ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين: قصة الجنيد مع أحد طلابه تبين مفهوم الرقابة الإيجابية ذكر عن الجنيد أنه كان يربي الأطفال الصغار من طلابه على الرقابة، فكان يعطي كل واحد منهم حمامة ويقول له: اذهب واذبحها حيث لا يراك أحد، فيأتونه كلهم وقد ذبحوا هذه الحمامات غير واحد جاء وما ذبحها، قال له: لماذا لم تذبح هذه الحمامة؟ قال: أنت أمرتني أن أذبحها حيث لا يراني أحد، ولم أجد موضعًا لا يراني فيه أحد؛ لأن الله سبحانه وتعالى مطلع علي في كل حال.
ينبغي على الإنسان المسلم أن يراقب نفسه قبل القيام بالأعمال هل هي توافق الشرع ام لا توافقه ؟
يقول الإمام علي – رحمه الله – ( اجعل من نفسك على نفسك رقيبًا، واجعل لآخرتك من دنياك نصيبًا). وقال أيضًا (رحم الله عبدًا راقب ذنبه وخاف ربه)، هذا ما يسمى بمفهوم الرقابة النفسية رقابة الذات، وهو أن يراقب الإنسان أعماله من أقوال وافعال من خلال تحريه للحلال والحرام فيها، وأن يؤدي ما عليه من فروض وواجبات دون مراقبة الأخرين لهُ.
الوصول إلى هذه الدرجة يعتبر من أعلى درجات الإيمان في حديث آخر يروي قصة جبريل عليه السلام، حينما جاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على شكل رجل شديد بياض الثياب، فجلس أمامه وسأله قال له: (يا رسول الله ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنَّه يراك).
آيات فيها استحضار لرقابة الله
يقول تعالي في سورة ق (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) /18، وقال الله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1، وقال سبحانه: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) الأحزاب/52، وقال تعالى عن نبيه عيسى عليه السلام: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة/117.
ما الذي يجعل الإنسان المسلم أكثر انضباطًا والتزامًا بتعاليم الإسلام؟
يؤدي الأمانة ولا يكذب … يصلي ولا يزني … يعمل ولا يسرق
يجيب على ذلك الأمام أبو حامد الغزالي – رحمه الله – قال: أصل الرقابة هي ملاحظة الرقيب، وانصراف الهم إليه … يعني المستحضر لرقابة الله يكون أكثر انضباطًا والتزامًا بتعاليم الإسلام من أوامر ونواهٍ.
عملية مقارنة بسيطة بين الإنسان المسلم والإنسان الكافر حول مصدر الانضباط السلوكي
(المسلم) (الكافر)
لا يكذب … قد لا يكذب
لا يسرق … قد لا يسرق
لا يقبل الرشوة … قد لا يقبل الرشوة
خوفًا من الله وطمعًا في رضاه؛ لأنه يعلم بأن الله مطلعٌ عليه في حال خـوفًـا مـن صـرامــــة الــــقانون
كي نكون أكثر انضباطًا، والتزامًا في أفعالنا، وأقوالنا بتعاليم الإسلام.
علينا أن نزرع في نفوسنا ونفوس أبنائنا مفهوم استحضار الرقابة الإلهية، وأن نركز على أطفالنا في زرع هذا المفهوم في قلوبهم حتي لا يتغلب كل أب مع أبنه لأن التعليم منذُ الصغر كالنقش على الحجر لكل أب ومربي فإن أولادكم أمانة في أعناقكم. أحسنوا تربيتهم وحافظوا عليهم حتي نصبح حينها أن شاء الله من أوليائه الصالحين، الذين يراقبون الله – تعالى – في جميع شؤونهم، فيلتزمون أوامره، ويجتنبون نواهيه.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست