(1)
مئات الكيلومترات تقطعها تتحمل فيها عناء السفر حتى ترى من بعيد أسوارًا عليها أسلاك شائكة وأبراجًا عملاقة تحصن بها جنود مدججون بأسلحة ثقيلة تقترب شيئًا فشيئًا حتى يتضح المكان المثقل بالهموم.

يتوسط السور بوابة كبيرة الحجم لها لون أسود قاتم وفتحة بها صغيرة لعبور الأفراد إلى غرفة التفتيش. مرحلة أولى من سلسلة مراحل للتفتيش تمر عليها تباعًا أثناء زيارتك للمعتقل وسط إجراءات مشددة تمر من غرفة التفتيش إلى صالة الانتظار.

 

ساعات انتظار فحسب ما تستطيع فعله تتأمل في صلابة الجدران الخرسانية والفتحات الدقيقة في النوافذ الحديدية. ساعات تمر كالسنين تراجع فيهم بعض الذكريات العابرة والأحلام التي تربطكما مع بعضكما البعض، حتى يصيح أحدهم من آخر القاعة.

بعبارة “الي جاي لمسجون سياسي يقف عند البوابة” هنا تتغير الحالة من الجلوس إلى الوقوف، معاناة قد تستمر لكثير من الوقت في سبيل الحصول على تصريح بدقائق معدودة لدخول قاعة الزيارة لرؤية أخيك أو أبيك أو صاحبك!

(2)
في قاعة الزيارة عليك الانتظار أكثر فأكثر حتى يتجمع أهل المعتقلين ثم تغلق بأقفال وأبواب شديدة الصلابة.  ثم تمر الساعة بعد الساعة حتى يفتح باب كبير يفصل بين قاعة الزيارة وعنابر السجن  فيدخل المعتقلون أفرادًا أو في جماعات تتعالى الأيادي بالإشارة والتصفيق هنا فقط تعجز الكلمات عن وصف الشعور الطاغي على المكان من سعادة تهون مشقة السفر.

 

أحضان وأحاديث ثم ضحكات على استحياء فدموع تنهمر وتبادل للأخبار ليست كل الأخبار كالعادة تستحق أن تنقل إلى هناك.

 

(4)
تمر الزيارة سريعًا إلى أن تقطعها صفارة من أحد الجنود تنبه الحاضرين باقتراب انتهاء الوقت.  هنا فقط تشعر أن الوقت المستقطع في الحديث مر كطيف سريع. هنا فقط تنشط الذاكرة لتذكر أي شيء لم تتسع له الدقائق المعدودات.

نظرات فحسب .. إلى أن تفاجأ بصوت أحد الجنود ويده تعلو كتف المعتقل بقول سخيف “انتهت الزيارة” فيسمح لك ببعض اللحظات لتودعه بكلمات يتلعثم اللسان في نطقها، على أمل اللقاء في زيارة أخرى لا يمنعها قيد تصريح أو صوت من هنا أو هناك.

نظرات دون كلام من بعيد يصطحب فيها السجان المعتقل إلى حيث تقبع زنزانته، انتهت الزيارة لكن أثرها لم ينتهِ بعد. أثرها باق في النفوس يثبت الصفوف يقويها إذا عم الوهن.

(5)
عهدا قطعناه بحقهم في الحرية
عهدا قطعناه بحقهم في وطن
عهدا بوصالهم عهدا بالسؤال عنهم وعن ذويهم
اللهم دبر لهم أمر رشد فيه الصلاح

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد