كيف بدأ مراد معي؟ بإمكاننا أن نطرح هذا التساؤل بداية.

في منتصف 2012، لم يكن هناك عدد كبير يعرف أحمد مراد، فقط كانوا قراء الشروق المخلصين، كنت أعمل في إحدى أماكن بيع الكتب في هذا الوقت، وفجأة ولمدة ثلاثة أيام كان الناس يسألونك يوميًا وتردك الاتصالات عن رواية مجهولة اسمها تراب الماس، لم تكن رواية معروفة لمؤلف ممن يسأل عنهم الناس، في هذه الآونة لم يكن منتشرًا إلا عدد من المؤلفين الشبان يعد على الأصابع ويقل بكثير عن تلك الهوجة التي ارتكز على أعمدتها كتاب الشباب والجيل السياسي القديم، اشترينا نسخةً بسبب الأسئلة الكثيرة من دار الشروق بسعر لم يتعد العشرين جنيهًا للنسخة الأصلية، ومن ثم لم يحضر أحد ولم يشترها أحد وظلت النسخ مهملة في المكتبة حتي بيعت في ديسمبر 2012 بخسارة لأحد المارة، ومن ثم حصل الأمر من جديد، ولأسابيع يسألك الناس يوميًّا عن تراب الماس والفيل الأزرق، ولعمري لم أر مبيعات لكتاب مثلما رأيت في أواخر عملي في تلك المكتبة مع رواية 1919، وكأنك تبيع الصابون لا الكتب.

كيف بدأ مراد؟

منذ عشر سنوات نشرت دار ميريت بالقاهرة رواية لكاتب مجهول واعد يسمى أحمد مراد، والرواية تدعى «فيرتيجو»، لم يسمع لها أحد صوتًا، وظلت طبعاتها خمسة أعوام متداولة في السوق، بعد عدة أعوام ظهرت طبعة أخرى مع دار نشر صاعدة بشدة وهي دار بلومبيزي قطر، وظلت الرواية متداولة حتى صفت الدار حساباتها وغادرت مصر إبان استرداد السلطة العسكرية الحكم في مصر عام 2012، ظهرت طبعة جديدة مع دار الشروق أنيقة وتحمل تعليقـًا مشجعًا للكاتب الكبير صنع الله ابراهيم على ظهر الغلاف، وفي العام نفسه تحولت الرواية لمسلسل تلفزيوني، كما فازت بجائزة البحر المتوسط وترجمت.

فيرتيجو

إننا أمام قصة تشبه إلى حد كبير قصص مروان حامد، لدينا بطل شعبي ورجال أعمال فاسدون وسلطة مدفوعة الأجر وتحليل دقيق للمجتمع المصري، بناء سينمائي منضبط للرواية وكتابة يظهر جليًا التعب فيها، مصور مثل الكاتب اسمه أحمد أيضًا إلا أنه متخصص في الافراح، يصور فيلمًا يتضمن معركة لرجال أعمال مصريين تدخله في المشكلات، وقضية أكبر من حجمه بكثير، فهل يستطيع النجاة؟ تلك هي القصة على أسلوب قناة mbc2

تراب الماس

الرواية الثانية لمراد ظهرت أول طبعة مع دار الشروق عام 2010 بمقدار الأناقة نفسه وعبارة صنع الله ابراهيم، وما زلنا في عالم متأثر بمروان حامد لا عجب أنهم شكلوا دويتو رائعًا في فيلمين، بعد هذا بدأت في الانتشار مع ظهور واضح لصور الرئيس السابق محمد مرسي في جورنال الأهرام وتحتها اسم المصور أحمد مراد.

مندوب دعاية اسمه طه، وعائلة من المليونيرات تاجر المخدرات والشاذ واللص وضابط متورط ومجتمع متهتك وظلم لطه، والآن طه يتكتك، ويقتل الجميع وينتصر البطل الشعبي تصفيق.

على طراز الرواية السينمائية والفكرة التي تجذب الشباب إلى كاتب قد يكون معبرًا بقلمه عن المهم ضد السلطة، وخصوصًا التوقيت الذكي لنشر العملين بعد الثورة، بدأ مراد كاتبًا واعدًا ورمزًا للشباب محبوبًا للغاية.

الفيل الأزرق

في 2013، بدأ نجم أدب الرعب بالصعود، وفي 2013 ارتكب مراد أول خطأ قاتل، وفي 2013 نشرت الرواية الثالثة الفيل الأزرق تحتوي على قصة مثالية لأدب الرعب، للمرة الأولى ابتعد مراد عن نمط البطل الشعبي، ولكن لم يبتعد عن البناء الروائي السنيمائي المعتاد وكتب رواية تحبس الأنفاس، يحيى طبيب نفسي فضل العزلة عن العمل بسبب مأساة أغرقت حياته، يضطر للعودة إلى العمل في مستشفى الأمراض العقلية ليجد صديقه متهمًا في جريمة قتل، محجوز في المستشفى، وبمرور الأحداث نرى أن ما بصديقه ليس مجرد جنون بل هو أكبر من هذا بكثير، الرواية جيدة وقد حولت إلى فيلم سينمائي عبقري، بدأ يفتح عصرًا جديدًا من التعاون بين الأدب والسينما.

انتشرت الرواية منذ نشرها كالنار في الهشيم، مبيعات عالية والوصول لقائمة البوكر العربية القصيرة، إنه المجد كما يجب أن يكون، سأنصحك نصيحة حينما تصبح كاتبًا مشهورًا مخضرمًا، اكتب حسب موجة ما ينتشر بين القراء عملًا قويًّا وانتظر أن تحصد المجد.

إلا أن مراد ارتكب في العام نفسه حماقة قاتلة بصورة مع قائد الانقلاب العسكري في 2013 والرئيس المصري الحالي، وهذه الحماقة أفقدت مرادًا جزءًا كبيرًا من جمهوره، لقد ظهر مجد مراد مع شباب الثورة، كانوا يعتقدون أنه رمز لجيل الثورة، ومع صورة مثل هذه مع الشخص الذي حطم الثورة في منظور كثير من الشباب أنت تنتحر، إلا أن تلك ليست أكبر حماقات أحمد مراد، فهي تكمن في روايته الرابعة.

1919

عام 2014، ظهرت الطبعة الأولى من الرواية، إنها قصة ثورة 19 بشكل مختلف من مذكرات القادة وبالتحديد مذكرات سعد زغلول، فتاة سورية تخطف لتعمل عاهرة، وبطل الثورة الحقيقي أحمد كيرة، وقائد الثورة الحقيقي عبد الرحمن فهمي، وشاب هائج مائج يتحدون معًا لمقاومة الإنجليز.

إنها أقوى أعمال مراد من ناحية البناء الروائي والسرد؛ فهي أكثر إحكامًا من باقي الأعمال الستة، كانت مبيعاتها ضخمة للغاية، وما أدت إليه هو فقدان مراد لجمهوره من المثقفين، حين أظهر بعض أبطال الثورة بصورة غير لائقة بالنسبة إليهم، وهنا فقد مراد إلى الأبد مقعد الرمز والبطل، بل بدأ الجميع بمعاملته منذ ذلك الوقت كرمز للأدب الرديء.

نصيحة ثانية إن كنت المتنبي جرب أن تسخر من معتقد شخص ما وسيصمك بالركاكة إلى الأبد.

أرض الإله

2016 ظهرت الرواية تزامنـًا مع شهرة كتابي فرعون ذو الأوتاد وفرعون موسى الذين أوردا جدلًا جديدًا إلى الساحة، وهو هل فرعون موسى من الهكسوس، وبدأنا نرى عشرات المناقشات عن الحضارة الفرعونية وبعض الروايات هنا وهناك، إلا أن رواية مراد لأول مرة لم تكن جيدة تمامًا.

كاهن يحقق في جريمة قتل الكاهن الأكبر، ويحاول أحد الأمراء منعه فيبدأ بالهرب. تطابق البناء الروائي هنا مع بناء رواية عزازيل للكاتب المصري يوسف زيدان، ولأول مرة عمل لمراد ممتلئ بالمواقف معدومة المنطق، كما أن هذه الكتابة وشت بدراسة وقراءة قليلة عكس رواية 1919، فنحن أمام بناء وإن كان جيدًا كرواية سينمائية عربية، إلا أنه مهترئ كرواية تاريخية.

موسم صيد الغزلان

عام 2017 ومن عدة أيام صدرت رواية مراد السادسة موسم صيد الغزلان.

من الرواية التاريخية إلى أدب الدستوبيا، القاهرة المستقبل بعد أن جف النيل بالتزامن مع توقيت مرور مذنب قاتل للتكنولوجيا التي يعتمد عليها المواطنون اعتمادًا تامًا، وببطل عالم فيزياء حيوية غير مؤمن بوجود إله نرى رواية تنطلق من البداية تكسر ثالوث الدين والعلم والجنس بحثًا عن الإيمان فمن منهما يستحق الإيمان به.

البناء

لم يكن البناء سينمائيًا تمامًا، ولم يكن مرتبًا إنه عشوائي ينطلق بين الحلم والهذيان والواقع والمقال، بتشتت لا يعتمد الانتقال على ترتيب فذلك يخلق توترًا للقارئ أثناء تقدم أحداث القصة.

السرد

ما بين الفصحى والعامية والخليط والسرد المقالي نرى الرواية وقد ارتسمت بمستويات متعددة من اللغة، في حين أن هذا لم يكن متوافقًا مع السرد للأبطال، ولهذا كان السرد باندفاعه معبرًا عن رأي الكاتب لا عن سير العمل هذا صعب التلقي.

فترات السرد المقالي قامت بتدمير القصة، فأظن أنها لم تكن أكثر من فترات تطويل ليس إلا، تحمل بعض الأفكار الوجودية المشهورة والتساؤلات التي يظن كل البشر أنهم مخترعوها، حين يبدؤون بالتساؤل عنها هذا قبل مرحلة انعدام الأهمية لأي شيء في العالم.

كما أن السرد كان بمستوى لغوي يناسب الفئات العادية من الناس وهذا من مميزات أدب مراد.

الراوي

ضمير البطل والراوي العلم مثل عادة الرواية السينمائية، إلا أن هذه الرواية ليست سينمائية بسبب المقالية فيها.

الشخوص

أتت الشخوص متماثلة فكريًا كعادة مراد، ولكن كان المبتدأ واحد هنا لدينا 4 شخصيات أساسية، هي في الحقيقة شخصية واحدة فقط، وهذا من العيوب الشائعة في الأدب العربي.

إن المقدمة عن الشخوص كانت مبهمة، هذا ليس معمولًا به في الرواية السينمائية، ينبغي أن يعرف القارئ من هم هؤلاء جيدًا، إلا أنه لن يعرف إلا بعد نصف العمل من هؤلاء الناس وماذا يحدث هنا.

الحبكة

كما الأفلام الهندي انتهت الحبكة بطريقة غير منطقية نهائيًا «رغم أن الخيال العلمي لا ينتظر منه المنطقية»، ولكن هذه الحبكة لم يتم الربط لها في بداية العمل لم نر أي تحدث عن تناسخ الأجساد أو الحيوات السابقة، ولا دليلًا واحدًا على أن الغزالة كانت روبوتًا، ولا حتى وصف دقيق للروبوت، إنها حبكة في غاية الضعف.

اللغة

عامية في الغالب، فصحى بمستوى العامية وأفلام الكارتون لكي تتناسب مع أي قارئ، لم تكن متماسكة تمامًا إلا أنها أدت المطلوب.

تعتمد الرواية على بعض الأفكار الوجودية المنتشرة التي تثير الجدل، وهي تخرج بالتزامن مع رواية لدان براون تحمل الأفكار نفسها، ومع انتشار جدل الإلحاد بشكل كبير وصعود كتاب مثل عمر شريف متخصصين في هذه المواضيع الشائكة بما يمنح لهم شهرة وجمهورًا بين الشباب الذين لم تطور عقولهم بعد ولا ثقافتهم بعد، فيصدقون أي تبرير ما دام يتوافق مع أفكارهم.

وهؤلاء الناس سيهاجمون وإن بدأوا بالفعل هذا العمل، وهو ما سيفعل جدلًا ساحقـًا لن يصب إلا في مصلحة مبيعات الرواية غير الجيدة فنيًا بالمرة، إلا أنهم لن يهاجموها بسبب الفن بل بسبب الدفاع عن معتقداتهم؛ لأنه بسبب ضيق أفقهم لن يتقبلوا العمل أبدًا، فسيعميهم هذا عن رؤية السمات الفنية للعمل.

كان مشوار أحمد مراد الأدبي مهمًا وأعماله الستة شيقة، إلا أن آخر عملين يظهران انحسارًا إبداعيًا كبيرًا وضعفًا فنيًا أتمنى أن تنقشع تلك الغيمة في العمل القادم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد