المال بين السعادة واللاسعادة

مقدمة: الكل يريد المال، وهناك الكثير من الناس الذين يرون امتلاك المال هو الهدف النهائي في الحياة، مما يجعلهم ماديين أكثر وأكثر، لكن هل يمكن للمال أن يضمن السعادة؟ أم أنه على العكس من ذلك مصدر النكبات التي يعاني منها المجتمع؟

المال لا يشتري السعادة ولكن ما يسمح به يجعل الحياة أسهل بكثير: اليوم، أصبح المال شيئًا أساسيًّا يسمح لنا بالعيش وتلبية احتياجاتنا ورغباتنا، لدرجة أنه يرتبط اليوم بمفهوم السعادة، والاقتباس القديم «المال لا يشتري السعادة» يتبعه الآن «ولكنه يساعد».

وعليه فالسعادة والمال يسيران جنبًا إلى جنب، ومن المنطقي أن الأشخاص الذين يختبرون الرخاء هم أكثر سعادة من أولئك الذين هم أقل ثراءً، ومع ذلك، هناك استثناءات قد تكون القاعدة الأساسية التي يتغاضى عنها الكثيرون منا.

من نقطة معينة، سيصبح المال غير مساهم في السعادة، فالدخل الإضافي لن يجعلك أكثر سعادة إذا كان لديك أسلوب حياة مريح، ووفقًا للأستاذة الأمريكية إليزابيث دان ومواطنها الأستاذ مايكل نورتون، «المال يفقد تأثيره على الحالة المزاجية للإنسان بمجرد أن يصل دخله السنوي إلى 75 ألف دولار سنويًّا».

بالإضافة إلى ذلك، لا يجعلك المال أكثر سعادة بمجرد أن تعتاد على امتلاك المزيد، وترغب في امتلاك المزيد ومقارنة نفسك بالأشخاص الذين يكسبون المزيد.

استثمر في الخبرات: في المقابل، الطريقة التي تنفق بها أموالك تحدد درجة السعادة، لذا فإن شراء منزل جديد أو سيارة لا يجعلك أكثر سعادة، ووفقًا لبعض الدراسات، فإن المال يساهم في المزيد من بهجة الحياة إذا تم إنفاقه على تجارب جديدة تكون غنية ومجزية، فقد تكون رحلة إلى مكان جديد لها شعور أفضل من شراء المزيد من الأشياء.

من ناحية أخرى، تجعل المدفوعات المسبقة (أي أن لا يكون لديك ديون أو أقساط تدفعها) الناس أكثر سعادة لأنها تمنع القلق بشأن الرسوم الإضافية، ويمكن أن يساهم الإنفاق الأقل أيضًا في السعادة، كما أن عدم الخضوع للوفرة يسمح لك بتقدير الأشياء الصغيرة أكثر.

تقاسم المال يجعلنا أكثر سعادة: كشفت دراسة أخرى أن تقاسم الثروة، أو ما نملك يجعلنا أكثر سعادة، فمساعدة شخص ما تساعد على الشعور بالرضا، وهذا نابع من شعورنا بالمشاركة في سعادة الآخرين، ومن ثم فإن المساهمة بقسط صغير جدًّا من المال للمساعدة في انجاز عمل أدبي أو فني يمكن أن يكون ممتعًا، هذا الشعور موجود بالفعل بين الأطفال الصغار، وهذا ما نلاحظه ونشاهده لدى الأطفال عندما يتشاركون الحلوى معًا.

ويتم إنشاء هذا الشعور من خلال مشاركة المرء بمفرده، أو الترابط مع شخص ما، أو معرفة أنه يحدث فرقًا، بالإضافة إلى ذلك، تساهم ردود الأفعال الإيجابية في الشعور بالرضا.

إن المال لا يشتري كل شيء، ففي الحياة أشياء كثيرة لا يمكن شراءها بالمال، ولكن طبيعة المال هو أن ييسر لنا الحياة ويجعلها أكثر سهولة ويسر، كما أن المال يساعدنا في توفير الوقت الذي هو أغلى من المال، فتحسين الحياة يتم بالحصول على المزيد من الوقت لا المزيد من المال.

المال ضروري، لذلك يجب أن يكون لدينا ما يكفي للعيش دون قلق، لكن لا يعني هذا أن نكون عبيدًا للمال ففكرة العمل طوال الوقت لجني الكثير من المال، ليست دائمًا فكرة صائبة، فقد تعمل بجد وتقسو على نفسك، ولكن يمكن ألا تجني الكثير من المال، وقد ينعكس هذا على الوقت الذي ستقضيه مع عائلتك وأصدقائك، إنه من الصعب أن تكون سعيدا إذا كنت تفكر فقط في الكيفية التي تجني بها المال وبمقارنة نفسك مع الآخرين.

المال لا يشتري السعادة، أو يشتري السعادة فعلًا، يبقى موضوعًا جدليًّا؟ لا نهاية له، ولا إجابة محددة له، ويبقى أن التصور الذهني للمال هو الذي يحدد مكانة المال عند صاحبه وما يمكنه أن يقدمه له، وفي الختام نلاحظ أن المال لا يشتري السعادة ولكنه يساهم فيها، وهذا يعني أن السعادة في الحياة هي نتيجة عوامل عديدة متنوعة ومختلفة، والمال هو أحد هذه العوامل.

الصورة توضح كيف أن المال يعمل لصالح جوانب أخرى مهمة لحياة الناس من أجل أن يكونوا سعداء، وهذه المجالات هي:

1. الصحة: لطالما اعتبر الإنسان صحته أثمن ما يملكه، وفي الثقافات تعد الصحة نعمة من نعم الله الواجب الحفاظ عليها وصيانتها، وفي هذا الصدد تذكر منظمة الصحة العالمية أن «الصحة الجيدة ضرورية للسعادة والرفاهية، كما أن الصحة الأفضل هي أيضًا مساهم مهم في التقدم الاقتصادي حيث يعيش السكان الأصحاء لفترة أطول وأكثر إنتاجية ويدخرون أكثر.

2. العمل: هو وسيلة لتلبية احتياجاتنا وتوفير حاجاتنا، وأن نكون قادرين على العثور على سكن وطعام ورعاية صحية والاستمتاع من وقت لآخر، ويساهم العمل في تطورنا الشخصي، والعمل يعزز التفاؤل والنجاح وعلاقتنا بالآخرين.

3. العائلة: هي المكان الأساسي للاستمتاع بالعلاقات الإنسانية الدافئة وتعلم كيفية بنائها، من المهم أن يكون للأسرة هدف مشترك: إيجاد أسلوب حياة، وبناء تراث، وتوفير أفضل تعليم ممكن للأطفال، ونقل قيم الحياة في المجتمع.

4. المجموعة: تظهر الكثير من الدراسات العلمية أن روابط الثقة والشعور بالانتماء إلى مجتمع لا يؤدي فقط إلى حياة أطول وإدارة أفضل لضغوطات الحياة، بل يساهم أيضًا في الإنجاز وزيادة الإنتاجية للفرد.

5. الروحانيات: يتزايد الاعتراف بالروحانيات على أنها تمتلك القدرة على الوقاية من المرض أو علاجه أو التعامل معه، على الرغم من الأصوات المعارضة، فإن الغالبية العظمى من البحث العلمي حول تأثير الروحانية في الصحة تدعم فكرة أن القيم الروحية وأهداف الحياة تقدم مساهمة لا يمكن إنكارها في الصحة البدنية والعقلية وكذلك في حياة الإنسان.

6. الحب: إنه شعور معقد، يمكن أن يدفعنا إلى الأفضل، ولكي نحقق الازدهار في حياتنا، نحتاج جميعًا إلى إنشاء روابط تشوبها المشاعر الإيجابية، سواء كان حب الوالدين، والأبناء، والأهل والأقارب، وحب الأصحاب، أو الحب الذي نتمتع به لأنفسنا، يبقى الحب عنصر أساسي في الحياة.

فالمال هو أحد المجالات الستة المهمة في حياتنا، وامتلاكنا المال لا يجب أن يكون الغاية في حد ذاته، فقد نحصل على المال، وفي المقابل تكون أحد الجوانب الأخرى بها خلل، فالأكيد ستكون سعادتنا أقل، وسنشعر بغصة، وبقلق لا ينتهي إلا بإصلاح ذلك الخلل.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد