بعد سقوط الإخوان سياسيًا في يوليو (تموز) 2013، وتحقيق «أطباء بلا حقوق» الأغلبية داخل المجلس العام لنقابة الأطباء في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2013، والتي لم تتحقق سوى عبر تحالفات انتخابية واسعة مع أحزاب وقوى سياسية في انتخابات مقاعد النقابة العامة والنقابات الفرعية، بين الحركة وعناصر محسوبة على الدولة وداعمة صراحة لنظام دولة 30 يونيو (حزيران)، وقامت الحركة بذلك بالتوازي مع حصار، ثم فصل كوادرها الأكثر جذرية ممن وقفوا ضد عقد هذه التحالفات، وكانوا هم بالضبط نفس المجموعة التي على خلاف في السابق حول الخط العام والرؤية لطبيعة النقابة ودورها، وما يبرز هذا أن من أسباب هذا الفصل من «أطباء بلا حقوق» البيان الذي أصدرته هذه المجموعة ضد ما حدث للأطباء في المستشفيات الميدانية في مجزرة الحرس الجمهوري ورابعة العدوية.

وجب التنويه هنا إلى حدوث خلاف داخل هذه المجموعة الراديكالية بين المقاطعة الكاملة مع تحالف «أطباء بلا حقوق» الانتخابي بالشكل البيروقراطي والتحالف الانتهازي الحالي، لعدم تقديم الدعم لشخصيات شديدة الانتهازية بالقائمة، وبين رؤية أخرى كانت ترى ضرورة الاستمرار في التحالف الانتخابي مع الإعلان عن تحالف راديكالي من داخل المجلس بمجرد انتهاء الانتخابات، نظرًا لأن صعود الفاشية العسكرية البادي في الأفق قد لا يسمح بمشاركة هذه العناصر في انتخابات جديدة، وأن القدرة على التغيير ستكون أفضل من داخل النقابة، وكانت أصوات الأغلبية داخل هذه المجموعة لصالح المقاطعة، ولم ينجح من هذه المجموعة بعدها سوى عضو بمجلس النقابة العامة وعضو بالنقابة الفرعية.

ليرث هذا المجلس الإخوان في النقابة، وكما فعل الإخوان في المجالس السابقة من اختطاف للنقابة لصالح الإخوان، فقد اختطف مجلس النقابة الجديد المجلس في الاتجاه المضاد للإخوان، فلم يسعوا جديًا لتعديل القانون واللائحة السلطوية المنظمة للعمل النقابي، واختاروا العمل تحت سقف النظام الجديد والتفاوض داخل غرفة المغلقة دون تجاوز الخطوط الحمراء، وغضوا الطرف عن مجازر المستشفيات الميدانية في رابعة والنهضة ومسجد الفتح، وتجاهلوا اعتقالات بالجملة بين الأطباء، حتى بلغ الأمر عدم التضامن مع أعضاء معتقلين بعضوية مجلس النقابة العامة والفرعيات لمجرد انتمائهم للإخوان، وفي المقابل شكلت الجبهة المفصولة من «أطباء بلا حقوق» ما عرف بعد ذلك باسم «رابطة العاملين بالصحة» تعبيرًا عن رغبتهم في الانفتاح على باقي نقابات العاملين بالقطاع الصحي.. مرفق بيان توضيحي نشر على صفحة الرابطة للتعريف بها:

نشأت رابطة العاملين بالصحة منذ 2013 لتضم أعضاء من كل مقدمي الخدمة الصحية (أطباء، صيادلة، أسنان، تمريض) العاملين في وزارة الصحة والمستشفيات الخاصة وسلاسل الصيدليات الكبرى، وهي التي قادت إضراب الأطباء، والصيادلة، والأسنان في 2014.

وتهدف الى ربط كل نضالات مقدمي الخدمة الصحية من أجل الارتقاء بالمستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، لمقدمي الخدمة الصحية والانفتاح على النضال المجتمعي من أجل خدمة طبية حقيقية تلبي حاجة المريض الفقير والدفاع عن حقه في تنظيم نفسه من أجل الحصول على حقوقه كاملة.

واستمرارًا لنفس الأداء الذي فرضه السقف المنخفض والتحالفات القائمة لمجلس النقابة، رفض مجلس النقابة الجديد التنسيق مع نقابات المهنية الأخرى في إضراب يناير (كانون الثاني) 2014 المحدود والمعروف بإضراب «أطبطب وأدلع» لضعفه وعدم فاعليته، ليس هذا فقط، بل خرجت الدكتورة منى مينا بمقال كبير تتهم فيه جيوش الأطباء بالتخاذل وعدم النشاط، وكان المقال يحمل بداخله تعاليًا شديدًا يذكرنا بخطاب الحكومة عندما تحاول رفع المسئولية عن نفسها وتحميلها لوعي المواطن، وهو ما جاء الرد عليه سريعًا بقرار الإضراب القوي لجميع العاملين بالصحة في الجمعية العمومية 21 فبراير (شباط) 2014، ليتم تنفيذ أكبر إضراب قطاعي في مارس (أذار) 2014 والذي استمر لـ60 يومًا، وتصدر لقيادته الأعضاء المفصولين من «أطباء بلا حقوق» في «رابطة العاملين بالصحة» مع أقلية في المجلس بترشيح من دكتور أحمد حسين عضو النقابة العامة في الجمعية العمومية، وكان دكتور أحمد حسين أحد هذه الأقلية المشاركة في تنظيم الإضراب مع دكتور إيهاب الطاهر، في الوقت الذي وقف فيه أغلبية هذا المجلس ضد إضراب الأطباء في مارس 2014، ولم يقدم العون للجنة الإضراب التي شكلتها الجمعية العمومية من خارجه، بل سجلت محاولات من بعض أعضاء تحالف قائمة الاستقلال لكسر هذا الإضراب ببعض المستشفيات. تجاهل المجلس كذلك قرارات جمعية عمومية تالية أقرت ضم أعضاء المجلس للجنة الإضراب لإجبارهم على العمل وتقديم العون للإضراب، ومارسوا نفس فعل الإخوان في 2011 حيث قاموا بتزوير قرار الجمعية العمومية بعد التصويت عليه، كما استضافوا وكرموا وزير الصحة المحوَّل للجنة آداب المهنة من قبل لجنة الإضراب في يوم الطبيب 18 مارس، وللمفارقة وعلى عكس دعوى «المهنية» اجتمعت قيادات عدة من المجلس بوزراء في حكومة الببلاوي.

وفي المقابل كانت هناك عيوب كبيرة في «رابطة العاملين بالصحة»، فبالرغم من صمودها البطولي وقيادتها لأكبر إضراب قطاعي في تاريخ مصر، وهو الإضراب الذي أجبر الحكومة على زيادة وإقرار بدل المهن الطبية، إلا أن انتماء أعضاء الرابطة لفئة الشباب خلق «عدم تفرغ للعمل النقابي» نتيجة المسئوليات العائلية والأعباء المالية والدراسية، وبالتالي قلل من دور الرابطة بعد الإضراب، لتكتفي بعد ذلك بعدة فعاليات احتجاجية مثل الوقفة التي نظمتها ضد جهاز الكفتة على سلالم النقابة، والذي كان شعارها «يسقط يسقط حكم الكفته» تضامنًا فيها مع دكتور محمد فتوح وطالبوا بتحويل الأطباء المشاركين في الترويج لجهاز الكفتة إلى لجنة آداب المهنة، هذه الوقفة التي رفض أعضاء مجلس نقابة الأطباء المشاركة فيها بالبداية، ولكن بعد التهديد بفضحهم إعلاميًا قاموا بالمشاركة فيها، والدعوة لـ«إيفنت» لحضور الحكم النهائي للمحكمة ببدل العدوى للأطباء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، والدعوة إلى يوم تضامني مع الأطباء المعتقلين في 26 ديسمبر 2015، والمشاركة في الانتخابات النقابية على «قائمة التحرير» التي لم يكتب النجاح لأي من أعضائها (ومن الجدير بالذكر أن من مطالب الرابطة في هذه الانتخابات أن يكون المرشح على مقعد النقيب أحد العاملين بوزارة الصحة، وليس أستاذًا جامعيًا) كما قاموا بعد ذلك بتنظيم وقفة تضامنية صباح يوم الجمعية العمومية «يوم الكرامة» في 12 فبراير 2016 مع بانر كبير عليه صور الأطباء المعتقلين، للمطالبة بالإفراج عن الأطباء المعتقلين وتحسين أوضاع السجون وحق المعتقلين في الرعاية الصحية، ومن الجدير بالذكر أيضًا أن مجلس النقابة قام بإنزال هذا البانر بحجة أنه رمز سياسي.

ولكن الغالب كان حضورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، في بيانات عديدة للتضامن مع الأطباء، والصيادلة، والتمريض، وحتى العمال الذين يعملون في ظروف غير آمنة صناعيًا، وعمال النقل العام في الدفاع عن حقهم في الإضراب، وعمال الترسانة البحرية ضد محاكمتهم عسكريًا، والصحافيون ضد اقتحام الأمن لمقر نقابتهم وفض الاعتصام بالقوة، وضد غلق مركز النديم، وبيانات أخرى ضد تحرير سعر الدواء، وضد نظام التأمين الصحي المعيب، وحتى بيانات للتضامن مع القضية الفلسطينية، ومع تحركات تجمع المهنيين في السودان. كما طالبت الرابطة في أكثر من بيان بتشكيل تجمع للمهنيين للوقوف في وجه تغول السلطة، وبطشها بكل الحقوق، والمكتسبات، والحريات النقابية، وقدمت الرابطة اثنين من المعتقلين، وتدريجيًا توقف نشاطها إلا من بعض المقالات الفردية على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد