أعلم أنني لست الأولى أو الأخيرة التي ترفع القلم لتفرغ ما تحس به بشأن موضوع شائك مثل الزواج، ولتعبر بحبر قلمها عما استعصت البشرية على وجود حل له منذ آلاف القرون، أعلم أيضًا أن أغلب نساء العالم ترعبهم كلمة عانس أكثر من الموت ذاته، وأعلم بالتدقيق أن الكثير من النساء هدفهن الوحيد تكوين أسرة وضمان الاستقرار، والحصول على زوج، وربما الإحساس بشعور الأمومة في وقت مبكر، فذلك يجعل فارق السن بين الأم وابنها صغير، وبالتالي الإحساس بأن أكبر إنجاز يمكن القيام به هو الظفر بأربعة أبناء قبل بلوغ الأربعين.

استوقفني في الصباح وأنا أجول مواقع التواصل الاجتماعي منشورًا في إحدى المجموعات الكبرى للزواج الحلال، أتعجب من قام بإضافتي لمجموعة كتلك وأنا لم أتذكر أنني بحثت من قبل عن كلمة زواج في محرك البحث.

فكيف لي أن أنضم إلى مجموعة هدفها الأسمى الالتقاء في الحلال دون أن أطلب ذلك، أظن أن فاعل خير من جنود الخفاء هو من قام بإضافتي أو ربما شخص أزعجته عزوبتي، وأنا لم أعتب العشرين بعد، على أي قبل أن أغادر المجموعة انتابني فضول لاستكشاف الزواج الافتراضي، ففجرت فضولي بتفحص منشور بعد آخر، كما أنني فحصت التعليقات أيضًا، فبدأت أشمئز من مستوى المجموعة التي يعرض فيها أناس أنفسهم، وكأنهم سلع رخيصة للبيع، من هول ما شاهدته تابعت رحلتي فاستوقفني رجل يناشد بالبحث عن زوجة ذكرتني كلماته ببرنامج مختفون الذي تبثه القناة الثانية ليلة كل خميس، أفصح الرجل في منشور قائلًا: صباح الخير أحبابي، أنا شاب من المنطقة الفلانية، أبحث عن بنت حلال! وكأنه يريد أن يقول إن النساء نوعان حرام وحلال، وآخر يقول: مرحبًا أنا فلان، عمري 35 سنة، أبحث عن زواج، هذا الأخير بدا لي يريد زواجًا فقط ولا يقيده بشروط، أما المنشور القادم فقال صاحبه: عمري 54 سنة، أرمل أبحث عن زواج من بنت مثقفة جدًا، وهذا رقم هاتفي، ما تعجبت لأمره أن شرطه الوحيد أن تكون المرأة مثقفة، لعل جنس الذكور اعترف، وأخيرًا أن المرأة لم تعد ناقصة عقل ودين، بل أصبحت عوضًا عن ذلك مثقفة، اعتراف يستحق أن يمجد عنه صاحب المنشور.

تابعت جولتي فوجدت آخر يقول: سلام، أنا فلان أبحث عن بنت للزواج، شرط أن لا تفقد عذريتها، ولديها عمل محترم، وتكون من دولة أوروبية، هنا أحدثت ابتسامة سخرية، رجل يبحث عن امرأة بشروط ستضمن له العيش في أوروبا وفي المقابل يريدها أن تكون عذراء، بالإضافة إلى توفرها على عمل، يبدو أن الموازين انقلبت، الزوجة تعمل، والزوج ينجب ويربي، سخافات!

أكثر ما زاد الطين بلة من كل المنشورات التي قرأتها هو منشور رجل يبحث عن فتاة بالكاد اجتازت مرحلة البلوغ، وكأنه يبحث عن سلعة جديدة عرضت في السوق ولأول مرة ولم يمسسها أحد.. غادرت المجموعة وأنا ألعن تفكير هؤلاء وشروطهم، ما هذا المنطق؟ وما هذا الهراء؟ رجل وصلت به المواصيل لأن يشبع رغبته في فتاة بالكاد بلغت، آخر يريده بيضاء، وهذا أرادها سمراء، ذاك يريدها رقيقة، والآخر يريدها مفرطة في السمنة، بينما مثلهم يريدها عذراء!

أفلت هاتفي، فاتجهت إلى دورة المياه، صادفت هناك فتيات من اللواتي يشاركنني بالإقامة التي أسكن بها، سألتهم عن وجهة نظرهم في الزواج؟ متى يمكن القول عن المرأة أنها عانس؟ وما موقفهم من الأمر ككل؟ وهل سبق لأحد أن تقدم لخطبتهن ورفضن؟ وسبب الرفض؟ وهل تزعجهن أمهاتهن كل يوم بالزواج؛ كما كنت أشاهد جدتي تفعل مع خالتي قبل أن تتزوج؟ بدت لي أجوبتهن تستحق تجمعًا في مكان آخر غير دورة المياه، نقاش غني، موضوع شائك، كذاك لا يناقش في مكان تلبية نداء الطبيعة أبدًا، تحدثت إليهن وكل واحدة عبرت عن رغبتها في الاستقرار المادي قبل التفكير في الاستقرار الأسري.

جرني جواب إحداهن عندما تلفظت بأن والدها تزوج قبل شهور ورزق في العطلة المنصرمة بطفله الأول من زوجته العشرينية، في حين أنه كاد أن يتمم عمره الخمسين بحسب تصريحات ابنته، هنا سألت السؤال ذاته ما الذي يدفع بالأنثى لأن تفني سنوات عز شبابها مع رجل عاش النصف من عمره ومن الأرجح أن يموت قبل أن يعيش النصف الآخر، أهي الرغبة الشديدة في الحصول على زوج لسد فاه الناس، أم الحاح الأهل وطلبهم لزوج يأتي كالصاروخ فيأخد ابنتهم معه بسرعة البرق، لكن لماذا ننجب ما دام همنا الوحيد هو تزويج بناتنا، لماذا ننجب للمجتمع فتاة نحن متأكدين أننا سنتألم لأجلها إن نعتت بالعانس يومًا ما.

ضلت كل تلك الأشياء تحفر في دماغي كما تفعل السوسة بالضرسة، قرأت عن الموضوع حتى شبعت وما وجدت أجوبة لأسئلتي، حتى كدت أنساه، فكانت الصدفة أن التقيت بصديقة لي قبل يومين في منتجع لبيع الأحذية بالعاصمة، جلسنا في مكان قريب من المنتجع ونحن نرتشف الشاي في جو يعلوه المارة بالضجيج، أخبرتني عن شدة شوقها إلي، خصوصًا أننا لم نلتق منذ شهور، أخبرتها أنني أيضًا بلغت من شوقها ما جعلني أتخيل صورتها في كل مكان، فأشبهها بهذه الفتاة وتلك، قهقهنا قليلًا قبل أن ننغمس في المواضيع الشخصية وعن الدراسة والأهل والأصدقاء، أوقفتني بعجالة لتروي لي قصة أعز صديقاتها التي لم ترد لها أي اعتبار، فقصت لي امتناع تلك الأخيرة عن اخبارها بزواجها الذي تم عقد قرانه قبل أيام، مخبرة إياي أن أعز صديقاتها تحججت بالظروف.

خاتمة كلامها بتلك الكذبة التي حفظتها جميع الفتيات عن ظهر قلب كل شيء حدث بسرعة، لم أسمع يومًا فتاة تعبر عن بطء يوم زفافها، لكن سمعت أن المرأة تجد لكل ضيوف زفافها مكانًا، ما عدا مكان أعز صديقة لها، هل يا ترى ذلك راجع إلى الغيرة التي تنشب بين الإناث، أم أن كل واحدة تخشى أن تسلب الأخرى عقل زوجها ليتركها في تلك الليلة بالذات بعدما بنت معه عرش مملكة من الأحلام الوردية.

حدث ولا حرج، ولن أستغرب يومًا بدوري حين أسمع من أفواه الناس زواج إحدى صديقاتي دون درايتي، أو أشاهد عبر موقع ما إعلان زواجهما والتهنئات تمطر من السماء عليهن، لن ألومها نهائيًا، لأنها في النهاية ككل أنثى تحذرها أمها من كشف السر قبل تأكيد الأمر للناس، ربما أبارك لها زواجها مرفقة إياه بقلب أحمر يعبر عن أصدق المتمنيات لها، وربما تجيبني بقلب آخر وتتمم تعليقها بدعوتها لي بالظفر بزوج آخر بدوري، وربما يكون ذلك آخر حديث لنا في الحياة، ربما سألتقيها يومًا في مدرسة قد تشارك فيها ابنتي ابنها الصف ذاته، فألقي السلام، وأمحو الموقف الذي سنعتبره آنذاك سوء فهم، فأجمل شيء يكون سبب الصلاح أن تخبر أحدًا أن ما حدث كان عبارة عن سوء فهم وقد مر، سنتصالح آنذاك ونعود من جديد لأحاديثنا بعد مرور الزمان، ربما أخبرها عن صعوبة مسؤولية الأبناء، وعن صعوبة التعامل معهم، لكن لن أفصح لها نهائيًا عن أشيائي الشخصية؛ لأنها سبق وأن خانت، وربما تعيد الكرة فتخون مرة أخرى، سأجعل العلاقة بيني وبينها علاقة عابرة قد تنتهي كما انتهت في فترة قد ولت من قبل.

استوقفني أيضًا قبل أيام، وأنا أبحث عن بعض من المعلومات على موقع «يوتيوب» شريط فيديو لسيدة تقدم وصفات في العلاقات، كنت أظن أن الوصفات مختصة بالوجه فقط، لكن صدفت بفلانة تقدم وصفة لمتابعيها عن كيف تكسب قلب رجل في ثلاثة أيام، وعن كيف يقع الرجل في حب الأنثى عبر ثلاث وصفات، وكيف تجعل من الرجل خاتمًا بأصبعها بخمس مراحل فقط، عندما ألقيت النظرة على نسبة المشاهدة صادفت أنها تجاوزت المليون، كيف لا تنصب أنظار الجميع على مثل هذه الفيديوهات، ونحن نرى أكبر حقوق المرأة تحسبها أحلامًا من المقدر تحقيقها أو العكس، لكن ولو أن الزواج حق يظل في النهاية أرزاقًا كتبت في اللوح عند الله.

في خضم كل هذه الأشياء التي أشرت إليها سلفًا، جلست مع نفسي أتساءل ماالذي سيقع للعالم لو بقيت المرأة عانسًا، ما الشيء المميز الذي سيحدث؟ طبعًا لا شيء لن يختلف مكان بزوغ الشمس، ولن يتغير مكان هطول الأمطار، ستفقد العانس صديقاتها، لكنها ستجني صديقات أخريات، ربما تذم من طرف زوجة أخوها، لكن ما المشكلة لن تشحد الرضى من فتاة كمثلها، فإما أن تتقبلها وإما أن يكون الواجب عليها أن تتقبلها، لأن في النهاية إن تزوجت، أو لم تفعل ذلك يظل شأنها الخاص؛ ربما سيتزوج أقرب صديق لها ويدعها في نفس محطة القطار تغفو قليلًا لتجد القطار فاتها من جديد، وربما تمنعه زوجته من لقائها بعد أول يوم من الزفاف، بحجة أنها قد تسرقه منها، لكن لا بأس، ربما بعد غدر الأصدقاء ستجد الزواج فكرة قلدها الجميع، وجربها هذا وذاك، وستتخلى عنها في مقابل أن تفعل أشياء أخرى لم يجربها أحد كونهم مقيدين برابط الزواج.

ربما تمقتني العائلة أنا الأخرى بحجة أنني لم أحقق حلمهم في الحصول على زوج جيد، لكن ما دمت مؤمنة أن الحياة التي سأعيشها بعد دنياي ستكون مزهرة؛ لم لا أترك الزواج حتى ألتقي شريكي عند الله؟ ربما هناك سيكتب لي زواجًا طاهرًا أجمل من زواج الدنيا.

شخصيًا، لن أجري وراء قطار لا أعرف وجهته بي، سأجعله يواصل كل صباح رحلته حتى يعود، وربما يجدني في كل مرة لم أحدد وجهتي بعد، فأتركه يمضي كما فعل كل تلك السنين، ربما يحالفني الحظ لأسافر فيه صباح يوم ما، لكن سأفعل عندما أعرف أن الرحلة ستأخدني إلى مكان حيث تمطر السماء برفقة الشريك سعادة، سأركب القطار في اليوم الذي سأكون فيه مقتنعة تمامًا أنه ينقصني شيء ليكملني إياه شخص آخر، سأسافر ككل عانس في اليوم الذي أدرك فيه أنني سأتجه إلى المكان المناسب، وأجد الرجل المناسب هناك، ليس للمكان الذي أبحث فيه عن لقب زوجة أو أم.

إن لم تكوني مقتنعة، لا تسافري دعي الجميع يتمتع برحلة الزواج، استمتعي بعنوستك أيضًا، ودعي القطار يمضي، وأنت تلوحين بيدك للمسافرين طالبة السلامة للجميع، أو الأفضل لا تسافري أبدًا، كوني كالشجرة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد