في وجه كل مايحملك على البكاء ارقص، ساعة يحين الفراق ارقص، عندما تزداد حياتك تعقيدًا وصعوبة ارقص، عندما لا تجد مفرًا من مواجهة الواقع ارقص، وقبل الموت أو بعد الحياة وقبل أن تدفن ارقص، حين تصيبك سهام الحب وحين تغدو أيامك مجرد أرقام وجدران وملامح أشخاص غابوا ارقص، لذا ارقص وحسب.
التركيز على المادة دفع الرقص إلى زاوية معتمة من هذا العالم، كالآمال المحطمة صار الرقص كالأفكار الغامضة في عقلنا اللاواعي، مثل فكرة أجهضت لكونها أنثى.
إن استمرار الزحف السريع لم يترك الفرصة متاحة أمامنا لنرقص، إنما دفعتنا للسقوط محملين بقدرتنا على الرقص، مثقلين بفكرتنا الخالدة بأننا قادرون لكننا لم نفعل. إن مصادفة كتاب يحمل عنوان غريب كهذا «رقص رقص رقص» يدفعك للتفكير برغبة الكاتب بهكذا عنوان يدعو فعلًا للرقص ومواكبة الحياة، ليس لغاية، فقط من أجل المضي قدمًا. لتقرأه وتحاول الرقص كلما طلب الكاتب من بطله ذلك، حاولت الرقص معه فعلًا كي لا أكون عبئًا من ثقل أفكاري من باب المجاراة ليس إلا لكنني حقًا لم أفلح وأصبت بذبحة صدرية.
لذا وحين تجد نفسك حائرًا أمام المصائب ارقص.
يورد الكاتب نصيحة الرقص على لسان رجل عجوز لا ملامح له، ضخم الجثة، يرتدي ملابس رعاة الغنم، نادم لأنه لم يتمكن من الرقص حين أسعفته قدماه لفعل ذلك يقول:
«ارقص، يجب أن ترقص، ما دامت الموسيقى تعزف يجب أن ترقص، لاتفكر حتى في السبب. إذا شرعت في التفكير فسوف تتوقف قدماك، إذا توقفت قدماك، فسوف نتعطل نحن. إذا تعطلنا نحن، فسوف تتعطل أنت. لذا لا تفكر في شيء، مهما بدا حمقًا يجب أن تواصل الخطى. يجب أن تمرن جسمك. يجب أن تحل ماقمت بربطه. يجب أن تستخدم كل ما لديك. نعلم أنك متعب، متعب وخائف، هذا يحدث لكل شخص، حسنًا؟ فقط لا تدع قدميك تتوقفان».
وكأنه يقول لك قبل أن تصبح بيدق شطرنج لا تستطيع الحركة إلا بشكل تراتبي ممل، وقبل امتداد ذلك إلى روحك ارقص، لتنفض غبار التطور عن روحك، للتأقلم مع كونك قادرًا لا كونك ضحية، ارقص لتفادى احتمالات إصابتك بالأمراض النفسية.
حتى لاتظل قابعًا تحت قسوة الحياة يناديك لترقص، الرقص مرادف للتمرد أو للاعتياد، لذا ارقص حين ترغب في التوقف عن متابعة السير وإعادة التفكير ؛ لتنظيم الأولويات. لأننا حقًا قد لا نفطن لأنفسنا، وربما لا ندرك أننا قادرون على الرقص.
إلا أنني أرى أن فلسفة كهذه لن تجدي نفعًا في سوقنا العربي الواسع، لأنه ولأي تغيير يطرأ سنرقص، إذا ارتفعت الأسعار سنرقص، وحين تزداد الضرائب سنرقص، وفي مواسم المدارس سنرقص طربًا، وحين يقع أحدنا في الحب سيرقص.
أرى أن نجد فلسفة أقل ضوضاء وأكثر أمانًا من الرقص كأن نصمت مثلًا. حين يداعب الحب قلوبنا نصمت، وحين تهدم أوطاننا نصمت، وحين نقتل نصمت، وحين لا يكون بوسعنا إلا الرقص نصمت. فلماذا نتخذ من الرقص ذريعة لجعل أوطاننا أكثر ضوضاء مما هي عليه؟ لذا اقترح أن نلتزم الصمت إزاء كل شيء.
فالمسألة بسيطة، لا أحد هنا محب للرقص، كما أنه مخالف لطبيعتنا الصامتة.
لندع الفسلفات الدخيلة جانبًا فلن تجلب لنا إلا المتاعب، ولأننا غير معتادين على ممارسة الرياضة، لذا اصمت ولا تعاود المحاولة.
يا أخي العربي إياك والرقص فإنه يغضب ولي الأمر، وأذعن للصمت طائعًا لتستطيع إيجاد صوتك حين ترغب في الكلام، ففي بلادنا إن كان الكلام من فضة فالصمت من الذهب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست