من المؤكد أن لك صديقًا دائمًا يخبرك أننا أفضل من سوريا والعراق، وأن المصريين أفضل من غيرهم بكثير، دعنى أخبرك: أننا أسوأ من كل هؤلاء!
لو أنك جلست مع هؤلاء ستكتشف أن الصدمة التي كان يخشون التعرض لها قد حدثت، وانتهى الأمر، وهو الآن يواجه أمرًا واقعًا، مفاده: أن معشوقته وليلاه سوريا أو العراق قد ماتت, أما صديقك المصري ليس بإمكانه أن يغمض عينيه ويشعر بالسلام، ومن المؤلم أن يفتحها فيراها وهي تنزلق، وهو قابع بداخلها.
جرب أن تكون داخل طائرة ويخبرك أحدهم أنها فى طريقها للسقوط في المحيط الأطلنطي, لن أتعجب لو فارقت الحياة قبل أن تسقط الطائرة!
التشوه الذي يعقب كل الكوارث الحربية يعيشه المصريون الآن، دون أن يدخل أحدهم في قتال مسلح مباشر، كسوريا والعراق. شتان ما بين الصدام المتكافئ والوقوع تحت وطأة الاعتداء الغاشم من السلطة, تحول إلى أشباه بشر، لم يعد بالإمكان تقبل توبة ظالم، أو مشارك في الظلم، أو حتى مؤيد له من بعيد.
لطالما كان المصريون كأشباههم من العرب تتمحور اهتماماتهم في الماضي حول الدوري والكأس وغلاء الأسعار, أنت الآن تعرف كيف هو شعور أن تكون الأرض تحتك مخضبة بالدماء، وأن يعتاد قلبك على ذلك فلا تفزع عند حدوثه.
ليس من حقك أن ترفض غضبة المظلوم، ولا سخطه، أو صراخه الملتاع، أو سبابه، فهو لا يملك حتى القصاص، الذي يشفى الصدور، فينهمر بعده الدمع فياضًا مؤذنًا بالراحة .
افتح كتاب التاريخأ وانظر كيف شعر أهل الأندلس بعد سقوط غرناطة وإشبيلية وقرطبة، «منع من السفر دون تصريح من البلاط الملكي, ديوان تفتيش تكون نهايتك بداخله الموت تشويهًا وحرقًا, قتل في الشوارع» ازداد الجرح عليهم فانفجر الغضب صاخبا.
الآن فهمت ماذا كان يقصد الدكتور أحمد خالد توفيق في رواية «السنجة» في عام 2012 «إن هذه السنوات هى الاختبار الأقسى لأعصاب المصريين، فإذا ما نجحوا فيه من وجهة نظر الحكام فلن تكون هناك مشكلة بعدها, بإمكانك أن تصفع خادمك يوميا ويبتلع الإهانة، لكن أن تدخل بيته، وأن تنال من امرأته أمر يستحق التفكير طويلًا، فإذا فعلت ذلك وصمت فهذا معناه أنك في أمان إلى أبد الدهر».
أسوأ المعارك التي قد تخوضها هي تلك التى يضعك فيها خصمك موضع الدفاع, كم هو مؤلم أن يكون همك انتظار الضربة القادمة! والتفكير في تخوف الألم الناتج عن التالية لها، حينها ستفقد القدرة على التفكير في أبسط قواعد المعارك، إن خير وسيلة للدفاع الهجوم, سيكون خصمك قد جعل من هجومك أمر مستحيلًا، وستقتصر ردود فعلك على البكاء والنحيب، وانتظار أن تنزلق الطائرة وأنت بداخلها!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست