أصبحت تنام طيلة الوقت، ولا تأكل إلا ما يبقيها في الحياة، ولم تعد تهتم بشيء. القراءة؟ لم تقرأ شيئًا هذا الشهر، بيد أنها فكرت بجدية في الانتحار. بعد فترة من زيادة السوء، ذهبت لطبيب نفسي، فعرفت أنه الاكتئاب.

يعتبر الاكتئاب من الاضطرابات النفسية الشائعة؛ فعلى الصعيد العالمي، يعاني أكثر من 300 مليون شخص من جميع الأعمار من الاكتئاب. بل يموت سنويًا ما يقارب 800000 شخص جراء الانتحار الذي يمثل ثاني سبب رئيس للوفيات بين الفئة العمرية 15 – 29 عامًا.

كما يصيب الاكتئاب النساء أكثر من الرجال، ويُرجع الأطباء النفسيون ذلك لأن النساء يطلبن المساعدة أكثر، أو لأن الاكتئاب عادةً ما يظهر على شكل غضبٍ وعنف عند الرجال، بدلًا عن الحزن وفقدان الأمل. إذًا ما هو مرض الاكتئاب؟

الاكتئاب: هو اضطراب في المزاج، حيث يشعر صاحبه بالخمول واليأس، وفقدان الأمل والرغبة في الحياة.

من منا لم يشعر بالتعاسة والحزن من قبل؟ لا أحد، ولكن ماذا إن امتد ذلك لفترات طويلة كما حدث معها؟ هنا — وهو بالتأكيد ليس شرطًا — نكون قد دخلنا في عالم الاكتئاب.

فقدان الاهتمام بنشاطات الحياة، الإحساس بعدم القيمة، التعب، الخمول، صعوبة التركيز واتخاذ القرارات، الشعور بالذنب وأخيرًا الانتحار أو على الأقل التفكير فيه كلها أعراض تتنبأ بما يسمى الاكتئاب.

ولكنها بالتأكيد ليست مقتصرة على مرض الاكتئاب، ولذلك ينص الدليل التشخيصي للأمراض النفسية على تشخيص الأفراد بالاكتئاب فقط عندما يمروا بخمسٍ من تلك الأعراض لمدة تزيد عن أسبوعين.

والجدير بالذكر هنا أن الاكتئاب ليس فقط مرضًا نفسيًا بل أيضًا فسيولوجيًا؛ حيث يؤثر بالسلب على الجسد، ويؤدي إلى اضطرابات في الشهية والنوم، ومستويات النواقل العصبية والطاقة.

معظم الناس ينظرون للاكتئاب ببساطة على أنه حالة من حالات الحزن، وهذا خاطئ، وبما أنه مرض غير مفهوم، ينتقد الناس الآخرين (أقصد مرضى الاكتئاب) على عدم قدرتهم على مساعدة أنفسهم.

ولذلك يجب أن تكون حذرًا عندما تعطي نصائحك لمرضاه؛ فالاكتئاب مرض — كما أسلفنا — له أعراض عدة، وليس مجرد الشعور بالحزن، بيد أن القياسات الطبية أظهرت أن دماغ المكتئب تظهر نشاطًا أبطأ من دماغ الإنسان الطبيعي.

ولأن كيميائية النواقل العصبية في الدماغ تتغير مع تغير الحالة، وجدوا أن النورابنفرين (Norepinephrine) — والذي يزيد الاهتياج والتركيز في الطبيعي — قليل جدًّا في أدمغة مرضى الاكتئاب.

ولذلك تعمل الأدوية التي تعالج الاكتئاب عن طريق زيادة مستويات النورابنفرين (Norepinephrine) في الجسم، ولكن هل تعرف لماذا يُنصح مرضى الاكتئاب بممارسة التمارين الرياضية؟

اعرف أولًا أن السيروتونين (Serotonin) مرتبط أيضًا بظهور أعراض الاكتئاب، تحديدًا عند انخفاض مستوياته، وبما أن التمارين الرياضية تزيد من مستوياته في الجسم، إذًا ينصح بها.

ومما سبق نتوقع أن آلية عمل معظم أدوية الاكتئاب هي زيادة مستويات النورابنفرين أو السيروتونين، أو كليهما معًا.

مشكلة مرضى الاكتئاب ليست في عدم فعالية العلاج، ولكن في تلقيه من البداية؛ إذ أنه وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، 10% فقط من مرضى الاكتئاب من يذهبون لتلقي العلاج.

أو كما قال د. (أحمد عكاشة)، وهو أستاذ الطب النفسي في كلية طب عين شمس:

«أن 70% من مرضى الاكتئاب لا يذهبون للطبيب النفسي بل إلى طبيب الباطنة ليشكو من آلام بالجسم، خاصة وأن أعراض المرض تأتي للمريض على شكل آلام فى الجسم، منها: صداع وآلام فى الظهر وآلام فى المفاصل والدوخة والزغللة والمرارة، ويبدأ المرض بالإعياء والإرهاق».

لطالما نتساءل، ما الذي يصل بنا إلى كل تلك الأعراض من البداية، ولكن أبشر لن تتساءل بعد الآن.

دعني أخبرك أحد النظريات التي لا تعرف عنها شيئًا، وهي نظرية المعرفة الاجتماعية الإدراكية (Social-cognitive perspective) والتي تحاول جاهدةً أن تظهر العلاقة بين تفكيرنا وسلوكياتنا، والاكتئاب.

تقول النظرية: إن المصابين بالاكتئاب ينظرون عادةً للأحداث بعقلية أو نظرة تؤثر في نفسيتهم، والذي يؤثر علينا نحن أيضًا (هذا يعتمد على تخطينا أو عدم تخطينا له).

وسأذكر مثالًا بسيطًا يفسر ذلك، لنقل أنكم ذهبتم لاحتساء (النسكافيه) صباحًا، ولكنه وبينما كنتم تسيرون، عرقلكم أحدهم، فانسكب (النسكافيه) على ملابسكم؛ مما أثار نظرات الناس بالمكان. المكتئب سيفكر فورًا في أن هذه الإهانة ستلاحقه إلى الأبد، ولن ينساها الناس، ولربما هو من جلبها لنفسه، كما أنه لا يحسن فعل شيء وما إلى ذلك.

هناك أسباب ونظريات كثر غير ذلك، كالعوامل الوراثية، والاجتماعية، وغيرها، ولكنني أحاول أن أضيف لك شيئًا جديدًا كالعادة؛ فغير ذلك معروف لدى العامة.

إن اليأس، ولوم النفس، والتفكير السلبي المستمر هم ما يقتلون سعادة الدماغ بحق. ومع ذلك يعالج الكثيرون من الاكتئاب ويعودون للحياة طبيعيًا، فقط عليك زيارة الطبيب، والاهتمام بالمرض؛ حتى لا يصل بك إلى ثاني أكبر سبب رئيس للوفيات في العالم، وهو الانتحار.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد