كثيرًا ما يجري تداول هذه العبارة بين المصريين بعضهم ابعضًا، وبين المصريين وغيرهم من الجنسيات العربية الأخرى، أو بين الجنسيات العربية وبعضها بعضًا أمام المصريين، العبارة التي تقول إن الشعب المصري أخف الشعوب العربية دمًا وأكثرهم إضحاكًا لغيرهم.

يُقال دائمًا إن الشعب المصري شعب ابن نكتة، ويستطيع أن يَضحَك ويُضحِك غيره في أكثر الأوقات صعوبة وأشدها تأزمًا، فتراه يُسْرَق ويضحك، أو يبتكر النكات، وتراه يُظلم فيسخر من ظالمه بالنكات والفكاهة، وتراه يفتقر يومًا بعد يوم فيضحك ويحمد الله على كل الأحوال ويكأنه الرضا، وهو أبعد مايكون عن معنى الرضا بأمر الله الكائن على الخلائق، ثم يظهر علينا سحرة الإعلام ليشيدوا بصلابة وعظمة الشعب المصري في تحمل الصعاب وتخطي المحن بضحكته المعهودة المعروفة، وأن الجاهل بالشعب المصري وبطبيعته هو من يشفق على هذا الشعب ويتمنى له أفضل العيش، وأعلى درجات الحرية، ومنتهى حدود العدالة والكرامة، بل يكون في شرع هؤلاء السحرة أقرب ما يكون للخيانة ونكران الجميل.

يابخت من بكاني وبكى الناس عليَّ ولا ضحكني وضحك الناس عليَّ.

هذا المثل الشعبي المشهور عند المصريين يوضح لك كم التناقض في سلوكيات الشعب المصري عند الأزمات، فهو يَمْدَح ويَغْبِط من يُبكيه، ويجعل الناس تبكي على حاله رأفةً به ولكي تصل رسالته للعموم ليدركوا كم المآسي التي يعيشها هذا المصري المسكين، ولا يحب من يُضحِكُه ويُضحِك عليه الآخرين، وكأنما بذلك يخرجه مما هو فيه بالضحكة أو الابتسامة.

هل الشعب المصري خفيف الدم حقًّا؟

إذا حذفنا من قاموس المصريين السخرية والاستهزاء بالشكل، أو الجنس، أو الهيئة، أو الفقر، أو الدين، أو الخِلقة، أو الإعاقة، أو التنمر بشكل عام، فللأسف دعني أصارحك بأنك لن تجد في كلام المصريين ما يُضحِكك، ذلك أن المنبع به من الأحزان والكآبة والشجون ما تسع العالم أجمع إذا ما تم توزيعها عليه، ولكنه الكِبْر يا صديقي الذي يظهر ما لا يبطن ويخفي ما لا يبديه.

الشعب المصري متدين بطبعه

لا أدري من أين أتت هذه العبارة وكيف تم البناء عليها والتسليم بها بوصفها واحدة من المسلمات التي لا تقبل الجدل في صفات الشعب المصري؟

وهل التدين طبع أم اكتساب أم ممارسة؟ وهل تحظى خفة الدم بالحظ الوافر نفسه للتدين عند المصريين؟ وهل يُعد المصري المتدين صاحب النكتة مكتمل الجينات ويكاد يصل إلى حد الكمال؟

النكتة عقوبة

أحيانًا أشعر بأننا المصريين معاقبون بالنكتة أو الضحكة والسخرية من الأوضاع. ففي كثير من الأحيان يكون البكاء هو سبيل الراحة وليس التنكيت، فَلِأنْ تستخرج ما لديك من شجون وآلام ومِحَن في شكل عَبَرات، أفضل لك من أن تحبس مشاعرك وتُجبرها على تغيير شكلها من الحزن إلى السعادة المصطنعة، تمامًا كالجوكر أو المهرج الذي يرسم على وجهه الابتسامة وربما هو أبعد ما يكون عنها.

نخاف أن نبكي فيشمت بنا المتربصون، ونخاف أن نبكي فنُستضعف، ونخاف أن نبكي فنتهم بالتمثيل وهذا أقسى ما يكون. لذلك نحن نعاقب أنفسنا فنضحك ونسخر ونُطلق النكات، والغريب أننا حينما نموت، نموت همًّا لا ضَحِكًا.

الختام

لا نحن أكثر شعوب الأرض سعادة، ولا نتمتع بخفة الدم، ولا نعالج همومنا بسخريتنا من الأوضاع السيئة، نحن في وسط الطريق لا مع الذاهبين ولا مع القادمين، نحارب في معركة خاسرة، ونختبئ في كهوف من الزجاج الشفاف، كل هزائمنا نصر في نظرنا، وغنائمنا في الوِحدة والبعد عن الناس، نكتئب فنأكل، نكتئب فنضحك ضحكًا هستيريًّا، نكتئب فنرقص، نكتئب فننتحر وهذا هو المستوى الأخير في التعاسة التي نحياها.

قلما تجد معالجة وقلما تجد حلولًا، فقط نضحك ونسخر ونطلق النكات ونُوهم أنفسنا أننا بذلك نتخطى العقبات، ونسمو فوق المِحن، وننتصر على المآسي لنكتشف أننا قد أصبحنا أسرى للزيف والخداع، فلا عرفنا المعنى الحقيقي للضحك، ولا ذُقنا طعم الراحة في البكاء.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد