سياسات الدول العربية في تغييب الشعوب، إما ثراء فاحش يفسد، أو فقر طاحن يلهي. هذا هو الواقع المرير في واقعنا العربي من المحيط إلي الخليج. فلا مالك الأموال تقدم ولا مالك الموارد البشرية والأيدي العاملة نهض، حتى الظاهر أمامنا من الثراء في دول الخليج العربي إنما هو ثراء هش قائم على أموال من موارد طبيعية قد تنضب في يوم من الأيام، فلا تجد هنالك تصنيعًا حقيقيًّا أو إنتاجًا لشيء بعينه.
فالسؤال الذي يطرحه نفسه بإلحاح هنا؛ هل تخلصت الدول العربية من الاحتلال الأجنبي؟! فمنذ أن حصلت مصر على استقلالها في 1922م وحتى حصول جيبوتي على الاستقلال في 1977م، ومنطقتنا العربية تخضع لإدارة الدول الأجنبية (دول الاحتلال) بشكل غير مباشر بالعديد من الطرق التي تختلف في الشكل ولكنها تتفق في المضمون على مص ثروات الوطن من موارد وعناصر بشرية نامية لصالحها.
فلو نظرنا إلى منطقة الخليج العربي، تجد أن 85% من الشركات العاملة في مجال التنقيب عن المواد البترولية شركات أجنبية خالصة، وتقوم باستخراج المواد الخام ونقلها إلى دولهم وإعادة تصنيعها وتصديرها إلى الدول العربية مرة أخرى (هذا احتلال لكن من النوع الذكي الذي لا يرهق نفسه في أموال وجنود). وهكذا تحرص هذه الشركات ومن ورائها مالكها الأمريكي، أن تظل تعمل في استخراج هذه الكنوز الثمينة وإعطاء الفتات لمالكيها لكي تظل التبعية لهم في كل السياسات الخاصة بالدولة، سواء كانت خريطة العلاقات الخارجية أو ركني التقدم لأي دولة (التعليم والتصنيع).
أما بالنسبة للركن الآخر من الوطن العربي، والذي يتمتع بالموارد البشرية وفقر ليس بالشديد في موارد البلاد الطبيعية، فقد اتبع الاحتلال الطريقة الأخرى في زرع حكام تابعين لهم في كل شيء، وهؤلاء ذرية بعضها من بعض يتم تأهيلهم وتدريبهم في البيت الأجنبي، وبذلك يتمكن الاحتلال من ممارسة خطته الشاملة في تخلفنا عن طريق رجاله المخلصين الذين عملوا، ومنذ نيل الاستقلال الوهمي؛ على تدمير كل شيء ذي قيمة داخل الوطن، وبدأ بالأعلى قيمة في أوطاننا وهو الإنسان، فسعى في إذلاله وتدميره وتجهيله بطريقة منتظمة كي نفقد العنصر الأساسي الذي يمكنه التطوير أو بناء نهضة حقيقة تضعنا في مصاف الدول المتقدمة.
واستكمل خطته المُحكمة في استقدام كل من يثبت نبوغه في ربوعنا إلى بلاده، كي يستكمل دراسته ويقوم برعايته رعاية شاملة، وتذليل كل الصعاب أمامه خاصة تلك التي وجدها في وطنه. لعل أبرز العقول التي لم تجد فرصة في وطننا العالم الجليل الدكتور/ أحمد زويل الذي لو كان استمر في وطنه لأصبح الآن موجهًا أول لمادة العلوم بإدارة دسوق التعليمية.
فلك أن تسرح بخيالك مثلي.. ماذا لو أن هناك رجالًا مخلصين في منطقتنا العربية يسعون إلى التوحد، وضم المال على العقل، وبناء منطقة اقتصادية صناعية تتوفر لها الأموال والأيدي العاملة، الذي يجعلك تنافس منطقة اليورو في الاقتصاد والتصنيع. حينها فقط لن يكون العالم سجالًا بين روسيا والصين وأمريكا، بل إنه سيكون هناك الأقوى الذي يفرض الرأي على هؤلاء, ولكننا نجتمع في الجامعة العربية لكي نصدر عريضة شاملة ومبينة لجرائم الاحتلال الصهيوني، كي نقدمها لمجلس الأمن صاحب الرعاية الأمريكية لنحصل بعدها على توتر وقلق من السيد بان كي مون، ونظرة عطف من منظمات المجتمع الدولي.
المعادلة بسيطة؛ سنأخذ الأموال من الأغنياء، والعقول من الأذكياء، وبذلك نحصل نحن على التقدم والنهضة دونما حرب أو احتلال أو ما إلى ذلك، وتكون الكلمة لنا في هذا العالم، فنحن لدينا الأتباع المخلصون الذين يهيئون المناخ في بلادهم كي نحصل على ما نريد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست