“يجب علينا لتحقيق تلك المصالح أن نتخلص من أي عاطفة تمامًا، وأن نتوقف عن أحلام اليقظة، وأن نركز على أهدافنا الوطنية الراهنة، علينا أن نتوقف عن ترديد حقوق الإنسان، وتحسين مستوى المعيشة، أو إحلال النظام الديمقراطي، وبقدر ما يكون ارتباكنا بسبب الشعارات المثالية أقل، بقدر ما يكون ذلك أفضل”.
جورج كينان، رئيس إدارة الدولة الأمريكية للتخطيط 1948.
أوركسترا الموت
لا تحتاج الكثير من البحث لتعرف كم الجرائم البشعة التي أدارتها أمريكا، وخططت لها.. ولا يحتاج أي عاقل للكثير من القراءة ليدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الراعي الرسمي لمعظم المجازر الدموية، والإبادات الجماعية، والانقلابات العسكرية في العصر الحديث.. هذا باستثناء من أقام بينه وبين الحقيقة سورًا معرفيًّا مشوّهًا قائمًا في الأساس على مسلمات إعلامية خاطئة، ومزيفة، ولم يكلف نفسه القليل من الجهد ليبحث في مدى صحتها.
إن علاقة أمريكا بوكلائها وأنظمتها في البلدان الأخرى على المسرح السياسي، تشبه كثيرًا علاقة المايسترو بباقي أعضاء الأوركسترا.. حيث يقف في مقدمة المسرح، ممسكًا بعصاه القاتلة، وأمامه جوقة من المجرمين، وما أن تتحرك العصا في جميع الاتجاهات، وبحركات عصبية قد لانفهمها ونستغربها، يتنزه ملاك الموت في حزن على نغمات سيمفونية الرصاص، بين أنقاض المباني، وفي الأزقة والبيوت، يرفع منجله ليمارس عمله الروتيني المعتاد في حصد أرواح الأبرياء، وإرسالهم إلى العالم السفلي بتقريرٍ عليه ختم الإدارة الأمريكية.
والحق أن التاريخ يؤكد لنا أن هذه العلاقة تتطور لتصل أحيانًا إلى أن يتولى المايسترو بنفسه مهمة العزف بدلًا من وكلائه الأوفياء حفاظًا على “مجاله العظيم”، ومصالحه المقدسة.
الأمر الذي عبر عنه القاتل الكبير جورج بوش عندما قال: “يجب ألا نتدخل في كل حالات العنف الإجرامي، إن أيديولجيات الأمة يجب ألا تتعارض مع مصالحها”.
نقطة البداية السوداء.. رسالة من شاهدٍ على الجحيم
معروف أن بداية أمريكا كانت قائمة على جثث ملاين من الهنود الحمر، وقامت أيضًا على جثث المهجّرين من الأفارقة.. ولو نظرنا إلى التاريخ باعتباره المرآة التي نرى من خلالها مصائر الأمم، وندرك عبرها الأسباب والظروف التي غالبًا ما تتكرر على مر الزمان بأشكال مختلفة، الأمر الذي يجعلك تعيد النظر في كلام نيتشه عن العود الأبدي!
الرسالة التي سأعرض مقتطفًا منها الآن هي رسالة من المطران بروتولومي دي لاس كازاس، الشخص الذي تحدث عنه المؤرخ الفرنسي الشهير مارسيل باتبيون، وقال أنه أهم شخصية في تاريخ القارة الأمريكية بعد مكتشفها “كريستوفر كولومبوس” وأنه ربما كان الشخصية المسيحية الوحيدة التي تستحق الاهتمام في عصر اجتياح المسيحيين الإسبان لهذه البلاد.
إن هذا الكاهن دي لاس كازاس كان شاهدًا على إبادة عشرات الملايين من سكان الأمريكتين.. ولأنه تجرد من كل شيء إلا إنسانيته، وثق هذه المجازر التي رآها وكتب شهادته النادرة التي جعلت البعض يطلق عليه “رسول الهنود”. لن أطيل الحديث عن دي لاس كازاس، وأركز هنا على جزء من رسالته أعتقد أنه يكفي لإظهار جزء بسيط من البداية السوداء لأمريكا.

المطران بروتولومي دي لاس كازاس
رسالة
“من المطران بروتولومي دي لاس كازاس إلى سمو أمير بلاد إسبانيا مولانا دون فيليب
إنني أُريد أن أحدثكم يا سمو مولاي عن الشرور والآثام، وعن الدمار والخراب، في هذه الممالك الكبيرة، أقصد هذا العالم الجديد الشاسع المسمى ببلاد الهنود الحمر التي وهبها الله لملوك قشتالة، وأناطها بهم ليسوسوها ويصلحوا أمرها ويهدوا أهلها إلى المسيحية فينعموا عليها بأمل الدنيا والآخرة.
إن الذين ذهبوا إلى هناك من أدعياء المسيحية، أبادوا الشعوب الهندية ومحوا ذكرها من وجه الأرض، إما بالاجتياحات الدموية المتوحشة، وإما باستعباد من تبقى استعبادًا فظًا غليظًا شنيعًا لم يشهد مثله البشر ولم تعرفه الدواب.
لقد قام المسيحيون بمذابح لم تُعرف في تاريخ الشعوب، كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلًا أو حاملًا أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم ويقطعون أوصالهم كما يقطعون الخراف في الحظيرة.
وكانت فنون التعذيب لديهم أنواعًا منوعة. بعضهم كان يلتقط الأحياء فيقطع أيديهم قطعًا ناقصًا لتبدو كأنها مُعلّقة بأجسادهم، ثم يقول لهم: “هيا احملوا الرسائل”، أي هيا أذيعوا الخبر بين أولئك الذين هربوا إلى الغابات. أما أسياد الهنود ونبلاؤهم فكانوا يقتلون بأن تصنع لهم مشواة من القضبان يضعون فوقها المذراة، ثم يُربط هؤلاء المساكين بها، وتوقد تحتها نار هادئة من أجل أن يحتضروا ببطء وسط العذاب والألم والأنين.
وذات يوم خرج إسباني لصيد الغزلان والأرانب، ومعه كلابه السلوقية لكنه لم يصطد شيئا، وبدا له أن كلابه جائعة، فسرق طفلًا من أمه فقطع أطرافه وأعطى كل كلب حصته. وحين التهمت الكلاب تلك القطع، رمى لها بالجسد الصغير لكي تلتهمه. وذلك هو بطش المسيحيين في تلك المناطق وتلك فظائعهم. لقد قست قلوبهم فعاملوا الهنود الذين خلقهم الله على صورته. وكفر عن خطاياهم بدمه ولسوف أروي ما هو أفظع من ذلك”.
إن الهدف من عرض هذا المقتطف هو توضيح نقطة البداية السوداء لأمريكا، وهل اختلفت هذه النقطة كثيرًا في العصر الحديث أم لا.. ويبدو أن الماضي والحاضر يخبرانا بكل بساطة أنهما لم يشعرا بأي تغيير!
نماذج من العصر الحديث
يقول ديفيد بروكس في مقالته المهمة جدًا بعنوان (قوتنا التي أفسدتنا):
لقد أوكل التاريخ لأمريكا مهمة قذرة، وهي القيام بأعمال خطيرة أخلاقيًا، لم يحاول الأمريكيون تجنب القيام بهذه المهمة، ولكنهم لم يتوقعوا أن يكونوا قديسين أيضًا”.
إن كل مهتم بالتاريخ يدرك جيدًا أن الانقلابات العسكرية التي حدثت، كانت دائمًا برعاية أجنبية، وبمباركة أمريكية في أغلب الأوقات، وأن أمريكا تعرف جيدًا خطر أن يخرج أحدهم من فلكها الذي رسمته وخططته، بل يصل الأمر أحيانًا لإبادة قرى كاملة لتكون عبرة لمن يفكر فقط في التحرر من الشبكة الأمريكية.
انقلاب تشيلي 1973
ليست أمريكا وحدها التي تحمل ذكرى محزنة يوم 11 سبتمبر، ففي الوقت التي تحيي فيه أمريكا ذكرى أحداث برج التجارة العالمي، تُحيي تشيلي 11 سبتمبر آخر جرت وقائعه 1973 حيث قادت الولايات المتحدة انقلابًا دمويًا أطاح بالرئيس اليساري المنتخب سلفادور الليندي.
منذ اليوم الأول لليندي في الحكم، كنت إدارة ريتشارد نيكسون قد قررت التخلص منه بأي ثمن.
وقد سعت الولايات المتحدة بكل الوسائل لمنعه من الفوز في الانتخابات أصلًا، ثم حين فشلت وفاز الليندي فعلًا، بذلت جهودًا مضنية لمنع تنصيبه رئيسًا من جانب الكونجرس التشيلي، وفشلت للمرة الثانية وتولى الليندي الحكم.
“لا أفهم لماذا يجب علينا الوقوفُ مكتوفي الأيدي ونحنُ نُشاهدُ دولةً تتحوَّل إلى الشيوعية، بسبب انعدام مسؤولية أهلها. الظواهرُ كثيرةٌ جدًا وواضحة للغاية ويجب على مواطني تشيلي أن يتّخذوا قرارهم بأنفسهم”.
هذا ما قاله هنري كسينجر، الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي 1969 مما دعم نفوذ الحكومة الأمريكية في الشؤون السياسية لدور أمريكا الجنوبية.
كان كسينجر هو المهندس الحقيقي للإنقلاب، وحذر في تقرير له من بقاء الليندي في الحكمي لأنه مثل خطرًا على الولايات المتحدة، فهو أول اشتراكي يصل للحكم بالانتخاب، وهذا يقوض البروباجندا الأمريكية التي سعت لإقناع الناس بأن الاشتراكيين والشيوعيين دمويون وقمعيون ولا يؤمنون بالديمقراطية.
فضلًا عن تأميمه الكثير من الصناعات الحيوية والخدمات الأساسية، ونجاحه في جعل الرعاية الصحية والتعليم متاحين للقطاعات الفقيرة التي حرمت منهما طويلًا.
وقد مثل التأميم والعدل الاجتماعي خطرًا مباشرًا على مصالح النخبة التشيلية اليمينية، والمصالح الاقتصادية الكبرى والولايات المتحدة.
كما أنه سيكون ملهمًا لدول أخرى لتحذو حذو تشيلي بخصوص السياسات المستقلة والتأميم والعدالة الاجتماعية، والخروج عن الفلك الأمريكي.. وهنا كانت أهم خطورة!
جرت العملياتُ السرية للغاية، التي نفّذتها وكالةُ الاستخبارات الأمريكية من أجل زرع القلاقل في صفوف حكومة الجبهة الشعبية، تحت المُسمَّى “مشروع فوبلت” .. كان وزيرُ الخارجية ويليام روجرز ووزيرُ الدفاع ملفن ليرد والسفير الأمريكيّ في سانتياجو إدوارد كوري على اطلاعٍ بهذه العمليات. (يُقالُ إن وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت قد أطلعت وكالة الاستخبارات الاتحادية على مشروعها قُبيل الانقلاب العسكريّ ضد سلفادور ألليندي بأيامٍ قلائل. ويبدو أن وزارة أمن الدولة في ألمانيا الشرقية قد علمت بالخبر عبر عملاء مزدوجين لها على أرض نظيرتها، لكن جاء هذا مُتأخرًا للغاية، حتى يتسنى لها تحذيرُ الليندي مما يُحاكُ له في الظلام).
ففي 11 من سبتمبر 1973 تحولت العاصمة سانتياجو إلى كرة من اللهب، وحوصر القصر الجمهوري وتم قصفه بالطائرات، فاشتعلت النيران في القصر وفي داخله الرئيس الليندي.
وبعد ساعات ألقى الرئيس من داخل القصر خطابًا مقتضبًا ومؤثرًا لقي نحبه بعده، وسط روايات تتواتر حتى اليوم تقول: إنه انتحر لئلا يقع في أيدي خصومه. وروايات أخرى تقول: إنه قُتل.
وقبل أن يتم إطفاء النيران التي أضرمت في القصر، كان الجيش قد أحكم سيطرته على البلاد، وتولى الحكم بعدها مجلس من ثلاثة جنرالات؛ منهم أوجستو بينوشيه الذي تخلص تدريجيًّا من الاثنين الآخرين، ليحكم تشيلي وحده بالحديد والنار لمدة 17 عامًا كاملة.

سلفادور الليندي أثناء الانقلاب العسكري في تشيلي – 11 سبتمبر 1973
أمريكا ويلتسين..قصف البرلمان
أنا قتلت في البيت الأبيض
المدرعات والدبابات
لم تبخل بالنيران
الحوامات هدرت
احترق البيت الأبيض
أصبح قبرًا أسود
للمعتصمين فيه
أنا قتلت في البيت الأبيض
لا تشفقوا علي
الميت لا يشعر بالخزي
شرفي أنقذ
الذل والخزي والعار
من نصيب الأحياء
الذين يستجدون الصدقات
من الطغاة
الخائن التاماني
الذي أطلق علي النار
ويهوذا الريازاني
حتى آخر يوم
حتى النهاية سيعيشون
مسربلين بالعار
ولن يمحى الدم أبداْ
عن أيديهم.
أنا قتلت في البيت الأبيض
لعله قدري أن أسقط
مع الذين قاتلوا
من أجل سلطة السوفيتات
من الأفضل لي أن أموت
هنا واقفاْ مع العلم الأحمر
على الركوع أمام
العملاء الخونة
نشرت هذه القصيدة في جريد البرافدا الروسية
كتبها أحد المدافعين عن مبنى مجلس السوفييت الأعلى لروسيا الاتحادية، المعروف بالبيت الأبيض بين أهالي موسكو في أحداث أكتوبر 1993.
في 21 سبتمبر 1993 أصدر يلتسين قرارًا بتعطيل الحياة البرلمانية، والمحكمة الدستورية.. وكانت هذه نقطة البداية
رفض البرلمان هذا القرار، وأعلن أن الرئيس خالف الدستور، مما يعد أساسًا قانونيًا لتنحيته!
وكان رد فعل يلتسين أن ضرب حصارًا شاملًا من الأسلاك الشائكة، وأرسل التامانية والريازانية وهما فرقتان مهمتان من القوات الخاصة في الجيش الروسي ساهمتا في قصف مبنى البرلمان الروسي بالمدافع ومن ثم تنظيفه من المدافعين عنه من المتطوعين خلال أحداث أكتوبر 1993.
ازدادت الأعداد الزاحفة واحتلت مبنى بلدية موسكو، ثم مبنى التلفزيون، إلى أن قرر يلتسين ضرب البرلمان وقصفه، فسقط أكثر من 1500 ضحية، ومثلهم في مبنى البلدية والتلفزيون إلى ان استسلم البرلمانيون.
أما الموقف الأمريكي فكالعادة كان مع الدماء، ليوصي نيكسون كلينتون بدعم يلتسين في أعماله.
“ويخبر كريستوفر وزير الخارجية الأمريكي نظيره الروسي أثناء حصار القوات الروسية للبرلمان : نريد أن نكون بجانبكم وقتما تحتاجون إلينا.
وكتب مرتن واكر مراسل الجارديان في واشنطن أن نيكسون أوصى الغرب والإدارة الأمريكية بدعم يلتسين في مواجهة البرلمان الذي يصر على الديمقراطية والإصلاحات!”.
انقلاب جواتيمالا .. 200 ألف قتيل برعاية أمريكا
عام 1944 قامت ثورة في جواتيمالا.. أسست لحكم ديمقراطي وبدت بشائر نجاح التنمية الاقتصادية المستقلة، “قامت ثورة شعبية في جواتيمالا ضد الديكتاتورية التي حكمت البلاد منذ بداية القرن العشرين. ولم تكن تلك النظم الديكتاتورية المتعاقبة تستخدم فقط شتى أنواع القهر والتعذيب وإنما انحازت بوضوح للنخبة الثرية على حساب باقي فئات الشعب، وسمحت بسيطرة خارجية مذهلة على مقدرات البلاد تحت شعار فتح الأبواب للاستثمار الأجنبي.
فقبل قيام الثورة مباشرة، كانت «الشركة المتحدة للفاكهة»، وهي شركة أمريكية، قد سيطرت على 42% من أراضى جواتيمالا الزراعية ومارست عملها في ظل إعفاء ضريبي وجمركي كامل، واشترت السكك الحديدية ثم امتلكت شركة الكهرباء والتليفون والتلغراف. باختصار، صارت الشركة المتحدة للفواكه تحتكر جواتيمالا، إذا جاز التعبير، وكانت نتيجة لذلك هي صاحب العمل الرئيسي الذي يعمل لديه غالبية الشعب وفق القواعد التي تحددها الشركة”.
يقول نعوم تشومسكي في مقال له بعنوان “إجرام في جواتيمالا”:
قادت وكالة الاستخبارات المركزية عام 1954 انقلابًا عسكريًا كان من شأنه وضع حدّ لعشر سنوات عمّت خلالها الديمقراطية في جواتيمالا – وهي تُعرف هناك بـ«سنوات الربيع» – ليتربّع بعدها رئيس وحشي من النخبة على عرش السلطة. وفي تسعينيات القرن العشرين، صرّحت منظّمات دولية كانت تجري تحقيقات في مجال القتال الذي شهدته البلاد، أنّه منذ عام 1954، قُتل نحو 200 ألف شخص في جواتيمالا، من بينهم سكّان محليون بلغت نسبتهم من بين القتلى 80 في المئة. إشارةً إلى أنّ معظم مرتكبي هذه الجرائم ينتمون إلى قوّات الأمن في جواتيمالا، وهم يشكّلون قوات شبه عسكرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا فيما بينها. ولا بدّ من القول إنّه قد تمّ ارتكاب هذه الفظائع بمساعدة الولايات المتحدة ومشاركتها القوية. ومن بين الحجج النموذجية، التي تُقدّم لتبرير اندلاع الحرب الباردة، هي أنّه كانت جواتيمالا تشكّل «رأس جسر ساحلي» روسي في أميركا اللاتينية.
أمّا الأسباب الحقيقية، والتي تمّ توثيقها بإسهاب، فكانت أيضًا نموذجية، وهي التالية: قلق على مصالح المستثمرين الأمريكيين، وتخوّف من أن تكون تجربة الديمقراطية، التي من شأنها تمكين الفلاحين الذين يشكّلون الأغلبية المقموعة بقسوة، «فيروسًا» قد «يكون معديًا»، بحسب ما ورد في الجملة العميقة، التي صرّح بها كسينجر، في إشارة إلى تشيلي التي كانت تتميّز بنظام اشتراكي ديمقراطي يترأسه سالفادور ألليندي. أمّا نيكاراجوا، فاختلفت عن غيرها من البلدان؛ فكانت تتمتّع بجيش منوط به الدفاع عن الشعب، لذلك، عمد «ريجان» إلى تنظيم قوّات حرب العصابات التي تنتمي إلى الجناح اليميني بغية شنّ الحرب.
حصار العراق واستخدام الموت البطيء
كأن القدر يريد أن يزيد الواقع سخرية، بأن يجعل يوم الذكرى الخامسة والأربعين لإلقاء قنبلة هيروشيما،1990، وربما في نفس الساعة التي بدأت فيها النواقيس تقرع في هيروشيما، مذكرة الناس في كل مكان بالجحيم الذي يتهددهم بوجود القنبلة الذرية، سلاح الدمار الشامل، أن يكون هو يوم ارتفاع الأيدي في مجلس الأمن لتوافق على القرار 661 بفرض الحصار على العراق، والذي استمر، رغم تحرير الكويت 13 سنة!
عندما سُئلت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في مقابلة تلفزيونية عن استقالة 2 من مفوضي الأمم المتحدة لأنهم لم يستطيعوا تحمل وزر وفاة مليون ونصف المليون طفل عراقي راحوا ضحية نقص الغذاء والدواء بسبب الحصار الذي تفرضه أمريكا على العراق.
ردت أولبرايت قائلة: ربما يكون ثمنًا غاليًا كما تقول، لكننا نرى أن الهدف الذي نطلبه يساوي ذلك الثمن وأكثر منه!
إن الحديث عن النماذج الدموية التي كانت برعاية من المخابرات الأمريكية حديث طويل، قد تكتب فيه مجلدات وكتب، والتاريخ الأمريكي في دعم الانقلابات واضح ومعروف، جميعنا نعرف ما فعلته أمريكا بإيران 1953 وفي جواتيمالا 1954، وفي تشيلي، والأرجنتين، وبنما، والكونغو، والدومينيكان 1963، والبرازيل، والجزائر، ومصر … إلخ.
وتكفي الـ 4 نماذج السابقة لإظهار الوجه الأمريكي الحقيقي المستمر حتى وقتنا هذا.
رقصة التانجو ما زالت مستمرة
إن رقصة التانجو، الرجل فيها هو الذي يقود المرأة، ويحدد حركتها.
هناك لغة ضمنية حيث يؤدي بعض الحركات ليدعو المرأة للقيام بحركة معينة، وبهذا تعتمد حركات المرأة على حركات الرجل غير الثابتة.
هذا ما تفعله أمريكا مع أنظمتنا المجرمة الآن، تضعها في إطار محدود، وفلك غير مسموح أن يخرج عنه أحد، حتى لو كلفها ذلك أن ترقص على دماء آلاف الشباب والأطفال والنساء.
إن ما يحدث على الساحة العربية بشكل عام لن ولم يكن أبدًا نتاجًا لظروف داخلية فقط، إنما هي ظروف طُبخت من الخارج، وأن أي تغيير مرغوب، وأي نية للتحرر لن يُكتب لها الخروج إلى النور، مالم تصطدم بهذه الحقيقة، ومالم تصطدم بهذا الفلك العالمي وقواعده.
والحق أن كل من يظن أنه قادر على تغيير الأمور وهو داخل الـ “رقصة”، وهو مقيد بحركات الرجل الأمريكي المتغيرة، وهو يدور دورته الأبدية في الفلك، كل من يظن ذلك واهم، وسطحي، لأن العمل داخل هذا الفلك يعني القبول التام بقواعده، وتغيير أي شيء فيه هو مجرد تغيير صوري، تحسين لشروط العبودية فقط، كأن يطلب العبد من سيده أن يخفف عدد الجلدات لأن ظهره لم يعد يحتمل.. رغم أنه قادر – لو أراد ذلك – أن يتحرر بالكامل من هذه العبودية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست