في كل مناسبة دينيّة تنتشر ظاهرة اصطحاب الأولاد إلى المسجد، ظاهرها محمود وباطنها غالبًا كذلك، ولكن هل أثرها على الأولاد دائمًا محمود، أم هو غير ذلك؟
في هذه الخاطرة أودّ تسليط الضوء على سلبيات هذه الظاهرة، بعيدًا عن تشويش المصلّين وصرفهم عن الخشوع، أبعد وأعمق عن ذلك إلى أثره على الأطفال أنفسهم وخاصّة على المدى الطويل.
يعتقد الكثير من الآباء والأولياء أنه حين يصطحب ابنه إلى المسجد فإنه يقوم بعمل خيّر، مستشهدين بحكم وأمثال على شاكلة «من شبّ على شيء شاب عليه» ويرونه تشكيلًا للعجينة ما دامت لينة وتقويمًا للغصن قبل أن ييبس، ويظنون أن هاته الممارسة تمكّنهم من زرع حبّ المسجد في الأطفال، وإنشاء عادة المحافظة على الصلوات في نفوس الناشئة، وإليكم الصدمة، الأمر ليس كما يظن الأغلبية، اصطحاب الأبناء للصلاة في المسجد لا يفيد، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسيّة، إليك بعض النتائج العكسيّة التي قد تحدث
يضيع معنى الصّلاة لديه
حين يرافق الطفل إلى الصّلاة باستمرار، فلا شكّ أنّه سيشعر بنوع من الملل وهذا راجع إلى طبيعة الأطفال الحركية وحبهم اللعب، وانضباط الطفل حين الصّلاة يشكّل نوعًا من القيود على نفسه التّواقة للنشاط، خاصّة إذا لم يكن المرافق يراعي رغبَة الطّفل وكانت مرافقته جبرًا، وحتّى إذا لم يكن الطفل يرغب في الذهاب فإنه يتحرّج من إعلان رغبته، لأنّه دائمًا ما يُعلّم أنّ الصّلاة راحة وسكون، وأن الصلاة عمل صالح، فإذا لم يكن يرغب فيها فسيصنف – كما يعتقد – في صف الأشرار.
حين لا يجد الطفل الرّاحة والسكون المرجوّين من الصلاة يبدأ في لوم نفسه ويبدأ في الاعتقاد أنّ القصور فيه ولكنّه مع مرور الوقت يشعر بالإحباط وخيبة الأمل، فلا غرابة أن يعتقد بعد ذلك أنّ القصور في الصلاة، فيكبر على ذلك وتصبح الصّلاة مجرّد شعيرة لديه، ولا يجد فيها أيّ روح حتّى إذا لم يصرّح بذلك، -لتقديسه للشّعائر طبعًا -.
يصبح مضيّعًا لأوقات الصلاة
لا شكّ أنّ الطفل لا يرافق إلى المسجد في كلّ وقت – هذا إن كان المرافق يذهب كل وقت -، فقد يذهب إلى صلاة الظهر ولا يذهب إلى العشاء، وقد يصلّي كل الصلوات في المسجد ويتعوّد على ترك صلاة الصّبح، وربّما كان الذهاب إلى المسجد مناسباتيًّا فلا يذهب إلّا يوم الجمعة، وبعض أيّام رمضان، وبالفعل التّراكمي يظن الطّفل ألّا حرج إذا لم يصلِّ الصلوات الخمس في المسجد، ولا حرج أيضًا ألّا يصلّيها في وقتها، بل الأهمّ أن يصلّي وفقط بحجة أنه أحسن حالًا من الذي لا يصلّي إطلاقًا.
يتولّد لديه شعور سلبيّ تجاه المسجد
الوقوف في الصفّ، ومتابعة الإمام دون أدنى حركة، ضرب من الجنون بالنسبة لطفل الأصل فيه الحركة والحيويّة والنّشاط الزّائد، فحين نمنعه من الحركة فإنما نظلم طفولته – ونعود إلى المشكل الأول -، وحين نتركه يلهو كما يشاء فنحن لا نزيد الطّين إلّا بلّة، لأننا بذلك نمنع المصلّين حقهم في الخشوع، ولا شكّ أنّ الطفل إذا تمادى في حركته سيتلّقى توبيخًا من هنا أو من هناك، وبهذا يتولّد لديه شعور سلبي تجاه الصّلاة عمومًا، وتجاه المسجد خصوصًا خاصة إذا تكرر الأمر مرارًا، أذكر قصّة – أتحفظ على صحتها – تقول إنّ أحد الدعاة كان يجول في إحدى القرى والتقى بشيخ جاوز الستين يقول إنّه لم يقرب السجّادة منذ كان في الخامسة من عمره والسبب صفعة تلقّاها في المسجد، فمن الجاني الحقيقي؟، هو إذ جاوز إذ لم يحسن التصرّف في المسجد، أم صاحب الصفعة لأنه انزعج من الطفل، أم من أخذ الطفل للمسجد؟!
يصعب عليه الخشوع في كبره
السبب الرئيسي في ذلك أنه معتاد على الحركة في الصلاة منذ الصغر، أما السبب الثاني فالمتهم فيه الأولياء إذ نجد بعض الأولياء يصححون من وضع أبنائهم وهم في الصلاة وقد يجذبونهم إذا ابتعدوا قليلا من الصف وقد يصل الأمر إلى حدّ القرص، حين يرى الطفل قدوته تفعل ذلك فمن الصعب أن يعتقد أن الحركات الخارجة من الصلاة تنقضها.
ربما قد أكون بالغت قليلا في توصيف الآثار، إلّا أنّها تبقى آثارًا ممكنة وقد يكون من القرّاء من هو دليل حيّ على هذا، ومنهم من قد يكون عكس ذلك، إلا أننا ننوّه إلى أن التخلّص من هذه الآثار أيضًا ممكن، ولكن بعد كلّ هذا، لماذا ترافق ابنك للمسجد؟ وإن كنت لا تزال مصرًّا على ذلك، فلا تأخذه إلّا برغبته المحضة، ولا تلزمه الوقوف في الصف مع الجماعة بل خيّره بين الوقوف في الصفّ والجلوس في المسجد أو مكان مجاور، أمّا إذا اقتنعت بما ذكرت، فلا بدّ أن تتساءل عن طريقة تربويّة بديلة ناجعة لكي يصبح ابنك من المواظبين على صلاة الجماعة، هذا ما ستجده في مقال قادم إن شاء الله.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست