الاختلاف طبيعة بشرية، فالجميع مختلف في كل شيء ما عدا السمات الأساسية البشرية كالغرائز!
ورغم أن الجميع يردد أن الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية، وما إلى ذلك من شعارات وجُمل رنانة، فإننا نجد أنفسنا دائمًا مختلفين منبوذين من الجميع، واقعين تحت طائلة النبذ والتنمر من العامة، وخصوصًا لو كنت مختلفًا ووحيدًا لا تجد من يساندك، الاختلاف قد يكون في الأفكار، والآراء، أو حتی اللون، والدين، والعرق.
التنمر والاختلاف
كل من وقعوا تحت سطوة المتنمرين كانوا أشخاصًا مختلفين، سواء في اللون، الدين، الجنسية، وحتى علی المستوی الفكري، نحن نجد أن الجميع يستطيع الاستهزاء بك وبأفكارك حد إيذاء مشاعرك، لا أحد هنا يقبل الاختلاف في شيء، رافعين شعار ما دمت مختلفًا فأنت عدوي!
والأزمة الكُبری هي أنك تجد أن المستوى الفكري للمتنمرين غالبًا ما يكون ضحلًا وضعيفًا للغاية، لدرجة تطرقه الدائم للاستهزاء بفكرك ما دمت مختلفًا معه، وما دام يحمل مبدأ مناقضًا لمبدئك، فبدلًا من مواجهة الرأي بالرأي أصبحنا نستبدل به السب والاستهزاء والتطرف والتطرق لأمور لا يمكن أن تكون نقطة اختلاف بيننا مثل اللون، الجنس، الشكل، الدين، رغم أن كلًّا منا غير مسئول – حتی مرحلة معينة- عن لون بشرته أو دينه الذي ولد عليه، ولا عن تكوينه الجسماني وشكله؛ ورغم ذلك يتطرق المتنمرون للوسيلة الأكثر قبحًا ودناءة لبتر أي طريقة للنقاش والهزيمة الشريفة أمام أي شخص مختلف معه.
التنمر والوعي
وقد يظن بعضهم في قولي أن المتنمرين هم أشخاص قليلو الثقافة والوعي فقط! ولكن الحقيقية هي أن تلك السخرية قد بلغت ذروتها في العالم بأكمله؛ فأصبح أي شخص يمكنه التنمر علی أي أحد ما دام يملك الشعبية الأكبر أو السلطة الأقوى، فتجد أقصى اليمين يهين أقصى اليسار بوقاحة لا تليق، وتجد أكثرهم علمًا يستهزئ بمن هم أقل علمًا بصورة لا تمثل إلا ضحالة وفقرًا فكريًّا حقيقيًّا، الأبيض يسخر من الأسود لمجرد اللون أو الظروف الاجتماعية، المتفائل يری أن كل الأمور بخير وأن السفينة لا تغرق، بل إنها فقط تريد تذوق ماء النهر، بينما المتشائم يرى أن السفينة هالكة لا محالة، وأن كل ثقوبها بادية للعيان، ثم يتبادل الاثنان النقاش في بداية الأمر، ثم يصل بهم أخيرًا إلی السب والقذف والحديث عن فضائح خاصة وتاريخ مُخز لطرف علی حساب الآخر، دون مراعاة أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
مواجهة التنمر بالتنمر!
بعضهم يجد أن رد الأذى بالأذى هي استراتيجية بدائية جدًّا، قد لا تليق بإنسان، لذلك لا نجد مثلًا طرفًا يرد على شخص يسخر منه بالإساءة أو الأذی، بعضهم يصمت، وبعضهم الآخر يحاول إعادة دفة الحوار إلی نقاش موضوعي يليق ببشر، دائمًا ما يجول ببالي أن رد الإساءة بالإساءة والعدوان بالعدوان شيء لا يليق بالإنسانية!.
قد يختلف بعضهم ويتفق الآخر في هذه النقطة، ولكن هذا مجرد رأي شخصي بناء علی ما قد يواجهه بعضهم، ورغم ذلك قد يتغير هذا الرأي عند بعضهم حينما يستفحل الأوغاد في عدوانهم وإساءاتهم للآخرين!
الإنسانية التي هي دين الجميع من بني آدم، لا يجب أن تتشارك في العدوان والسوء والبعض حتى لو جرى تعميم هذا؛ فبالنسبة لي أنا، الخطأ سيظل خطأ حتی لو ارتكبه الجميع. وفي الحقيقة أن الأوغاد فقط من يلجأون لإثارة نقط غير مهمة في نقاشات جدلية، دعنا نتحدث عن ملابسك، لون بشرتك، تلعثمك في الكلام، أفكارك البناءة أو الهدامة والسخرية منها، دعنا نتحدث عن معتقدك الديني أيًّا كان هذا الدين، والسخرية منك إذا أعلنت أنك لا تعتنق أي ديانة، والطلب بإقصائك من أي مجال؛ فقط لأنك لا تعتنق ديني أو دين غيري؛ دعنا نتحدث بوقاحة وابتذال مادمنا مختلفين وما دمت مُصرًّا علی النقاش بطريقة منطقية وعقلية، وأنا أصر علی أنني الوحيد المفكر المستنير الأعظم، دعنا نصبح أوغادًا ما دمنا مُصرين على التجرد من إنسانيتنا وفطرتنا الأساسية في الاختلاف، ومحاولة جذبك إليّ وإلى انتمائي بأي طريقة.
وفي الأخير وللأسف نحن محاطون بالأوغاد، أولئك من يستطيعون تعذيبنا وإيذاءنا بكلمات تترك جراحًا عميقة بنفوسنا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
مجتمع