الباب الثاني: جريمة الإبعاد والنقل القسري بمنظور القانون الدولي

 

L’image contient peut-être : 6 personnes, texte

 

1- القانون الدولي الإنساني

نتطرق في هذا الباب إلى التعريف بجريمة الإبعاد القسري بمنظور القانون الدولي الإنساني ومجال اختصاصه وخصوصية عدم تقادمها.

أ- تعريف الإبعاد القسري

تعرف الفقرة 1 من المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية, الإبعاد القسري بـ”إبعاد السكان أو نقلهم قسرًا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد منها أو بأي فعل قسري أو قهري آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولي كما في أحوال الحروب والأوبئة“.

وهو من الجرائم الحديثة في مجال القانون الدولي الجنائي والقانون الدولي الإنساني. أشير لهذه الجريمة أول مرة في اتفاقية لاهاي سنة 1907 ثم تعزز التشريع الدولي في هذا المجال بمعاهدة فرساي ثم معاهدة سيفر سنة 1920 واتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949 (1) والاتفاقية الرابعة منها هي التي توفر الإطار لحماية المدنيين في حالات الحرب وفي الأراضي المحتلة”.(2) والاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان 1950 وميثاق روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولي الذي كيفها على أساس جريمة حرب ومبادئ القانون الدولي الواردة في نظام محكمة نورمبرغ المعتمدة من قبل هيئة الأمم المتحدة في 11 ديسمبر (كانون الأول) 1946.

تجدر الإشارة إلى وجود اختلاف في مفهوم الإبعاد القسري Déportation الذي يخص عمليات النقل خارج إقليم الدولة في قضايا سياسية والنقل القسري Transportation وهو من الأحكام القضائية في القانون العام وغالبًا ما كان يصدر كبديل للحكم بالإعدام.

كانت نتيجة التنظير والبحث القانوني الدولي, حظر الإبعاد القسري أو النقل الجبري الجماعي والفردي للأشخاص واعتبرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 جريمة ضد الإنسانية وصنفت بمثابة جريمة إبادة جماعية. ”كل ما يؤدي إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بمنزلة إبادة جماعية”.

نصت المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً). في حالة اقتران عناصر هذه الجريمة، تستوجب المتابعة القضائية الدولية.

1- اتفاقية جنيف هي العمود الفقري للقانون الدولي الإنساني وعصب القانون الدولي الذي ينظم سلوكيات المحاربين أثناء النزاعات المسلحة ويسعى إلى الحد من آثارها على المجتمع.

2- موفق بن عطا البيوك، “القانون الدولي الإنساني: مفهوم وجوهر ومسؤوليات”، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كلية التدريب، رياض، 2012، ص 5.

ب- مجال اختصاص القانون الدولي الإنساني

يعرف القانون الدولي الإنساني على أنه مجموعة القواعد الدولية الموضوعة بموجب المعاهدات والأعراف التي تقوم بحل الإشكالات ذات الصفة الإنسانية الناجمة بصورة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية، والتي تحد من حق أطراف النزاع في اللجوء إلى ما يختارونه من أساليب أو وسائل للقتال وذلك لدواعي إنسانية وبهدف حماية الأشخاص والممتلكات. وضع لبناته الأولى كل من هنري دونان -رجل أعمال سويسري – وغيوم هنري دوفور – ضابط في الجيش السويسري – وتأسست قواعده في المؤتمر الدبلوماسي الذي عقد بجنيف سنة 1864 وشاركت فيه 16 دولة. (1)

للقانون الدولي الإنساني فرعان: “قانون جنيف” وهـو مجموعـة مـن القواعـد التي تحمي ضحايـا النـزاع المسـلح، مثل الأفراد العسـكريين الذيـن أصبحـوا عاجزيـن عـن القتـال والمدنييـن الذيـن كفوا عن المشـاركة مباشـرة فـي الأعمـال العدائيـة. “قانون لاهاي” وهـو مجموعـة مـن القواعـد المنشـئة لحقـوق والتزامـات الأطراف المحاربة في سـير العمليـات العدائيـة، والتـي تحـد مـن وسـائل وأسـاليب الحـرب. (2)

2- الجريمة الإنسانية

أ- التعريف

تعرف الجريمة الإنسانية على أنها تلك الجرائم التي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد أفراد آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم، بشكل منهجي تحت ذرائع فكرية أو دينية أو عرقية أو وطنية أو اجتماعية وتصنفها لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المنشأة بموجب القرار 188 المؤرخ في 21 نوفمبر (تشرين الأول) 1948 والتي أوكلت إليها صياغة مبادئ القانون الدولي المعترف بها في ميثاق نورمبرغ ومحاكماتها: “القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، الإبعاد وغيرها من الأفعال اللاإنسانية الأخرى المرتكبة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين أو الاضطهادات لأسباب سياسية أو دينية عندما ترتكب هذه الأفعال أو تتم مثل هذه الاضطهادات تنفيذًا لجريمة ضد السلام أو جريمة حرب أو بالارتباط بين الجريمتين”(3).

  1.  أي منذ بداية أول إبعاد قسري للجزائريين بتهم المشاركة في الثورة الشعبية للجنوب الوهراني بالجزائر
  2. اللجنة الدولية للصليب الأحمر, “القانون الدولي الإنساني – إجابات عن أسئلتك -“، جنيف، 2014، ص 5.
  3. ديلمي لامياء، “الجرائم ضد الإنسانية والمسؤولية الجنائية الدولية للفرد”، مذكرة ماجستير، جامعة مولود معمري تيزي وزو، 2012.

ب- أركان الجريمة الإنسانية

يجتمع في تكييف جريمة الإبعاد القسري أركان أساسية:

-الركن الشرعي: وتنطبق عليه القاعدة القانونية العامة: “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”. وتنص المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ”لا يسأل الشخص جنائيا بموجب هذا النظام الأساسي، ما لم يشكل السلوك المعني، وقت وقوعه، جريمة تدخل في اختصاص المحكمة…”.

-الركن المادي: ويتمثل في “النقل القسري والإكراه”. وهو فعل خطير ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي قامت به فرنسا ضد مجموعة من السكان الجزائريين المدنيين وذلك تنفيذا لسياسة الاضطهاد المنظم.

وعلى سبيل الذكر، قد تأخذ هذه الأفعال المجرّمة طابع السلوك الإيجابي أي القيام بالجرم فعليا وهو ما قامت به دولة الاحتلال الفرنسي في الجزائر أو طابع السلوك السلبي بالامتناع عن فعل إيجابي يحققان نتيجة إجرامية لها علاقة وطيدة ومباشرة بالسلوك الإجرامي. بصفة عامة يشمل الركن المادي كل الجرائم المذكورة في سياق القانون الدولي الإنساني، لا سيما ما نصت عليه المادة 7 من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية.

-الركن المعنوي: العلم بتبعات الإبعاد والنقل القسري وهو القصد الجنائي أي نية الفاعل في تحقيق النتيجة الإجرامية “النية الأثيمة”. يتوفر الركن المعنوي للجرائم ضد الإنسانية على عنصر الإرادة التي توجه الجاني نحو النتيجة الإجرامية وعنصر العلم أي إدراك الجاني وعلمه بالوقائع الإجرامية.

وفقًا للمادة 9 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 10 سبتمبر 2002:

· أن يبعد مرتكب الجريمة أو أن ينقل قسرا شخصا أو أكثر إلى دولة أخرى أو مكان آخر بالطرد أو بأي فعل قسري آخر لأسباب لا يقرها القانون الدولي.

· أن يكون الشخص أو الأشخاص المعنيون موجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي أبعدوا أو نقلوا منها على هذا النحو.

· أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت مشروعية هذا الوجود.

· أن يرتكب هذا الجرم كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من المدنيين.

-الركن الدولي:

أي أن الجرم “يمس مصالح المجتمع الدولي وقيمته التي حماها المشرع الدولي بغض النظر كون الفعل أو الامتناع مجرّمًا وفقًا لأحكام القانون الداخلي.” (1)

3- مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي

أ- المصادر الشرعية القانونية لمبدأ عدم التقادم

اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2391 (د-23) المؤرخ في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1968.(2) وأصبحت بذلك مصدرًا قانونيًا يدين الجرائم ضد الإنسانية ويعاقب عليها ويمنع أي تقادم لها.

إن قناعة المجتمع الدولي بمعاقبة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية لهو حماية له من تكرار هذه الجرائم وضمان لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتضفي على العلاقات الدولية فيما بين الشعوب والحكومات ثقة متبادلة وتكريسًا لمبادئ التعاون وتعزيز السلم والأمن الدوليين. يكون لزامًا بموجب هذه الاتفاقية الأممية ملاحقة ومتابعة المجرمين والقيام بإجراءات التسليم الدولية.

ب. مجالات عدم التقادم

تنص المادة الأولى من الاتفاقية على أن ”لا يسري أي تقادم على الجرائم التالية بصرف عن وقت ارتكابها:

– جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 أغسطس (آب) 1945.

– الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم، طرد السكان الأصليين بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، الميز العنصري، الإبادة الجماعية.

1.مصطفى أحمد فؤاد وأحلام علي محمد القرع, “جريمة الترحيل والإبعاد القسري للمدنيين في القانون الجنائي الدولي -دراسة تحليلية – مجلة جامعة فلسطين للأبحاث والدراسات، المجلد السابع، العدد الأول، مارس (أذار) 2017.

2. تشير ديباجة الاتفاقية إلى قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 (د-1) المتخذ في 13 فبراير (شباط) 1946 و170 (د-2) المتخذ في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1947 بشأن تسليم ومعاقبة مجرمي الحرب، وإلى القرار 95 (د-1) المتخذ في 11 ديسمبر (كانون الأول) 1946 والذي يؤكد مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية، وفي حكم المحكمة، وإلى القرارين 2184 (د-21) المتخذ في 12 ديسمبر (كانون الأول) 1966 و2202 (د-21) المتخذ في 16 ديسمبر (كانون الأول) 1966، اللذين نصا صراحة على إدانة انتهاك حقوق سكان البلاد الأصليين الاقتصادية والسياسية من ناحية، وإدانة سياسة الفصل العنصري من ناحية أخرى، باعتبارهما جريمتين ضد الإنسانية،”… وبواسطة هذه الاتفاقية يتأكد مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وبتأمين تطبيقهما تطبيقا عالميًا شاملًا”.

تسري أحاكم هذه الاتفاقية على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضًا مباشرًا على ارتكابها، أو الذين يتآمرون على ارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في ارتكابها.

الخاتمة

إن إثارة موضوع المبعدين إلى كاليدونيا الجديدة من منظور القانون الدولي الإنساني له تجلّيات واقعية تفرضها طبيعة العلاقة الفرنسية الجزائرية في الوقت الراهن. وموضوع الإبعاد القسري للجزائريين والمغاربة بصفة عامة إلى كاليدونيا الجديدة في هذا السياق يعتبر موضوعًا حديثًا لم يسبق التطرق إليه من الزاوية القانونية الدولية باعتباره جريمة في حق الإنسانية.

إن تسليط ضوء الدراسة والتحليل على جريمة الإبعاد القسري يحمل دلالات أخلاقية وتاريخية أكثر من غيرها تستوجب الوقوف للتفكر والتمحيص، ولعل أبرز ما نصبوا إليه من خلال هذه الورقة البحثية:

· اعتبار الإبعاد القسري للجزائريين والمغاربة الذي وقع في بداية احتلال فرنسا للجزائر، جريمة إنسانية يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني.

· تسجيل هذه الجريمة ضمن قائمة الجرائم الاستعمارية التي وقعت في حق الشعوب المغاربية.

· تحسيس وإعلام الرأي العام العالمي بوقوع هذه الجريمة في حق الشعب الجزائري.

· دعوة لفرنسا للقيام بواجب الاعتذار في حق ضحايا الإبعاد والنقل الإجباري.

· التضامن المعنوي مع خلف المبعدين في كاليدونيا الجديدة الذين لا زالوا يشعرون بمرارة إبعاد سلفهم.

· دعوة المجتمع الدولي لنبذ كل إجراء إجرامي من شأنه أن يبعد أو ينقل السكان جماعات أو فرادى من أوطانهم بغير سبب مشروع بمنظور القانون الدولي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد