عندما يكون الانقسام برعاية الدولة يكون من الطبيعي أن يثير إعلان خبر وفاة الإعلامي المصري، وائل الابراشي، موجة كبيرة من التعليقات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. جزء فرح لموت الرجل المعروف بتأييده المطلق للنظام المصري، وجزء آخر يترحم عليه. حتى تدخلت دار الإفتاء المصرية في الجدل الدائر، ودار الإفتاء لا تترك فرصة لإثارة الجدل إلا ودخلت بها لتصدر بيانًا عاجلًا للتعليق على الشامتين بوفاة الابراشي حسب ما سمتهم.
وقالت في بيانها إن تعليق بعض شباب السوشيال ميديا على مصائر العباد الذين انتقلوا إلى رحمة الله تعالى ليس من صفات المؤمنين، ولا من سمات ذوي الأخلاق الكريمة ويزيد الأمر بعدًا عن كل نبل وكل فضيلة أن تُشْتَمَّ في التعليق رائحة الشماتة وتمني العذاب لمن مات، فهذا الخُلق المذموم على خلاف سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي كان حريصًا على نجاة جميع الناس من النار.
إلى هنا انتهي بيان دار الإفتاء صاحبة الآراء المثيرة للجدل والتي كانت قد نشرت سابقًا حملات تحريضية على خصوم سياسيين أيضّا ما لم يذكره بيان الإفتاء وتداولته الكثير من الحسابات في الفضاء الأزرق. المقاطع المقتبسة من حلقات الراحل وائل الإبراشي وانتشاؤه بفض اعتصام ميدان رابعة العدوية والنهضة، بل زاد أن طلب الراحل من السيسي بجعل هذا اليوم عيدًا للدولة المصرية التي استعادت هيبتها بفض اعتصام سلمي أعزل قتل فيه المئات حرقًا.
ليس إلى هذا الحد فقط، بل أول ما نشر عقب الإعلان عن وفاة الابراشي وتداولته أيضًا العديد من الحسابات، هي صور للداعية الأزهري الدكتور محمود شعبان، الذي كان الابراشي سببًا رئيسيًّا في سجنه حتى كتابة هذه السطور، هذه الظاهرة التي أصبحت منتشرة ويتسع المجال لأمثلة كثيرة تعبر عن حالة الاستقطاب الحاد التي يعيشها المجتمع المصري بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي وحالة شيطنة الآخر التي انتهجها النظام في التعامل مع خصومه السياسيين، حتى أصبحت سمة غالبة على الخطاب الإعلامي المصري والموقف الرسمي للدولة الذي ينذر بتأجيج النزاعات والانزلاق إلى ما هو أخطر من الحرب الكلامية.
وللأسف فقد وصل الانقسام والاستقطاب في مصر إلى حدود غير مسبوقة، ولقد أدت عمليات الاستقطاب والإقصاء والشحن بين الفرقاء السياسيين، إلى انتقالها إلى شرائح أوسع من الجمهور على خطوط انقسام سياسية، وأيديولوجية، ودينية، وثقافية، مؤدية إلى تراجع عمليات التوافق المجتمعي، وتزيد من عمق الانقسامات الفكرية، وتهدد التماسك العضوي داخل كل النسيج المجتمعي، والمعزز لهذا الاستقطاب يكمن في الموقف الرسمي للدولة المصرية، والذي أفصح عنه النائب محمد أنور السادات، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في حوار سابق له مع موقع «مدى مصر» والذي حذف لاحقًا، بتأكيد السلطات عليه عدم المطالبة بالإفراج عن أي معتقل سياسي من الإسلاميين، «الإسلاميين خط أحمر» على حد تعبيره، ولهذا الموقف دلالات عظيمة أبرزها أن حالة الاستقطاب هذه مستمرة في المجتمع المصري بأمر ورعاية حكومية، والتي ينذر الجميع بخطرها على الدولة المصرية قبل النظام، ولعل وفاة الابراشي فيض من غيض لهذه الظاهرة المرعبة التي رسختها السلطة المصرية على كافة أصعدتها الرسمية.
اجتماعيًّا وصلت مصر لحالة من الانقسام المجتمعي والطبقي تنذر بانفجار وشيك فقد تضاءلت القواسم المشتركة بين طبقات الشعب المختلفة بعد تمايزها واختلافها نتيجة لسياسات التمييز التي يعززها الموقف الرسمي للدولة، فهناك طبقة تفردت لنفسها بصك الوطنية متهمة كل من خالفها بالخيانة ويكفي نظرة بسيطة لما يطلق عليه «الدولجية» الذين يعتبرون أنفسهم رمانة ميزان وصمام أمان لمواجهة من يريدون هدم الدولة والمجتمع بأفكار يرونها هم خطرًا على النظام واتساع هذه الطبقة بعد التحاق «البرجوازيين» بركب السلطة، إضافة إلى تعظيم وإبراز الخلافات الدينية والمذهبية والعرقية، ومن أمثلة ذلك توثيق علاقة النظام بالكنيسة وإظهارها شريكًا سياسيًّا على حساب الأغلبية المسلمة، وفي الوقت نفسه استغلال الحوادث المتكررة ضد الكنائس والأقلية المسيحية لتخويفهم وسلخهم عن باقي مكونات المجتمع، وهو ما يسهم في استمرارية تحالفهم والتصاقهم بالنظام الحاكم، ولعل حادثة فتاة أسيوط التي أعلنت إسلامها في الأزهر قبل أن يختطفها الأمن الوطني منذ أيام ويعيدها للكنيسة هي من أوضح الصور على التحالف بين النظام والكنيسة كنوع من تعزيز الانقسام في المجتمع.
ويتفق الجميع من كتاب وصحافيين وأصحاب الرأي على ضرورة تدخل العقلاء لوقف مظاهر الانقسام والاستقطاب بشكل فوري والبدء في مصالحه مجتمعية شامله تضمن الاستقرار للمجتمع المصري الذي بات منقسمًا بشكل مخيف.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست