يوم الحب أو عيد الحب، هو في الحقيقة أضحى رمزًا لشيء تختصّ ذكراه بزمن معيّن في أذهان الناس، كيوم الأم، ويوم العمّال، وليلة رأس السنة، والأيام الوطنيّة الأخرى، وبالطبع هناك مستفيدون من هذه المناسبات على الصعيد المادّي، حيث يتخذونها لترويج منتجاتهم ومصنوعاتهم المتعلّقة بخاصيّة المناسبة. فهل يمكن للحب أن يحافظ على معانيه السامية بهذا الشكل؟ أو بالأحرى هل يؤثر هذا الجوّ على نظرة الناس للحبّ؟ فربما مع العادة ستكون النظرة له باردة مزاجية مؤقتة بزمن محدود فحسب، إلا عند أولئك الذين قد نضج معنى الحب في قلوبهم وعقولهم، ولا يهمّهم وجود يوم له من عدمه.
ليس حديثي هنا عن التعريف بيوم الحب، بل هناك إشارات استفهام لا تزال تراودني عند حلول هذه المناسبة يوم الحب، حقيقة كلمة الحب عند من يقدّرها تحمل أهمية ومرتبة يمكن لها أن تصل للقداسة عند البعض، فالحب هو أن تعثر على من يستحقّ اهتامك وحنينك وتوجيه عاطفتك، وبنفس الوقت أن تعثر على من يبادلك تلك المعاني التي تضفي على حياتنا معنى يستحق أن نعيش لأجله وأن نشعر بالسعادة من خلاله.
لذلك ـ وفي نظري ـ فإنّ الاحتفال بيوم الحب يجب أن يكون ذا معنى، لا مجرّد مناسبة عابرة تسيّر مزاجنا لساعات فرح ومتعة وصخب ستزول كلّها بمضيّ ليلة الحب. احتفل أو لا تحتفل، هذا ليس المقصود هنا، بل ما أريده هو بالفعل هل نحمل معنى خاصّا في قلوبنا تجاه الحب؟ هل نرى الحب شيئًا ساميًا وعظيمًا؟ هل نخوض حبًّا حقيقيًّا أم مرحلة مؤقتة نستمتع بها ونعذّب الآخر خلالها؟ والأسئلة كثيرة حول نظرتنا كمجتمع شرقي (أعمّ من عربي) تجاه الحب ومعانيه الساميّة.
أنا كشاب وممّا ألاحظه من الشباب والكبار بمجتمعنا المتباعد على حدّ سواء اختلافًا كبيرًا في شكل الحب الذي يفهمه كل فرد على طريقته، حتى إنّ البعض ربما لا يفكر أصلًا في شيء اسمه حب، المسألة عنده هي أنّه تزوج من تلك الفلانة، وأصبح عائلًا لها أو سيدًا ربمًا، وهي بالتالي تنظر إليه على أنّه أبو العيال وربّ البيت الذي لا يخطم أنفه، ولكن وللإنصاف فإنّ هذه الفئة المتطرّفة بالتحديد باتت تقلّ نسبتها بشكل ملحوظ، وربما يعود ذلك الفضل إلى الأفكار التي يكافح أصحابها ضدّ هذه المفاهيم، أو حتى للمسلسلات والأفلام الرومانسية المستوردة.
نحن قلنا الرومانسيّة.. صحيح، هنا سؤال آخر خطر ببالي، هل الحب حقيقةً هو رومانسيّة مجرّدة وقبلة تُطبع على جبين المحبوب تتبعها قبلة مسترسلة تخبت لها العيون وتعيش بها النفس لحظات سكر وخيال؟ هل الحبّ تبادل نظرات، ثم غمزات وابتسامات، ثم كلام ووئام، وينتهي الفيلم بحفل زفاق! أعتقد أنّ هذه النقطة تشكّل مركز الدائرة لدى الكثيرين على اختلاف طبقاتهم من العمّال الكادحين والمعدمين الذين لا يملكون ثمن وردة ليوم الحب، إلى الأرستقراطيّين الذي لا يتوقّفون عن إغداق من يحبّون بالهدايا الباهظة. ومركز الدائرة الذي أقصده هو ذاك الفارق بين نظرات الأفراد لمعنى الحب.
البعض يرى الحب أنّه البحث عن عيون واسعة وشفاه منتفخة وشعر طويل ناعم لاحظوه بإحدى إعلانات مسحوق الاستحمام، والبعض يرى الحب هن أن يرتاح أو ترتاح للطرف الآخر لصفات وطباع جعلته يدخل إلى قلبه دون تأشيرة ودون شعر طويل أو قامة ذكورية متغطرسة وشعر بآخر طراز – مع أنّ الأناقة مطلوبة بكلّ حال – والبعض الآخر أيضًا لا يعني له الحب شيئًا، بل هو شيء فارغ أو مستورد أو حرام، وكلّ ما يطلبه أو تطلبه طرف آخر للزواج ولمساعدته على شؤون هذه الحياة البائسة.
ما يحتاجه المجتمع هو توعية لمفهوم الحبّ، أن يتعرّض الشباب ويتعرّفوا على معاني الحبّ السامية التي تكمن في صون المحبوب والإخلاص له، لا النظر إليه على أنّه أداة لازمة بظرف تجربة حب وهمي يمرّ به سعادة العاشق المزاجيّ.. في مجتمعنا يتوقف هذا على الشاب والفتاة، الشاب يجب أن يحترم علاقة الحب التي يمرّ به أو التي تجرّأ على فتحها، والفتاة عليها أن تكون قويّة وتنظر لنفسها على أنّها توازي الشاب بشتى المجالات، لا أن تنظر إليه على أنّه المخلّص وأنّ مصيرها بيده، أو أنها خلقت للزواج فقط.
في النهاية كلّ ينظر ليوم الحب بمنظوره الخاص، ولكن ليكن هناك وعي بمعنى الحب أكثر، وليته يجعل أيام السنة كلها أيام حب؛ خصوصًا في مرحلة الزواج الذي يتطلّب ذلك حتمًا.
وكلّ عام والعشاق الحقيقيّون بأفضل حال
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست