بعد حصول تونس على استقلالها التام، سارع رجال السياسة فيها إلى ربط علاقات على المستوى الاقتصادي مع بلدان أوروبا الغربية، وعلى وجه الخصوص مع فرنسا. ففي الوقت الذي تجرى فيه المفاوضات مع الجماعة الاقتصادية الأوروبية كانت غير مواتية تمامًا بالنسبة إلى تونس.
فالمؤكد أن العلاقات بين تونس وفرنسا بين 1956 و1965 تميزت في بداياتها الأولى برغبة متبادلة بين الطرفين في اتباع سياسة تعاون اقتصادي، ولكن أزمة بنزرت سنة 1962 تسببت في قطع العلاقات بين البلدين لمدة ما يزيد على عام.
1. أزمة بنزرت وصعوبة العلاقات مع فرنسا
رغم حصول البلاد التونسية على استقلالها بصفة نهائية في 20 مارس (آذار) 1956. لم يغادر كل الجنود الفرنسيين التراب التونسي، وظل بعضهم في قاعدة بنزرت العسكرية. وفي سنة 1961 قرر الرئيس التونسي الزعيم الحبيب بورقيبة إجلاء كل الجنود الفرنسيين من قاعدة بنزرت. غير أن فرنسا رفضت ذلك، معتبرة أن بنزرت صارت تابعة للتراب الفرنسي. وتسبب ذلك في توتر العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. واندلعت الأزمة في بداية الستينات واندلعت المعارك بين الجنود الفرنسيين والجيش التونسي.
تسببت المعارك في سقوط ضحايا في صفوف الجيش التونسي حسب شهادة العقيد محمد سعيد الكاتب رئيس أركان الجيش آنذاك. وانتهت الأزمة بإجلاء آخر جندي فرنسي من التراب التونسي في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1963.
ولكن منذ إلغاء الاتحاد الجمركي في سبتمبر (أيلول) 1959 أصبحت العلاقات الاقتصادية بين تونس وفرنسا تخضع لاتفاقية تجارية وتعريفات جمركية تكرس التبادل التجاري بين البلدين. ويبقى المبدأ الأساسي في ذلك هو حرية حركة البضائع، ولكن مع إمكانية الانتقاص بالنسبة إلى تونس.
وبالنسبة إلى المنتجات التونسية المصدرة إلى فرنسا، فإن رسومها الجمركية معفاة من الضرائب. ومن ناحية أخرى، فإن ثلثي الواردات التونسية من المنتجات الفرنسية تتمتع برسوم جمركية أقل من الرسوم الجمركية العادية، ابتداءً من سنة 1961؛ أي من سنة اندلاع أزمة بنزرت. وفي هذه السنة ستخضع المعاهدة بين الطرفين إلى مراجعات عديدة بسبب أزمة بنزرت السياسية، وتتسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
من أبرز المراجعات لاتفاقية التعاون:
– تعليق برنامج توسيع التعاون التقني.
– وقف التوظيف في مجال التعاون التقني والاقتصادي.
2. عدم الثقة تجاه فرنسا
يجب التأكيد أن موقف الدبلوماسية التونسية لا يثق كثيرًا في السياسة الخارجية الفرنسية، ولاسيما نتيجة انهيار مفاوضات السوق المشتركة بين الزوايا، والتي دخلت على رؤية داتية من قبل ديغول. وهو موقف معبر عنه من حيث الرغبة في السيطرة على السوق المشتركة، وتسبب ذلك في اختلافات حقيقية في الرؤية الاقتصادية.
وقد عبر الممثل الدائم لهولندا عند المجموعة الاقتصادية الأوروبية عن موقف بلاده مع السفير التونسي في مقابلة بعد يوم من انعقاد مجلس وزراء السوق المشتركة يومي 1و 2 أبريل (نيسان) 1963. وقد أكد أن الحكومة الفرنسية يجب أن تفي بتعهداتها فيما يتعلق برفع الصعوبات في المفاوضات داخل السوق المشتركة.
كما أكد في السياق نفسه، أنه على تونس التي ترغب في الاعتماد على علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية، اختيار فكرة أن العالم الاقتصادي سيكون أفضل مع التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية والجماعة الاقتصادية الأوروبية.
3. مفاوضات غير متكافئة وصعبة
شهدت الموجة الأولى من المفاوضات ثلاث مراحل اقتصادية. فكان أولها بداية المفاوضات بين تونس والمجموعة الاقتصادية الأوروبية، والتي اقتضت جهودًا دبلوماسية تونسية من أجل فتح محادثات استكشافية.
وأما الثانية فتمت بين عامي 1963 و1965 وانتهت دون نجاح. وأما الأخيرة فهي تخص مفاوضات سنة 1967، والتي أدت إلى اتفاق عام عام 1969 وهي سنة فشل التجربة التعاضدية في تونس.
وقد جرت المناقشات الأولى بين تونس والمفوضية الأوروبية سنة 1959، ولكن هذه المحادثات لم تجر متابعتها. ولم يكن لتونس حتى عام 1963 طلب افتتاح محادثات. وبعد سنة 1963 توجه العمل الدبلوماسي التونسي لاستكشاف العلاقات مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية لدراسة الشكل الذي يمكن أن يتخذ طبيعة العلاقات الاقتصادية مع مكونات المفوضية الأوروبية.
الخاتمة:
لم يكن إنشاء علاقات دبلوماسية على المستوى الاقتصادي لتونس مع القوى الأوروبية أمرًا سهلًا، خصوصًا عند اندلاع أزمة بنزرت السياسية.
تميز إنشاء هذه العلاقات بعراقيل وصعوبات عديدة، خصوصًا عند دخول البلد في تجربة التعاضد، التي فشلت أواخر ستينيات القرن العشرين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست