة، ولسان حالهم ( وإن مت ظمآنا فلا نزل القطر) أمثال (أديسون).
المناضلون:
أصحاب الرسالات والأهداف النبيلة، هم القادة المفكرون، وأهل والرأي والخطاب الجماهيري، هؤلاء عصب التقدم في كل مكان، يحاربهم دائما أصحاب الخطاب والفكر القديم. أمثال (بوذا).
المجندون :
وهم المنتظرون للوظائف يبدعون داخل المؤسسات التي تدعمهم وتؤمن معيشتهم ولا يبدعون خارجها هؤلاء هم أهل مبادئ ولكنهم يحتاجون إلى القادة الذين يشعلون في داخلهم الشرارة ليفعلوا العجائب. أمثال (اينشتاين).
التنابلة:
وهم المنتظرون لتغيرات الظروف المنتظرون لمن يكتشفهم وينتشلهم من العدم ، القائلون نحن ضحية الظروف ولقد ولدنا في المكان الغلط وأن مكانهم ليس هنا .وهؤلاء العباقرة الذين لا يذكرهم التاريخ بسبب كسلهم وانعدام الهدف والهمة في قلوبهم وضياع إنجازاتهم.
الانطوائيون :
فاقدو الاهتمام الخائفون من الحياة المتعطشون إلى التشجيع والاحترام، المنجزون داخل صوامعهم ليس لهم صديق إلا الكتاب والعمل والحيوانات. أمثال الرسام العالمي (فانكوخ).
الغامضون :
وهم الجنود المجهولون العاشقون للإنجاز، الكارهون للشهرة، والمستمتعون بالتخفي، رغم كل ما يملكونه من قوة، الهاربون من الثناء والشاكرين لهم. وهؤلاء الغامضون للإنجازات العظيمة. صانعو القوة والدولة العميقة.
المتاجرون :
الكاسبون للمال وليس سوى المال معبود يستحق العبادة عندهم ، أولئك من دمروا العالم باختراعاتهم مقابل المال أمثال المبدع والمخترع (نوبل).
الحكماء:
المسيطرون على عقولهم وانفعالهم أصحاب النظرة البعيدة، والإنجازات الفكرية التي تفتح آفاقا جديدة للعقول، لإنجازاتهم، أهدافهم أخلاقية في الغالب وهم أصحاب عطاء، أصحاب تواضع أمثال (ابن خلدون) مؤسس علم الاجتماع.
الحالمون المزاجيون :
أولئك الذين لا يرضون بأي شيء دون أحلامهم أو خلافا لما نسجته مخيلاتهم هؤلاء رغم ذكائهم يبقون ضحية مزاجهم ونظرة الكمال التي تسيطر على أفكارهم وقد ينتحر بعضهم. أمثال (سقراط) الذي مات منتحرا.
المرتزقة :
وهم أتباع المال والحاكم والنعيم أينما وجد، ليس لهم انتماء سوى لمن يمنح المزيد، هم كالقطط ينتمون إلى من يملك الطعام، ولا انتماء يعلوه للأفراد أو للمكان أو للمبادئ. أمثال (ميكافلي) صاحب كتاب الأمير الغني عن التعريف.
الأخلاقيون:
وهم أصحاب الابتكارات والاختراعات الأخلاقية صديقة البيئة أبعد ما يكون عن أهدافهم الربح ، كل إنجازاتهم لها دوافع نبيلة نابعة من الاهتمام بالآخرين نابعة من حاجة الناس. أمثال (جيمس دايسون) مخترع حاضنة الأطفال المحمولة (إمي) لعام ٢٠١٤ من أجل اطفال سوريا.
قد يجمع المبدع منا صفاتاً مشتركة بين بعض الشخصيات أو ثلاث ويكون نسيجا مختلفا وقد تغلب واحدة منها على الأخرى، والافضل أن يكون لنا شخصية قادرة على التعامل والتكيف مع مستجدات الظروف؛ لكي يكون يكون قادرا على الابداع.
إن شخصيتنا مصدر القرار قد تتشكل دون علم منا أو بعلم ، تشارك فيها عوامل عديدة ومنها ما هو عفوي غير مدروس منا او من غيرنا بعناية – نابع من الوراثة / التربية / البيئة / الظن / الخرافة / ردة الفعل /المذاهب بأنواعها أو المبادئ التي ألفينا آباءنا على ملتها، وكنا على آثارهم مقتدون. وهي مصدر اتخاذ (القرارات غير الواعية). ومنها ما هو مدروس ومعلوم، التجربة بنوعيها المباشرة وغير المباشرة /التفكير/ الشك / البحث / الخيال/ القرار/ والديانات والمبادئ التي نختارها ،لاهي مصدر بناء الخبرة في اتخاذ (القرارات الواعية القادمة) في حياة الانسان.
مصادر الخبرة:
– التجربة المباشرة:وهي الممارسة على أرض الواقع بشكل مباشر
– التجربة غير المباشرة : ومصادرها تجارب الآخرين من كتاب و مشاهدة و خيال وتفكير.
الخبرة: وهي جوهرة تاج التجربة وهي النتيجة التي نصل اليها ، ومن دونها يصبح الامر مجرد عبث ومجرد تجارب وقصص فارغة من محتواها.
يقول نبرنارد شو ( لا تقاس الخبرة بالتجارب ولكن بما بالاستفادة من تلك التجارب) والمفكرون هم الذين يمتازون عن المثقفين في هذه النقطة؛ لأنهم ينتجون عن المعلومة معلومة أو إنجاز أو مزيجا الخ ..
والمحطة التي تنقلك من التجربة إلى الخبرة هي محطة القرار.
– القرار: وهو الإرادة القوية النابعة من قرار الذات والحد الفاصل.
– ردة الفعل العفوية غير المحسوبة والظن والخرافة والتعاليم المسلم بها الخ
– التصرف المحسوب والمدروس حتى أبعد حد. الخاضع للنقد والشك والقياس والتعديل على ضوء نجاح التجارب.
مثال ذلك : اخوان مات أبوهما مريضا بمرض معينحين بلغا، احدهم : صار تاجرا جشعا لا يملك الرحمة في قلبه
الثاني: صار طبيبا معطاء وكريما مع كل مريض. وحين تسألهم عن السبب يكون الجواب واحدا.
– عندما مات أبي قررت أن اكون ما أنا عليه الآن.
كلاهما خضعا لنفس التجربة ولكنهما اختارا طريقين مختلفين تماما وذلك بسبب عنصر القرار.
إذن عندما نخوض تلك التجارب نكون محتاجين إلى عنصر القرار لأننا من دون ذلك القرار المدروس حالا أو مسبقا لا تتكون الخبرة بل تصبح التجارب مجرد عبث او مهلكة لنا او لغيرنا ولذلك نرى الكثير من الكبار في السن ورغم العمر المديد في التجارب الا انهم على احط المستويات في التفكير والقرار بسبب غياب ذلك العنصر الذي نعترف انه عنصر معقد يتحاشاه الكثير من الناس لانهم لا يريدون ان يتعبوا عقولهم حتى بما يستحق العناء.
الاعتقاد الظاهر والاعتقاد الخفي لا بد من التحقيق فيهما فقد نعتقد بشيء ونضمر شيئا اخر والبحث في المعتقد الخفي داخل نفوسنا يخلق تحولا مذهلا.
قال عمر رضي الله عنه : والله إني احبك يا رسول الله ، فقال الرسول : اكثر من أهلك ؟ قال عمر : نعم قال : اكثر من ولدك ؟ قال : نعم ،،،، قال : اكثر من نفسك ؟ قال : لا ،،،،فقال صلى الله عليه وسلم : لا يا عمر لا تؤمن حتى اكون احب اليك من نفسك ، فسكت عمر ، وبعد ان افترقا عاد عمر وهو يقول : والله انك احب الي من نفسي يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : الان يا عمر ، الان يا عمر
( فسأل عبدالله بن عمر أباه عمر ، كيف كنت لا تحبه أكثر من نفسك ثم أحببته أكثر من نفسك ؟؟ “فقال عمر : لقد تذكرت أنني أحوج إليه يوم القيامة من نفسي ، فأحببته ,, وتذكرت أن نفسي لم تقدني إلى الإسلام و ولكن هو الذي قادني ‘لى الإسلام فاحببته ..”)
ومفاصل هذا المثال: – المكاشفة مع من يطيق المكاشفة ، – الصدق في مواجهة الذات ، – التساؤل والشك ، – التفكير في افق النتائج لكل فكرة ، – اختيار الفكرة البديلة ، – تغيير الفكرة القديمة بالفكرة الجديدة وعدم البقاء على الفكرة القديمة كعقيدة خفيةى ، – اتخاذ القرار ، – الانشراح للقرار وتبنيه وتنفيذه
قد يكون هذا المثال للمراحل المتقدمة من الفكر الايماني وعموما فالناس ينقسمون الى قسمين اساسيين في شأن قوة الارادة والتغيير:
الاول: يقتنع وينفذ. وهم العمليون بطبيعتهم.
الثاني: يبني قراره بروية ويأخذون وقتا في بناء الإرادة. وهم المفكرون والمعلمون بطبيعتهم.
قد يمر الطرفان بهذه المراحل مع فارق الآلية والسرعة، والتفكير الداخلي الذاتي يأخذ وقتا ولكنه يؤسس لنفسه ولغيره لأنهم يعرفون أبعاد الفكرة العميقة واصلاحها من العيوب وكذلك يستطيعون إيصالها للاخرين.
فهم يسمعون أو يشاهدون أو يقرءون ، ثم يفكرون ويشكون ويستمر الشك في معظم المراحل
– ثم ينتجون مفهوما او يكتفون بالمفهوم تلقوه وحين تكون الافكار قابلة للفهم تسمى بـ(المفاهيم)
– ثم يقتنعون بالمفاهيم اذا كانت مقنعة لتصبح بما تسمى بـ(القناعات)
– ثم قيم اذا ما لامست الاخلاق
– ثم ايمان تطمئن له النفس ويزول معه الشك.
– ثم احسان يستحق التضحية وهي مرحلة العمل والاخلاص فيه.
اقتراحات:
انظر في قناعاتك وابحث عن أساسياتها
ابحث في مفاهيمك.
ابحث عن قناعاتك.
في اهدافك.
في ايمانك الخفي ( النوايا ) والعلني ( المعتقدات)
واسأل: الى اين تذهب بي مفاهيمي في المدى البعيد.؟
ولماذا اريدها او لماذا لا اريدها ؟
هل يكمن خلف ذلك سببا نبيلا ونقيا ؟
هل صدرك منشرح لما تخفيه او لما تفعله ؟
ام لا؟
ولماذا؟
وماهو البديل الافضل؟
وأيضا، ما الخطة التي يجب اتباعها للوصول إلى أهدافك ؟ وهل سيكون حليفها البحث والشك والتعديل والمرونة والتواضع والخلق الكريم والإسراع في تقويم المسار. ؟
بلا شك ان اإلطريق إلى الابداع المتوج باصلاح الذات الطريق مفروش بالأفخاخ ، ولكن الاستعداد لها خير وسيلة لكشفها قبل ان نقع في المصيدة. والاأمر يستحق العناء.
تحذير:
الافكار/ المفاهيم /القناعات/ القيم/ ما نؤمن به هو البوصلة التي تهدينا الى وجهتها.
– مفاهيم الناس قد تؤثر على مسار البعض.
– أما بالنسبة لمفاهيم المبدعين فبوصلتهم تسير بمراكب البشرية وربما العالم بأسره الى النجاة او المجهول.
لذلك وجب الحذر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست