الدينُ لله، مَن شاءَ الإلهُ هَدَى
لكلٍّ نفسٍ هوًى في الدينِ داعيها

ما كان مختلفُ الأديانِ داعيةً
إلى اختلافِ البرايا، أو تعاديها

الكُتْبُ، والرسلُ، والأديانُ قاطبةً
خزائنُ الحكمةِ الكبرى لواعيها

محبّة اللهِ أصلٌ في مراشدها
وخشيةُ اللهِ أُسٌ في مبانيها

أحمد شوقي

الأغلبية الساحقة علمت بخبر وفاة المفكرة الكبيرة نوال السعداوي، تاريخ مديد من النضال والعطاء الفكري المنطقي، قدمت الكثير ولا يسعنا ذكر كل ما قدمته، لكن الموضوع الهام والمثير، أنه بقدر ما حزن عليها القراء والمتابعون لأعمالها وأفكارها، ظهر من حيث لا يعلم المرء، أشخاص كثيرون، أشخاص لا يظهرون إلا في مثل هذه اللحظات، هدفهم واحد، وهو تشويه الصورة الخاصة بصاحبها سواء كان أديبًا أو رسامًا، أو… لكن ما السبب؟ لكل أديب أو مفكر أو شخص ناجح بوجه عام عدد من النقاد عديمي الكفاءة، لكن لماذا يتضاعفون بعد موته؟

قلت سابقًا نقادًا عديمي الكفاءة لأنهم مجرد أشخاص لا ينتقدون العمل، وينتقدون صاحب العمل، النقد المنطقي أو المقبول يوجه إلى العمل وليس صاحبه وحياته الشخصية، وهذا ما ظهر بعد وفاة الدكتورة نوال السعداوي، ويكفي أن يطلع المرء على التعليقات في مواقع التواصل ليفهم القصد.

الاعتقاد المطلق بصحة الأفكار والمعتقدات مفسدة لهما، الدين لله، وهو سر بين العبد وربه، ولا يحق لأي كان التدخل في الوسط، والله أدرى بخلقه، والأفكار المتطرفة ناتجة عن العقم الفكري، والإيمان المطلق بالمجهول، وما تعرضت له المفكرة الكبيرة ليس جديدًا، بل حدث سابقًا مع الأستاذ والأديب الكبير نجيب محفوظ عند تعرضه للطعن، وكذلك الدكتور طه حسين، عند تعرضه للتهكم من طرف المجموعة نفسها، بقولهم عنه الوزير الأعور وأشياء أخرى كثيرة، ومع مؤرخين لا يزالون يعانون من هذه الأفعال الصبيانية حتى يومنا هذا ممن لا يزالون على قيد الحياة.

هذه النقطة المحورية تظهر أن الفكر الحر ومقدميه، لهم متابعين خاصين بهم، وأملهم في أن يتحرر الجميع، وأن يبصر المرء الحقيقة، أمل ينعدم من انتهاء جيل وبدايته، دائرة مطلقة لا جدوى منها، إن هنالك من يسعدهم المكوث في الظلام، الرؤية الواضحة للأشياء تتعبهم، والأمر ليس أمر فكر حر، أو فكرًا منطقيًا، أو طريقًا للحقيقة، وإنما عجز في السير، عجز في القبول. الدين كان وما زال، ولكل شخص أفكاره ومعتقداته، الديانات كثيرة لحد يفوق العد، لكن لا يحق لنا تشويه صورة شخص بالاعتماد على ديانته ومعتقداته، أو اختباء وراء الدين، لا يحق لأحد ذلك بتاتا، إن البعض حتى الآن لا يعرف مفهوم الدين، فما بالك غايته، إن الوعاض دعاة الدين المثيرين للجلبة والانتقادات، وإلقاء الضوء الكاذب على شخص ما، يسعدهم أن يتمسكوا بالدين ذريعة للدفاع عن أنفسهم، يسعدهم ذلك كونهم المالكين الوحيدين للحقيقة المطلقة.

لا أحد يمتلك الحقيقة، الديانات جميعها لها أتباعها، وكل يرى الحقيقة بقدر ما تسمح له ديانته بذلك، لكن لا أحد يمتلكها، وهذه النقطة، هي المؤلمة والصعبة على التقبل لذا البعض، وبموجب هذه النقطة الأساسية، هنالك شيء أساسي ملزمون به جميعًا، التعايش، قبول الآخر مهما كانت خلفياته، والانتقادات العملية، توجه للأعمال التي قدمها صاحبها، ليس حياته الشخصية، وليس كل قول يعبر عن صاحبه، وأيضا ما كتب، هنالك أجزاء لا تشبه الكاتب في ما قدمه للعالم الخارجي، وما حدث مع كتابنا العرب ومفكرينا، حتى غير العرب، تلك أفعال توحي بأن صاحبها غير واع، وليس بقارئ، وإنما صاحب أذن تسمع وتصدق كل ما قيل دون أن تبحث في الأمر، وهذا حدث مؤسف موجود بكثرة في بلداننا العربية، وآخر مثال أو دليل على ذلك، ما حدث مع الدكتورة نوال، بحيث في العديد من المحطات على مواقع التواصل، توجد فئة لم تقرأ لها ولا كلمة من أعمالها، وبالتالي انتقدوها وقالوا في حقها أشياء كثيرة، وهذا هو التناقض، وإذا تحدث معهم شخص له معرفة معمقة بشخصيتها ينتقدونه ويلتجؤون إلى الدين وما قالته عنه، ويظهرون أنهم مؤمنين بصحة قولهم رغم عدم المعرفة، لماذا؟ لا أحد يعرف.

لا فائدة من الجدال الديني، أو بالأحرى لم يعد صائبًا الأخذ والعطاء في الدين، الأمور واضحة ولا تبتغي كثرة التوجيهات والنقاشات التي لا تنتهي لنتيجة، بل لا تنتهي بتاتًا. الدين إذا كثرت فيه الانقسامات لن يؤدي بعدها هدفه الطبيعي، لن يؤدي إلاّ لمزيد من الانقسامات. الإنسان له هدف أيضًا من الدين، لكن المشكل العويص، والمسبب للمتاعب هو اختلاف هذه الأهداف وغاياتها الخبيئة بالنسبة لكل فرد. لكن الأهم والأساس أن يؤخذ بشكل جدي غاية في التواصل مع الخالق، أن تمارسه الروح. وسواء كنت ملحدًا أو مؤمنًا أو غير مؤمن، كن ما تريد، واعتنق ما تريد، سأحترمك، وسأحترم أفكارك، وكذلك سأحترم اعتقاداتك حتى وإن كانت خاطئة، حتى وإن كنت غير متفق معك عليها، وكذلك عليك الفعل. الأهم أن نتعايش، أن نتقبل بعضنا البعض رغم الانقسامات، ورغم الاختلافات، أن نتخذ الإنسانية مبدأ دينيًّا أسمى، لأنها النقطة القوية المشتركة بيننا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد