السويداء محافظة سورية، سكانها من الطائفة الدرزية، المحافظة التي بقيت بعيدة من الصراع الدائر في باقي المحافظات السورية، وبينما كان أهل السنة الذين يمثلون الأكثرية في سوريا، يقبعون في السجون ويدفنون تحت الأرض ويتم تهجيرهم وتدمير بيوتهم، كانت السويداء طوال سنين الثورة السورية تعيش في أمنها وأمانها بعيدة كل البعد عن الثورة، إلا في بعض الأحداث التي لا ترتقي لضمها وعدها مع المحافظات الثائرة في سوريا، وهذا ليس بجديد وليست السويداء أول مرة تتأخر عن موكب الثوار ولا تقوم إلا بعد مرور سنين وسنين، ومع ذلك نتساءل هل بعد هذه السنين قامت لأجل الثورة؟ هل قامت لنصرة أخوانها السوريين؟ هل قامت لأنها لم تتحمل الضيم والجور الحاصل على جيرانها من أهل درعا؟ التاريخ يُجيب والتاريح خير شاهد ودليل وخير مُجيب عما طرحناه من أسئلة، وتحديدًا فترة الثورات السورية ضد الاستعمار الفرنسي، والثورة السورية ضد نظام الأسد.

1- الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي.

وقعت البلاد في عهد الانتداب وسقط جنود ميسلون شهداء يروون بدمائهم بلادهم الطاهرة وكانت أول المحافظات السورية التي قامت بثورتها رافضة لحكم الفرنسيين للبلاد، هي درعا وفي ذلك الزمان كانت حوران وليست فقط درعا، حوران بامتدادها الطبيعي، حوران الأردنية وحوران السورية، فهما جزء واحد لا يتجزأ رغم الحدود المصطنعة التي صنعها الغرب، وكانت الثورة قد انطلقت في درعا في نفس عام ميسلون، عام 1920(1).

أما في الجهة المقابلة وإذا ما نظرنا في تاريخ المنطقة وثوراتها، فالثورة السورية التي انطلقت من السويداء (جبل الدروز) وقادها سلطان الأطرش، فتاريخها هو 1925 وهذا يجعلنا نطرح سؤالين مهمين:

1- لماذا تأخرت ثورة الأطرش خمس سنوات، لالتحاقها بركب الثورات ورفض الاستعمار؟

نجد الجواب في أن جبل الدروز قد قبل هذا الانتداب مقابل أن يأخذ الجبل استقلاله الذاتي، وهذا ما ورد في المؤتمر الدرزي الأول الذي عقد في 20 ديسمبر (كانون الأول) عام 1920 والذي جاء فيه:
– حكومة جبل الدروز، حكومة سورية، ومستقلة استقلالًا داخليًّا، تامًا.
– تقبل حكومة الجبل الانتداب الفرنسي بشكل لا يمس استقلالها.(2)

2- لماذا انتفض الأطرش عام 1925.

لم ينتفض جبل الدروز من منطلق رفضهم للانتداب الفرنسي، فقد قدمنا أن الجبل وافق على الانتداب وأخذ استقلاله ووضعت الشروط بين الطرفين، وكانت انتفاضة الأطرش لأن الفرنسيين أخلوا بشروط الاتفاق.(3)

لا ننكر حجم التضحية التي قدمها الدروز في عام 1925 وما بعدها ولكنها حقائق التاريخ نضعها بين يدينا ونسعى لإنطاقها، وتبيان بعض الحقائق التي من حق الباحث التاريخي أن يتساءل عنها.

2- الثورة السورية ونظام الأسد.

قامت الثورة السورية عام 2011، وما زالت أحداثها دائرة حتى اليوم وكانت شرارة الثورة من محافظة درعا، وتحديدًا من مدينة درعا نفسها، ولم نر في السويداء وحتى عام 2020، مايمكننا عده انخراطًا في الثورة السورية، ولكنها عبارة عن بعض اعتراضات وأغانٍ وتجمهرات لا تزيد على 500 شخص، ويتحدث المهندس بهيج سلوم عن السبب قائلًا: لم تستطع السويداء حتى الآن أن تنخرط في الثورة، ويعود ذلك لأسباب عديدة أولها غياب الحاضن الجماهيري، لعدم وجود رغبة بين أكثرية الناس في السويداء بدفع الثمن الذي سيكلفه الاندماج بالثورة، فبرأي هؤلاء لا مصلحة في الوقوف مع أحد الطرفين المتحاربين.(4)

فقد قامت السويداء اليوم وفي عام 2020 لا لأجل الظلم والقتل الحاصل في سوريا، وإنما لأجل الجوع الذي بدأ ينهش في أجساد أبناء المحافظة كحال بقية السوريين مع تفعيل قانون قصير وجعله حيز التنفيذ، ويبقى الحديث عن عدم وجود شرفاء في السويداء، حديث لا نقول به ولا ندعمه؛ فالشرفاء في كل حي وكل قرية، غير أن حديثنا عن التأخر في اللحاق بركب الثورات، والتراخي في دعم أبناء الجوار، والعتب على من يشاركوننا تراب الوطن، والمشاركة الخجولة من نسبة قليلة مقارنة مع عدد سكان المحافظة، والتاريخ لا يرحم ويسجل الأحداث، فالتاريخ أعاد نفسه لتتأخر السويداء عن ملاحقة أبناء سوريا في المطالبة بالحرية والعدالة وحق العيش الكريم، والتظاهر في أوقات الضياع لأجل ما مسهم في أنفسهم من جوع أو ظلم أو فساد، فالشعار الذي رفعته السويداء «بدنا نعيش»(5) غير الشعار الذي رُفع في درعا عام 2011 «يا بثينة ويا شعبان، الشعب السوري مش جوعان»، والذي أخرج أهل حوران في ثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي 1920، غير الذي أخرج السويداء عام 1925.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد