بدون مقدمات تقليدية يذكرها كل كاتب في بداية المقال أو الموضوع، هذا حوار يريد أن يجريه كل مسلم حقيقي وكل إنسان يعرف معنى العدالة والزهد مع شخصية اجتمع عليها كل المسلمين وأغلب من كان يخالفه في الدين والمذهب.

بالاسم هو أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، وباللقب هو الفاروق لأنه يفرق بين الحق والباطل وهذا ما جعله يشتهر بالعدل والإنصاف بين المسلمين وغير المسلمين، بالمنصب هو ثاني الخلفاء الراشدين، وبالتاريخ هو من كبار صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومن العلماء منهم وفي الحياة هو الزاهد الذي جعل عقله وقلبه متعلقين بالآخرة، وجعل بدنه فداءً للإسلام والمسلمين.

زهد أبي حفص لا تحتويه الجمل والكلمات أو الموضوعات، بل يحتاج لمجلدات، زهد عمر يتلخص فيما قاله طلحة بن عبيد الله حين قال: «ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلامًا، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة».

نستذكر مثالًا عن الفاروق في الزهد على سبيل المثال لا الحصر: فعن أبي الأشهب قال: مر عمر، رضي الله عنه، على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: «هذه دنياكم التى تحرصون عليها، وتبكون عليها».

في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، تجلت عبقرية عمر الفاروق العسكرية في تنظيمه للجيوش الإسلامية وتنظيمه للحملات العسكرية التي أخضعت الفرس والبيزنطيين.

لم يبدأ الحوار مع عمر! لأنه بمجرد ذكر اسمه نستذكر من قال عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب».

لو كان عمر بيننا الآن!؟ في ظل هذا العالم المتوحش، تحت هذا الكم الهائل من الظلم والجوع والفساد واستقواء القوي على الضعيف، وقلة حيلة الضعيف المأخوذ حقه، وفي حالة الضياع والتردي الذي تعيشه أمة الأسلام والمسلمين ماذا كنا سنقول له؟ ماذا كنا سنشكي له؟ هل نبوح له بما حصل من بعده من ضياع وظلم؟ هل ندله على من ظلم الناس وتقلد المناصب؟ هل نرشده على من طبع مع الصهاينة الذين احتلوا القدس التي ضمها هو تحت راية الإسلام؟ جميعها أسئلة تراود أذهاننا لو قابلنا أبا حفص، ولكل منا سؤال وحاجة عند عمر.

لنفتح مخيلتنا لوهلة، لنعيش الحلم ولو لم يتحقق الآن ونسأل ابن الخطاب عن مجموعة مفاهيم أصبحت من سمات أغلب دول المشرق الإسلامي، وأصبحت رماحًا تضرب في قلب كل مسلم، لنسأل الخطاب ولنتوقع إجابته بأفعاله التي قام بها في حياته وأثناء حكمه لدولة الخلافة:

هل تعلم يا عمر أن العالم الإسلامي أصبح موحشًا وظالمًا؟

ظالمًا! وأنا الذي جاءني رجلٌ من أهل مصر يشكوني من ابن عمرو بن العاص والي مصر، الذي قام بضربه بالسوط لأنه سبقه في السباق وقال له أنا ابن الأكرمين، فأمرت هذا الرجل الذي جاء من مصر أن يضرب تبن عمرو بالسوط ليأخذ حقه! فأنا من قلت:«وَلَسْتُ أَدَعُ أَحَدًا يَظْلِمَ أَحَدًا وَلا يَعْتَدِي عَلَيْهِ حَتَّى أَضَعَ خَدَّهُ عَلَى الأَرْضِ، وَأَضَعُ قَدَمِي عَلَى الْخَدِّ الآخَرِ حَتَّى يُذْعِنَ لِلْحَقِّ».

هل تعلم ياعمر أن الجوع ساد البلاد والعباد؟

جوع! وأنا الذي أصبح وجهي أسود اللون ولم أجعل فمي يتبلل إلا بالزيت في عام الرمادة الذي جاعت فيه الدولة الإسلامية بسبب القحط وقلة المطر، ولم أتذوق اللبن حتى شبعت أمة الإسلام والمسلمين.

هل تعلم يا عمر أن الفساد زاد وأصبح في كل الدول الإسلامية؟

فساد! وأنا الذي اجتمعت مع أقاربي وقلت لهم: «إِنِّي قَدْ نَهَيْتُ النَّاسَ عَنْ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ كَمَا يَنْظُرُ الطَّيْرُ إِلَى اللَّحْمِ، فَإِنْ وَقَعْتُمْ وَقَعُوا، وَإِنْ هِبْتُمْ هَابُوا، وَإِنِّي وَاللَّهِ أَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ مِنْكُمْ وَقَعَ فِيمَا نَهَيْتُ النَّاسَ عَنْهُ إِلا أَضْعَفْتُ لَهُ الْعُقُوبَةَ مَكَانَهُ مِنِّي (أي لمكانه وقربه مني)، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَتَقَدَّم، وَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَتَأَخَّر».

كثيرة هي الأسئلة وكثيرة هي المظالم، لو كان عمر بيننا وهو الذي سار على نهج نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، لقلنا له اصرخ يا ابن الخطاب وقل: «متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد