«المبدع كالزهرة، تتفتح وتشرق عندما تتوفر لها البيئة المناسبة، وتذبل وتموت عندما تقسو البيئة عليها».
لا أستطيع أن أصف نفسي مبدعًا؛ فالإبداع صفة يطلقها الآخرون عليك، ولكن لا يحق لك أن تطلقها على نفسك، ولكنني أزعم أنني أمارس عملًا إبداعيًا، وكما هي العادة، شأني شأن الكثير ممن يمارسون أعمالًا إبداعية في عالمنا العربي، عانيت الأسبوع الماضي من أحد أسوأ الأسابيع على الإطلاق، حتى إنني كتبت على فيسبوك واصفًا حالتي المزاجية بأنني عاجز عن الكتابة منذ فترة لا بأس بها، لأجد تعليقـًا من مديري السابق وأستاذي مصطفى عاشور يقول فيه: ذلك لأنك مبدع والمبدعون يتأثرون بحالتهم المزاجية، فسألت نفسي لماذا لا يكون مقالي عن معاناة المبدعين في عالمنا العربي؟! شخصيًّا أعرف عددًا لا بأس به من المبدعين في كافة المجالات: الكتابة، الرسم، الشعر، الموسيقى، الرقص… إلخ، جميعهم يعانون كما أعاني أنا، فلا يعلم معاناة المبدع سوى مبدع مثله، هذا ما أقوله لصديقتي أمنية عندما نتحدث عن ضعف إنتاجنا في المسلسل الكارتوني الذي نقوم به منذ عام تقريبًا.
لن أطيل عليكم وسأسرد لكم بعض النقاط والمواقف التي تحدث بصورة مستمرة مع المبدعين في عالمنا العربي، وغالبًا لا يأبه لها الكثيرون ويجدونها أمرًا عاديًا، ولكن لهذه التصرفات مفعولًا مدمرًا أشبه ما يكون بفصل التيار الكهربائي عن آلة الإبداع، فأنا أتذكر جيدًا عندما قال لي أستاذي مصطفى عاشور ذات مرة: «يمكنك أن تعمل في مكان ينمي مواهبك، ولكن أيضًا يمكن لموهبتك أن تتقزم في مكان آخر».
وغالبًا ما نجد أن المبدعين يظهرون بكثافة في الدول الأكثر تقدمًا مقارنة بالأقل تقدمًا، وذلك لأنهم يولونهم قدرًا كبيرًا من الاهتمام، وهو ما يفسر أن عددًا لا بأس به من المبدعين العرب فشلوا في بلدانهم بينما نجحوا عندما هاجروا إلى الغرب، وبالرغم من أن ذلك لا يعني استحالة الإبداع في أشد المجتمعات فقرًا وتخلفـًا، ولكن فرص نجاح المبدع تتقلص بشدة في هذه المجتمعات، وأنا أثق أن عددًا لا بأس به من المبدعين قد قتلوا إبداعيًا بسبب البيئة التي يعيشون بها، وأنا أثق أيضًا أن المناخ الإبداعي في عالمنا العربي مهمل بشدة، ولو تم الاهتمام به بصورة جيدة لوجدنا آلاف المبدعين وعددًا لا بأس به من حملة الجوائز الإبداعية الكبرى كنوبل في الآداب والأوسكار وغيرها.
وبما أن الحديث عن دور الدولة في دعم الإبداع في غاية الصعوبة، خاصة في ظل تأخر معظم الحكومات في منطقتنا العربية عن القيام بواجباتها تجاه المواطنين، لذلك سأوجه بعض النصائح لأرباب العمل ومن يديرون أعمالًا تندرج تحت قائمة الإبداع البشري أيًا كان نوعه، فربما تساعد هذه النصائح أحد المبدعين بالفرار قبل أن يقتل إبداعه:
1 – إياك أن تحاسب المبدع بالكم بدلًا من الكيف، فالعمل الإبداعي يجب أن يأخذ وقته، ولا يجب أن تضع ضغوطًا سلبية على المبدع الذي يعمل لديك، فالحساب بالكم يحول المبدع إلى ما يشبه الآلة، ولكن المبدع بطبعه لا يرضى بأن يخرج شيئًا سيئًا، فإما أنك ستستنفذه في فترة وجيزة لتتركه ينهار بعدها، وإما أن المنتج سيكون سيئًا للغاية.
2 – اترك العنان لمخيلته، وإياك أن تحصر فكره في إطار معين، امنحه الخطوط العريضة، واتركه يبدع ويخرج العمل النهائي بصورة تحتوي على شخصيته.
3- لا تحاول أن تساوم المبدع ماليًا من خلال التقليل مما يفعله، فمثلًا لا تقل له عبارات على غرار: لماذا كل هذا المقابل المادي؟ إنهما كلمتان ستقوم بكتابتهما في ساعة زمن، أو «هذه مجرد رسمة»… إلخ؛ فقيمة الإبداع في الفكرة لا في تكلفة إنتاجه.
4 – لا تحبط المبدع حتى ولو لم يعجبك عمله، اذكر له الإيجابيات وطالبه بتعديل السلبيات، من الممكن أن تشرح له أن هذه شروط العميل مثلًا، لكن لا تصف منتجه بالسيئ مهما كان.
5 – إذا كنت تمتلك شركة يعمل فيها عدد من المبدعين، امنحهم امتيازات مادية قدر المستطاع، فكلما خففت من ضغوط الحياة على المبدع كلما كان عطاؤه أفضل بكثير.
6 – إياك والروتين، لا تلزم المبدع لديك بساعات عمل، اتفق معه على حجم الإنتاج المنتظر، فربما ينتج لك المبدع عمل أسبوع في يوم واحد إذا كان سعيدًا ومتحمسًا، وربما يفشل في إنتاج عمل أسبوع في شهر كامل إذا ما ضيقت عليه مساحته وشعر بأنه مجبر على الخضوع للروتين، لذلك تقوم بعض الشركات الكبرى بتوفير أجهزة بلاي ستاشن وطاولات بلياردو ووسائل ترفيهية أخرى لموظفيها لتخفيف الضغط عليهم.
7- كافئهم بصورة مستمرة ولو بهدايا عينية، فكلما شعر المبدع بالتقدير كلما تضاعف إنتاجه بصورة مستمرة، واشعل روح التنافس في العمل.
8- إذا شعرت أن المبدع الذي يعمل لديك في حالة نفسية سيئة جدًا، امنحه إجازة على الفور مهما كان الثمن.
9- إياك أن ترهق المبدع في عمل لن يخرج إلى النور، فذلك سيشعره بالإحباط بصورة كبيرة.
10- رفقًا بالمبدعين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست