إنَّ البيئة العالمية المعاصرة في القرن الحادي والعشرون تمر بتحدٍّ مشترك متعدد الأبعاد في أنظمة الحكم والسلطة التي تحدد ملامح العلاقة بين الحاكم والمواطن، بسبب أنه متجذر في العقول كمفاهيم وأفكار ومترسخ في المؤسسات كتقاليد وعادات يُؤثِّر بعضها في بعض ويَتَأَثَّر بعضها ببعض. هذا التحدي له تأثير كبير في مجالات الحياة الإنسانية في المجتمعات المعاصرة في الواقع (الروحية، الصحية، النفسية، السلوكية، العلمية، الفكرية، المهنية، الاقتصادية والمالية، الاجتماعية، الأسرية، التربوية، التكنولوجية، الثقافية الترفيهية).
هذا التحدي مشترك بين جميع الأمم والدول في أقاليم العالم (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوروبا الشرقية، أوروبا الغربية، أمريكا اللاتينية، وآسيا)، ولكنه يبرز بصورة كبيرة في الدول التي غالبيتها مسلمين في الشرق الأوسط وأفريقيا، ما يجعلها مَحَل عناية الشعوب ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والعدلية ومنظمات الأمم المتحدة والباحثين المفكرين والمحللين السياسيين وعلماء الدين والخبراء. هذا التحدي يختلف في النموذج وليس في الإطار من إقليم لآخر ومن دولة لأخرى باختلاف (الثقافة الجمعية للمجتمع أو الإقليم، النفسية العامة للمجتمع أو الإقليم، تاريخ الدولة أو تاريخ الإقليم الديني والعرقي والسياسي، مكونات هوية الدولة أو الإقليم، تطلعات الشعب أو الإقليم). هذا التحدي العالمي المعاصر في القرن الحادي والعشرين هو أنظمة الحكم والسلطة الديكتاتورية السياسية في الأقاليم العالمية التي تحكم تحت غطاءات مختلفة متخفية وراء الشعارات (شعارات الحريات والحقوق تارةً، شعارات الدين والشريعة، شعارات توفير الأمن والاستقرار ومعاش الناس)؛ فتمنع أي تغيير في نظام الحكم والسلطة من نظام حكم وسلطة مستبد إلي مدني رشيد.
كلمة التحدي في معجم المعاني تعني، تحدَّى يَتحدَّى، تَحَدّيًا فهو مُتحدٍّ، والمفعول مُتحدَّى؛ يقال تَحَدَّى الْمَخَاطِرَ لِيَصِلَ إِلَى هَدَفِه: وَاجَهَهَا وَتَغَلَّبَ عليها. تحدَّى الموتَ: رفض الاستسلام وجابهه (معجم المعاني، كلمة التحدي). فالجذر اللغوي لكلمة التحدي هو (حدو) الوزن هو (التَّفَعُّلْ)، يقال: فلان يتحدَّى فلانًا: أي يباريه وينازعه الغلبة. (معجم شمس العلوم، كلمة التحدي، نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م). هذا في السياق اللغوي والأدبي، ولكن في السياق الفكري المتصل بواقع المسلمين المعاصرين في مجتمعات الشرق والغرب، أي في السياق العملي، فكلمة «تحدي» جمعها «تحديات» يكون لها مدلول واقعي وشامل.
يعرف التحدي المعاصر بأنه مجموعة العقبات العملية الموجودة التي تتراكم في الواقع فتتحول إلي تحدي، فتقود إلي منع وعرقلة تغيُّر وتطور الدول والمجتمعات والأُّسَر والأفراد في مجالات الحياة المختلفة الإنسانية (الروحانية، الصحية، النفسية، السلوكية، العلمية، المهنية، الاقتصادية والمالية، السياسية والعسكرية، الاجتماعية، العائلية التربوية، التكنلوجية، الثقافية والترفيهية). الأمر الذي يمنع العقل الإنساني الجمعي عامةً والعقل المسلم المعاصر خاصةً من إنتاج معرفة في شكل مفاهيم وطرق إبداعية جديدة تُغيِّر وتُطور الواقع الجمعي، الأمر الذي يقود إلي ثبات الواقع الذي يؤدي إلي تخلفه أي رجوعه القهقرى إلي الوراء. هذا الأمر إن إستمرَّ يمنع حلول السلام في المجتمعات الإنسانية ونقصد بالسلام هنا (السلام الجمعي). أما التحدي العالمي المعاصر هو مجموعة العقبات العملية الموجودة في واقع البيئة العالمية (كل الأقاليم) التي تتراكم في الواقع العالمي فتتحول إلي تحدٍّ، فتقود إلى منع وعرقلة التغير وتطور الدول والمجتمعات والأسر في العالم في مجالات الحياة المختلفة الإنسانية (الروحانية، الصحية، النفسية، السلوكية، العلمية، المهنية، الاقتصادية والمالية، السياسية والعسكرية، الاجتماعية، العائلية التربوية، التكنولوجية، الثقافية والترفيهية)؛ الأمر الذي يمنع العقل الإنساني الجمعي عامةً والعقل المسلم المعاصر خاصةً من إنتاج معرفة في شكل مفاهيم وطرق إبداعية جديدة تغير وتطور الواقع الجمعي العالمي المعاصر، فيكون الواقع العالمي ثابتًا فيتخلف ويختفي السلام من المجتمعات الإنسانية العالمية (السلام الجمعي).
أما التحدي العالمي المعاصر في أنظمة الحكم والسلطة هي مجموعة العقبات العملية الموجودة في واقع أنظمة الحكم والسلطة (لكل الأقاليم العالمية) التي تتراكم في الواقع العالمي فتتحول إلي تحدٍّ، فتقود إلى منع وعرقلة تطور واقع أنظمة الحكم والسلطة وعلاقته بباقي مجالات الحياة الإنسانية (الروحانية، الصحية، النفسية، السلوكية، العلمية، المهنية، الاقتصادية والمالية، العسكرية، الاجتماعية، العائلية التربوية، التكنولوجية، الثقافية والترفيهية)، الأمر الذي يمثل اختبارًا حقيقيًّا للعقل الجمعي السياسي في إنتاج معرفة في شكل مفاهيم وطرق جديدة إبداعية تعالج هذه التحدي وتغير واقع أنظمة الحكم والسلطة التي تكون عادةً مستبدة ديكتاتورية سواءً في الطبيعة أو المبادئ، ما يؤدي إلي ثبات واقع نظام الحكم والسلطة السياسية فتبقى ديكتاتورية ثابتة، فتتحكم هذه الأنظمة الديكتاتورية في مصير الشعوب لسنين عديدة، فتصبح الشعوب مستعبدة في الرزق ومقموعة بأجهزة الأمن، وتنتهك الحريات الفردية والجماعية وتُمْنَع حقوق المواطنين، ويضيع حكم القانون، ويحدث فساد أخلاقي في الفكر والعقيدة وغيرها من نتائج هذا، وهذا يقود إلي الصراعات على السلطة والحكم، ويمنع حلول السلام الشامل في المجتمعات الإنسانية الذي هو الهدف النهائي (سلامة النفس، السلام المجتمعي، السلام مع الطبيعة، السلام الإقليمي، السلام العالمي). فهذا التحدي من أشد وأخطر التحديات المعاصرة التي تواجه المسلمين المعاصرين والإنسانية جمعاء في جميع مجتمعات ودول العالم.
إنَّ كثيرًا من المُواطنين لا يعيرون انتباهًا إلي جهلهم بطبيعة أنظمة الحكم والسلطة السياسية العالمية والإقليمية والمحلية، ومُغَيَّبينْ واقعيًّا عن معرفة ومتابعة ممارسات وسياسات وتشريعات أنظمة الحكم والسلطة السياسية في بلدانهم، وبالتالي تقفز أحد الأطراف السياسية الأيدلوجية فَتُمسكْ بزمام الحكم والسلطة، فَتُأسّس نظام حكم وسلطة ديكتاتوري يستمر في حكمهم سنين عديدة. لماذا؟
لأن هذا النظام الديكتاتوري يستغل جهل وعدم اهتمام الناس بما يفعل محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا من أجل تقوية نفوذه وترسيخ أعمدته وبناء قلعته الديكتاتورية، فلا يستطيع أحد أن يعارضه أبدًا فتبقي الديكتاتورية ويبقى الديكتاتوريون وتمسح كرامة الناس بالأرض. وبما أنه لا يوجد نظام ديكتاتوري يستطيع أن يبقى في الحكم والسلطة لعقود، لأن السنة الإلهية في المجتمعات الإنسانية هي التغيير في المفاهيم والأنظمة وفي الحالات وليس الثبات، بهذا تكون هناك فئة في المجتمع تدعو للتغيير من هذا النظام الديكتاتوري إلي نظام مدني رشيد. ولن يبقي النظام الديكتاتوري لعقود وسنوات طويلة إلا بسبب انتكاسة وجهل وعدم اهتمام وأنانية الشعب بمكوناته المختلفة الدينية والفكرية والحرفية والنقابية والسياسية والاجتماعية وغيرها، بالإضافة إلي اختيارهم القبول باستعباد الحاكم المستبد ونظامه وحاشيته لهم. وكما يقول المفكر الإسلامي في الفكر وأنظمة الحكم، عبد الرحمن الكواكبي ما معناه: «أَنَّه مَا من أُمَّة أو شَعْب حمكها نظام حكم استبدادي إلا وتكون هي من قَبلت بالاستبداد ورضيت باستعباد الحَّاكمْ المُّسْتَبدْ» (عبد الرحمن الكواكبي، كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، كُتبْ عام 1902، طبعة 2012م).
فمن المهم لجميع المواطنين ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية الوعي بالتحدي العالمي المعاصر في أنظمة الحكم والسلطة، والتي هي نظام الحكم والسلطة الديكتاتوري المستبد ومصادره وطبيعته وطرق تمدده وأضراره علي المجتمع وبقاؤه مستقبلًا لسنين عددًا؛ لأن وعي المواطنين فكريًّا (بطبيعة الديكتاتورية)، ووعيهم واقعيًّا (بسياسيات وممارسات النظام المستبد) كفيل بأن يحدث تغييرًا تحوليًّا في نظام الحكم والسلطة، فيتحول إلى نظام حكم وسلطة مدني رشيد يعطي حقوق المواطنة بالتساوي ويُعَرِّف المواطن بمسؤولياته، ويحمي له عقيدته الإيمانية، وينتخب فيه الحاكم بمؤسسات ديمقراطية رشيدة يكون فيها الشعب مصدر السلطة وليس الحاكم، ويتم فيه فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والدينية بعضها عن بعض وغيرها.
ولكن عدم الوعي الإدراكي من قبل المواطنين والمَّحْكُومين بمعرفة طبيعة الديكتاتورية والاستبداد وعوامل نشوئها وكيفية بقائها في الحكم لسنين وأضرارها، والطبيعة التكوينية والمبادئ التي يتأسس عليها نظام الحكم والسلطة المستبدة، هذا في حد ذاته كفيل بأن يجعل الحاكم وحاشيته اللصيقة يستغلون الجهل الفكري والتاريخي للمواطنين بطبيعة الديكتاتورية، ما يجعل المواطن مغيبًا عقليًّا يَتَّبع ما يقوله إعلام النظام الديكتاتوري في الصحف والمجلات والندوات ثم ينقلها للآخرين، فتضعف قدرته على التفكيرالنقدي والتحليل الموضوعي والاستقلالية الفكرية بالأحداث السياسية؛ وبالتالي تضعف آراؤه الفكرية ومشاركاته النقدية في الحوارات والنقاشات السياسية فيكون من ناشري الجهل المُّرَكَّب بين الناس فيكون خَيْر سَنَد لأهل نظام الحكم والسلطة المستبد الديكتاتوري.
ومن ناحية أخري عدم الوعي الإدراكي من قبل المواطنين والمَّحْكُومين بالواقع الحالي للنظام الديكتاتوري بمعرفة ممارساته وسياساته وتشريعاته وقوانينه المحلية والإقليمية والدولية، هذا كفيل بأن يجعل الحاكم وحاشيته اللصيقة المجرمة يشغلون المواطنين بسقف المطالب المرتبط بالحاجات الفيسيولوجية، مثل إشْغَالهمْ وإلْهَائهم بتأمين الأرزاق الشخصية وتامين الأمن والاستقرار الشخصي، فلا يرتفع سقف مطالب المواطنين إلى سقف المطالبة بالحقوق والحريات وحكم القانون والكرامة ومساءلة الحاكم؛ فتَخْلُو الساحة السياسية للنظام المستبد وحَاشيَته وَزَبَانيته فينفردوا ويتحكموا في العقول بنشر الأكاذيب السياسية والخرافات الدينية، ويتحكموا في النفوس ببناء دور اللهو والترفيه وقتل الوقت، ويتحكموا في الأجساد بالقمع الأمني. بهذا يبقى هذا النظام لسنين عددًا فيمنع أي تغيير تحولي في نظام الحكم والسلطة إلى نظام مدني رشيد، فتنتهك الحقوق والحريات، ويُغَيَّب المواطن عن معرفة وأداء مسؤوليات المواطنة، ويتم إفساد الأخلاق العامة، ويتم إما توريث الحكم للأبناء، وإما تنظيم انتخابات صورية تمثيلية تكون الرشاوي والابتزازات هي أداتها للفوز بكرسي الحكم والسلطة.
وكتوضيح، نقصد بالحاشية على المستوى العام كُلَّ أُولَئك الذين يعملون تحت إمرة السُّلطان الحَّاكم يفعلون ما يؤمرون ولا يعصون له أمرًا سواء كان الحاكم هذا (رئيسًا، مديرًا، قائدًا، شيخ رأس القبيلة، رؤساء الأحزاب السياسية، مساعدين ومستشارين ونوابًا في المكتب، أقرباء بالدم، تابعين ومريدين لك في الطائفة والمذهب الديني، أصدقاء مقربين، مديري مكتبك، أبناءك، موظفين، أبناء قبيلتك أو عرقيتك، أبناء منطقتك والحي الذي تسكنه، رجال دين…إلخ). أما الزَّبَانية نقصد بهم الجهة التي تنفذ تعلميات حاشية السلطان الحاكم حرفيًّا دون أي تردد، وهذا واضح في أولئك التابعين لأجهزة الحاكم الأمنية والميليشيات العسكرية الغاشمة التي تنفذ تعليمات حاشية السلطان بقتل واعتقال وتصفية نَفَرْ من الأبرياء دون وجه حق. أَمَّا الديكتاتورية نعني بها إساءة استخدام السلطة وتنزيلها على الواقع العام سواء مع الطبيعة أو المواطنين أو الممتلكات العامة ما يؤدي إلى انتهاك حقوق وحريات الآخرين وتوظيف الممتلكات والموارد العامة لتحقيق مصالح وأهداف الطاغية وحاشيته وزبانتيه.
لهذا على جميع المواطنين في بقاع الأرض أن يعلموا أنه «كلما زاد وعي المواطن فكريًّا بطبيعة نظام الحكم والسلطة الديكتاتورية وعوامل نشوئها وبقائها وأضرارها، زاد معدل اهتمامه بالشؤون العامة للحكم والسياسة، فتزيد قدرته على التفكير النقدي المستقل والتحليل الموضوعي للأحداث السياسية، وبالتالي يُقَدمْ آراء فكرية ومشاركات نقدية في الحوارات والنقاشات السياسية فيساهم فكريًّا في رفع وعي المواطنين بالديكتاتورية، وبالتالي يستطيع مساءلة ومحاسبة الحاكم ورجال سلطته».«وكلما زاد وعي المواطن بالواقع الحالي للنظام الديكتاتوري بمعرفة ممارساته وسياساته وتشريعاته المحلية والإقليمية والدولية، ارتفع سقف مطالبه من تأمين الرزق والاستقرار الأمني إلى المطالبة بالحقوق والحريات ودولة القانون، وبالتالي تزيد قدرته في التاثير على أهل الحكم والسلطة، فيحدث تغييرًا في نظام الحكم والسلطة».
كمواطنين، يجب أن نفهم الأهداف الأخلاقية أعلاه والفوائد المكتسبة من السعي إلى رفع وعينا الإدراكي فكريًّا (بطبيعة بنظام الحكم والسلطة الديكتاتوري وعوامل نشويه وبقائه وأضراره) وايضا واقعياً (بمعرفة ممارساته وسياساته)، ثم الاستمرار في المسيرة المستمرة لتغيير الواقع الحالي الذي تتحكم فيه أنظمة حكم ديكتاتورية ولعب دور جوهري في ذلك.
والله تبارك وتعالى أعلى واعلم وأحكم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست