غياب «ثقافة الزواج» وراء معظم الجرائم التي ترتكب في حق الطفولة البريئة، وهي المسئولة عن تنشئة طفل سوي يخدم المجتمع، أو يكون نواة لإرهابي يدمر كل شيء حوله، ويتنكر لأهله ووطنه. هذه الثقافة نفتقدها هذه الأيام في مصر، وفي كثير من الدول العربية، فلم تعد المودة والرحمة أساس العلاقة الزوجية، ولم يعد الاحترام والتفاهم أساسًا لبناء أسرة ناجحة، ولهذا ارتفعت معدلات الطلاق إلى نسبة مقلقة، ففي مصر، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء يقول إن معدلات الطلاق في مصر تزيد بنحو خمسة آلاف حالة سنويًّا، وخاصة بين الأجيال الشابة التي لم يعد الحب أساس العلاقة الزوجية في نظرهم، وإنما صار المال هو الاختيار الأول للزوج أو الزوجة.

لقد تغيرت المفاهيم والأفكار نتيجة التحولات الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية التي شهدها المجتمع منذ السبعينات، وهو ما انعكس على الأسرة، وتغيرت بنيتها، وتراجع دورها في تحمل المسئولية من أجل توفير الرعاية والحماية لأفرادها، واختفى «دفء العائلة»، فلم تعد كثير من الأسر تجتمع على مائدة الإفطار أو الغداء، وقلت فرصة اللقاءات العائلية التي يتبادل خلالها الأبناء مع الآباء والإخوة الأفكار والآراء حول المشكلات التي تواجههم، وضاعت نصائح الأم للأبناء في زحام الأعباء التي تتحملها يوميًّا، وفي تغول السوشيال ميديا في عقول الأبناء؛ حيث بدأنا نسمع عن انتشار الحبوب المخدرة، والأفكار غير السوية، مثل زواج البصمة، وزواج الدم، والزواج العرفي.

وبكل أسف لا تكاد تمضي أيام قليلة حتى نرى أو نسمع عن جريمة ضحيتها أطفال عانوا من عنف الأهل، حيث تحولوا إلى أدوات تستخدم للانتقام من الأب أو الأم، وطبقًا لما ذكرته دراسة للدكتورة نادره زكي مدير برامج حماية الطفل باليونيسيف، فإن 29% من أطفال مصر يتعرضون للعنف، وهذه النسبة ليست مقصورة على فئة معينة، ولكنها تشمل جميع الطبقات في المجتمع.

وخلال الأيام الماضية، سجلت أقسام الشرطة والمستشفيات عدة حوادث اعترف فيها الآباء بأنهم لم يقصدوا قتل أبنائهم، ولكنهم كانوا يضربونهم بعنف للانتقام من الأم، ولعل أبرز تلك الوقائع حادثة «ريم مجدي» بطلة المصارعة المصرية التي تعرضت لضرب عنيف من أبيها دفعها لإلقاء نفسها من السيارة، أيضًا الطفلة ملك «خمس سنوات» التي خطفها والدها من أمها، وقام بتعذيبها، ولما ماتت ألقاها في النيل نكاية في أمها، وهي طليقته.

هناك أيضًا والدان تجردا من إنسانيتهما فتخلصا من ابنهما الذي لم يتجاوز عمره عامه الثالث، بعد أن عذباه وضرباه ليكف عن صراخه المتكرر وتبوله اللاإرادي، نفس المصير تعرضت له شروق (13 سنة) التي انتحرت بسبب أنانية وإهمال الأب لها ولأخيها المعوق، وإذا كان هؤلاء الأزواج والزوجات قد تجردوا من الحنان ومشاعر الأبوة نتيجة جهلهم بثقافة الزواج، فإن هناك من دفعه جهله أيضًا إلى الوقوع في أخطاء قاتلة، حيث اختاروا الزواج العرفي طريقًا لتحقيق النزوات والرغبات غير السوية، والهروب من العنوسة، مثل هدير مكاوي التي تطالب بإثبات نسب ابنها، وتسجيله باسمها، وإلغاء خانة الأب، ووصل بها الأمر إلى نشر صورها في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دون مراعاة لحقوق الطفل، وما سيلحق به في المستقبل.

هناك أيضًا كثير من المطلقات صغيرات السن احتفظن بأطفالهن بعد هروب الأزواج من الاعتراف بنسب أطفالهم، وهذه الوقائع المحزنة تتزايد يومًا بعد يوم بسبب غياب ثقافة الزواج، وهو الأمر الذي يدعونا للمطالبة بضرورة إجراء دراسات نفسية موسعة على مرتكبي العنف ضد الأطفال، ودراسة أساليب تنشئتهم الاجتماعية.

أيضًا المجلس القومي للمرأة، وكذلك المجلس القومي للطفولة والأمومة مطالبان بتكثيف الجهود، وتوعية الأسر بالمخاطر التي تنجم عن استخدام العنف ضد الأبناء.

والدولة عليها أن تقوم بتفعيل التشريعات والقوانين التي تدعم الحد من المشكلة السكانية، وتشديد الرقابة على استخدام أطفالنا لوسائل التواصل الاجتماعي، وتوفير بيئة مناسبة لبناء أسرة متصالحة مع نفسها، لأن الأسرة عماد المجتمع، إذا صلحت صلح المجتمع كله .

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد