أما عن كونه قائدًا: فإن الله تبارك وتعالى قد وهب لبعض الناس «كاريزما» قيادية خاصة، قلّ أن يجتمع منها في زمان واحد، إلا النذر اليسير.

ولقد كان الدكتور محمد كمال من هؤلاء، يظهر ذلك جليًا في درجة تأثيره في حياته القيادية القصيرة، وفي الضجة التي أثارها حيًا وميتًا.

ولقد بدأ الكثيرون يكتبون حول تجربته، وحول أنه شكل لونًا خاصًا من أشكال القيادة، فلم يكن ممن يركنون للمسلمات، دون مراجعات عميقة وجذرية، وكان ممن يدفعون بقوة نحو التجديد في الأطر التنظيمية واللوائح الحاكمة والمنطلقات الفكرية والتوجيهية.

ويبدو في ذلك أن الدكتور «محمد كمال» كان من طراز يشبه إلى حد كبير طراز الشيخ «حازم أبو إسماعيل».

وهو طراز قيادي فذ، غير أنه من الصعوبة البالغة احتواء ذلك الطراز بالأطر التنظيمية واللائحية . هو طراز قيادي يتطلع إلى أن يتبوأ مكانه ، حيث يقود ولا يقاد، ويوجّه ولا يتوجه.

وأما عن كونه مجاهدًا: فقد جاء في حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ «أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

ولقد قام الدكتور محمد كمال وإخوانه إلى أعظم السلاطين جورًا وظلمًا، فقالوا كلمة الحق في وجهه هاتفين صارخين.

قالها الدكتور محمد كمال وإخوانه في اعتصامي رابعة والنهضة، فلما حدثت المجزرة، وفُضّ الاعتصام، قالوها في مسيراتهم ومظاهراتهم.

ومن أضحل الفهم وأخبله أن يقول أناس: إن حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقصد أن يقوم الفرد ويقف بين يدي السلطان، ثم ينصحه ويأمره وينهاه.

ولهؤلاء نقول: فإذا حيل بينه وبين السلطان؟ وإذا كان طغيان السلطان طغيانًا لا يسمح لأحد بأن يقف بين يديه ناصحًا؟

إن المسيرات والمظاهرات والاعتصامات اليوم هي صورة حديثة من صور قولة الحق عند السلطان الجائر، بل إنها صورة أوضح وأقوى، وتأتي الثورات الشعبية العامة الشاملة كذروة سنام لهذه الصورة، عندما يصعّر الحاكم خده للنصيحة، ويولغ في طغيانه وظلمه.

 

وأما عن كونه مجتهدًا: فقد ظهر ذلك منذ أن تولى الدكتور محمد كمال رئاسة اللجنة الإدارية التي اتفق الإخوان على أن تدير المشهد الداخلي للجماعة من حيث إعادة البناء والتنظيم، ومن حيث الحركة الثورية وفاعلياتها على الأرض.

فالدكتور محمد كمال لم يكن قائدًا مقلدًا متبعًا إلى حد التقديس لتراث الأوائل التنظيري والعملي كما يفعل الكثير من القادة اللاحقين.

لكنه كان قائدًا مجتهدًا مجددًا، ولا نستطيع أن نجزم بالقطع، هل كانت صفة الاجتهاد والتجديد صفة أصيلة عامة في الدكتور محمد كمال، أم أن الاجتهاد والتجديد كان حالة مرتبطة بالظرف، الذي دفعه إلى النظر في الحال، ودفعه من بعد ذلك إلى محاولة التغيير في المنهج والأسلوب، قناعة منه بأن النتيجة التي وصلت إليها الجماعة كانت حاصلًا طبيعيًا لنهج الجماعة وأسلوبها في مواجهة المحنة.

لكن لا بد أن نشير هنا إلى أن للتقليد ميزاته وعيوبه، وأن للتجديد أيضًا ميزاته وعيوبه.

وإن أكبر عيوب التقليد الركون والخمول إلى حد الموت والنسيان وتجاوز الزمان.

وإن أكبر عيوب التجديد الهرولة والاندفاع إلى حد القطيعة مع الأصول والثوابت.

والجمع بين التقليد في منطقته الواجبة وبين التجديد في منطقته الواجبة هو عين التوفيق، وقل من يُحسن ذلك ويقدر عليه.

وأما عن كونه مخطئًا: فإن الناظر في مسيرة الدكتور محمد كمال القيادية القصيرة سيرى أنه ـ رحمه الله ـ كان مجتهدًا مخطئًا، وقد كان خطؤه في ناحيتين اثنتين.

فلقد اجتهد في محاولة إصلاح البناء التنظيمي للجماعة وإصلاح لوائحها الداخلية، وكان خطؤه في توقيت هذه الإصلاحات، فما كان الظرف ليسمح بذلك مطلقًا.

فجماعة كل قياداتها بين شهيد ومعتقل ومهاجر ومطارد، لا يصح أبدًا أن يُنظر في هذا الإصلاح الكبير لها في هذا الظرف، وأكبر الخطأ كان إصرار الدكتور محمد كمال على توجهه هذا، إلى حد الخلافات والانقسامات بين مؤيديه ومعارضيه في القيادة والتنظيم، حتى أصبحنا إلى حد كبير أمام جماعتين وتنظيمين.

ولقد أخطأ ثانية حينما نحا بالحراك الثوري ناحية العنف، ولقد كان نحوه هذا نحوًا مشروعًا، فما يتخيل أحد أن يكون الدفاع عن النفس والعرض محرمًا في شريعة الله، أو مجرمًا في قوانين البشر.

لكن خطأ الدكتور محمد كمال في هذه الناحية كان في إغفاله لموازين القوى بينه وبين عدوه، ولضعف الإمكانات المتاحة، وللمآل الذي ينتظر البلاد والعباد إن جدّت الجماعة بالسير في هذا الطريق.

لقد دفعت العمليات النوعية التي تبنتها إدارة الدكتور محمد كمال السلطات الانقلابية إلى الإيغال في الإجرام والطغيان، فقتلت الناس في بيوتها وحقولها، ووصل الأمر إلى التمثيل بالجثث، كما حدث في قتل مجموعة في محافظة بني سويف.

سار الدكتور محمد كمال ومجموعة إدارته في طريق العمليات النوعية وعمليات الثأر، فلم تجن الجماعة شيئًا من وراء ذلك، إلا مزيدًا من الخسائر، ولم تربح قضيتهم الثورية العادلة شيئًا، بل ساعد ذلك على تشويههم داخليًا وخارجيًا.

وكان الخوف الأكبر من أن تسير الجماعة بذلك في طريق العمل المسلح العام.

 

وأما عن كونه شهيدًا: فقد جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله».
هذا إذا قام إلى الإمام الجائر، فكيف إذا قام إلى المنقلب الجائر.

وكلمة الإمام فيها إيحاء إلى كونه إمامًا شرعيًا شاب حكمه شيء من الجور، فكيف به إذا لم يكن إمامًا شرعيًا من الأساس، وكيف به إذا كان هو الجور نفسه في كل التوجهات والأفعال.

الدكتور محمد كمال قتلته يد البطش والظلم والجور، عدوة الحرية والكرامة، وعدوة المشروع الإسلامي كما صرحت في أكثر من مناسبة ووقت، وكما ظهر جليًا في أكثر خطاباتها بين الجمل والسطور.

رحم الله الشهيد الدكتور محمد كمال، وغفر له وعافاه، وكتب لنا من بعده ظفرًا على دولة الظلم والظالمين، حتى تعمل يد الثأر حينها في قتلته وقتلة إخوانه، عليهم رحمة الله أجمعين.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد