يبدو أن ما يدعو إليه السيد الحكيم من مشروع تحالف عابر للمكونات، أثار خشية كبيرة لدى عدد من القوى والجماهير التي اعتادت على الشكل الجامد للنظام، والتي تنتفع منه بشكل أو بآخر، خصوصًا تلك التي تعرف أن الحكيم لن يقبل أن تكون بتحالفه، لعلمهم أن نيتهُ هي قسم المشهد على أساس المناهج، وهو ما يختلفون فيه معهُ كثيرًا.
بالنسبة للسيِّد، ليست الفكرة وليدة اللحظة، بل هو يتبناها منذُ أكثر من 5 أعوام، وقد حاول تطبيقها قبل عامين، حين أسَّسَ تحالف الإصلاح والإعمار، مما جعل البقية يؤسسون تحالف البناء. ولولا التفاف تحالفي «سائرون» و«الفتح» وتفاهمهما معًا وحدهما، بغية تشكيل حكومتهما حينها برئاسة السيد عادل عبد المهدي؛ لتمكن الحكيم مع حلفائه من إنجاح مشروعه، والانتقال من حكومة الشراكة إلى حكومة الأغلبية الوطنية كما يحب تسميتها.
قناعة الحكيم بأن الشكل الجديد الذي يطرحه للنظام، يُعد حلًّا حقيقيًّا يخلصنا من أهم مشكلات مرحلة حفظ الحقوق وضمانها، باعتبار أنها قد ضُمنت؛ تجعله يصر على التمسك بهذا الطرح، ومحاولةً لضمان نجاح التنظير، ركز تحركه الآن ليجعل هذا التحالف انتخابيًّا، لأن ذلك يُعزز من تماسكه فيما بعد الانتخابات، كما يُمكن إلزامه ببرنامج موحد يُحاسَب على أساسهِ إذا ما نال ثقة الأغلبية الشعبية، ولعله يقدر على التخلص من مزادات شراء النواب – التي حدثت لمرات عدة في تشكيل الحكومات السابقة – من خلال القوانين الانتخابية الجديدة.
ما الدواعي؟
استمر الشكل السياسي في نظام ما بعد 2003، على أساس التقسيم العرضي، بحيث يرى المواطن أمامه تحالفات تقوم على أساس مكوناتي، تحالف كوردي، تحالف سني، وتحالف شيعي، وعلى هذا الأساس فقط تتشكل الحكومات ويجري التحاصص والتوافق، وهو ما يفضي بشكل قاطع إلى حكومات شراكة، يختلط فيها الحابل بالنابل، ويضيع دم العراق بين المتشاركين!
ثم إن الشكل هذا، كان يخيف القوى السياسية – المبالغ بكثرتها – من نجاح الأخريات، خشيةً من المنافسة الانتخابية، لأن كل حزب يدخل الانتخابات لوحده كما جرت العادة، وهو ما كان يسبب إفشالًا لأي مشروع يُضمن نجاحه، إذا قُدم من الكتلة السياسية الفلانية خوفًا من تغلبها انتخابيًّا وجماهيريًّا.
هو أيضًا – الشكل الحالي – كان واحدًا من أهم أسباب إشعال فتيل الطائفية وتصاعد خطابها، حيث كان مادةً للجذب الجماهيري، وبروبجندا نافعة استخدمتها أغلب القوى آنذاك، بعكس الحكيم الذي تضرر كثيرًا حين رفض ذلك وتبنى الخطاب والهوية الوطنية. وما يجدر ملاحظته أن الخطاب الطائفي لم ينته بعد، بل هو يتجدد بين حين وآخر، حيث إن ما عززه هذا الشكل، لا يمكن التخلص منه، إلا باستحداث شكل أو مشهد مختلف.
لا تخفى إطلاقًا رغبة الشارع بتغييرات حقيقية لأساسات هذا النظام، الشارع الذي أصبح سياسيًّا بشكل لافت، ومفرح بالنسبة للحكيم، لأن خطابه لا يمكن أن ينجح من دون وجود وعيٍّ سياسي لدى الناس، خصوصًا الشباب الذي يهتم الحكيم لأمرهم، بوصفهم ركنًا من أركان مشروعه، وهو قد أعلن بشكل يقلق العديد، تبنيه لتأسيس عقد اجتماعي جديد، قد يغير أغلب أساسات مرحلة 2003، التي يعتقد الحكيم أنها ما عادت صالحة!
هذا الشارع لن يقبل بكلاسيكيات النظام الذي لم يجن منه نجاحًا، وهو محق بعدم سماحه بذلك، ولعل ما أظهره في العامين الأخيرين أبسط أساليبه وأهونها، وهو ما يجب أن يفهمه المتخلفون!
ماذا لو لم يتحقق؟
شخصيًّا أعتقد اعتقادًا جازمًا، أن أغلب القوى السياسية لا تتعظ! بل هي لا تحاول حتى للخروج من إطارها الكلاسيكي في التفكير، وهو ما يظهر واضحًا من عدم مبالاتهم أمام الأزمات التي تضع العراق على شفير الهاوية، ولم يصلوا حتى الآن إلى درجة متقدمة في الوعي، ليعرفوا أن الثابت الوحيد في السياسة هو المتغير! وهو ما يجعل التخوف من عدم التحول موجودًا.
تبين المناقشات، خصوصًا التي تصدر من المعارضين، أن لا بديل سوى التحالف العابر، وذلك يعني أن كل السلبيات تبقى مستمرة، وبقاؤها لا يختلف أحد على إنه يمثل دمارًا حتميًّا لوضع العراق وتضخم أزماته، والتهديدات هذه المرة ليست كالسابقات، فهي لا تمثل مجرد خسارات في الأرواح والأموال – على عظمتها – فحسب، بل تمثل خسارة لكل شيء!
الفرصة
تعد المرحلة الآنية فرصة جيدة لتحقيق مشروع التحالفات العابرة، لأنها تمثل مرحلة لفرز المناهج، فهناك منهج دولة ومنهج اللادولة، هناك منهج تشدد وتطرف – على اختلاف متبنيه – وهناك منهج اعتدال ووسطية، وقيام تحالفات على أساس المناهج أفضل ما يمكن أن يكون.
إن الفرص كبيرة لتشكيل هذا التحالف العابر للمكونات إذا أرادت القوى السياسية أن تنجح وينجح العراق، والذي سيؤدي بالضرورة إلى تشكيل التحالف الثاني، ليصبح أحدهما مسؤولًا عن تشكيل الحكومة والثاني معارضًا له. وقد يوجد إما تحالف ثالث، وإما قوى متفرقة أخرى، لكنه لن يضر المشروع بالضرورة ويمكن أن يتحقق نجاحه؛ بتحالفها مع أحد التحالفين الكبيرين، لأنها ستجد نفسها مجبرة أمام مشهد سياسي جديد.
تقع القوى السياسية أمام مسؤولية مصيرية، فإما إحداث التغيير الذي يمكن أن يصنع أملًا في النجاح، وإما الإصرار على استمرار الفشل والتدهور، لكنها يجب أن تتيقن أنها أمام فرصة أخيرة، لن ينفع أي ندمٍ بعدها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست