بعد انكماش تاريخي سجله الاقتصاد العالمي بنحو 3,3% خلال 2020، لا تزال الضبابية (opacité ) تحيط بتوقعات النمو الاقتصادي للعام الجاري مع عودة المخاطر الصحية وتداعياتها الاقتصادية على الأسواق حول العالم؛ إذ اتسعت فجوة التفاوت بشتى الدول حتى التي كانت تحمل رمزية القوة ، وازدادت الأسواق المالية المرتفعة انفصالًا عن الواقع الاقتصادي، هي للأسف الشديد انخفاضات في النمو، بيْد أن هذه النتيجة ليست قدَرًا محتومًا، فمن خلال إدخال تغييرات على نموذج السياسات في الوقت المناسب قد يصبح بوسع صناع السياسات أن يرسموا الأساس لاقتصاد أكثر ديناميكية وشمولًا وقدرة على الصمود، وربما تحسن صورة الآفاق الاقتصادية العالمية بشكل واضح في الأشهر الأخيرة بعد توافر اللقاحات الفعالة بشكل تدريجي، يمكن أن يدفع مثل هذا النوع الصحيح من مزيج السياسات الازدهار نحو التعافي الكامل.
لا نعرف حجم الخيارات لكن الأكيد، والثابت أن حجم الخسارة هائل جدًا لأن جائحة كورونا تزامنت مع انهيار مالي، ونقدي، ومصرفي، واقتصادي، الإجابة الأكثر ترجيحًا في ظل الظروف الراهنة، بحسب التوقعات المطروحة تظل المسارات متباينة للانتعاش (relèvement) حيث يكمن الخطر الأكبر في فقدان الإنجازات المحققة في مجالات البنية التحتية، مثل الحد من الفقر المدقع في العالم الذي لم يعرف تراجعًا قط. إضافةً للتداعيات الخطيرة للأزمة على التعليم وشطب مئات الملايين من الوظائف ووصول معدلات الدين العام إلى مستويات لم تحدث إلا في أزمان الحروب، وتزايد الفجوة في الدخول بين الأعراق المختلفة وبين النساء والرجال وبين الأجيال وبين المناطق الجغرافية، ستسبب ندوبًا غائرة على وجه الاقتصاد العالمي وبخاصةٍ في الدول الفقيرة لسنوات طويلة مقبلة، بسبب تعطل الأعمال وتوقف خطوط الإنتاج .
الواقع أن السياسات الجيدة (Bonnes politiques) التوقيت والتصميم الداعمة للنمو من الممكن أن تعمل على تسريع هذا الجدول الزمني، في حين تجعل التعافي أوسع نطاقًا وأكثر استدامة، وهذا لا يعني المزيد من الغوث في الأمد القريب وحسب، بل يعني أيضًا قدرًا أكبر من التركيز على التدابير التي تتطلع إلى المستقبل لتعزيز الإنتاجية، والحد من انعدام الأمان الاقتصادي، وتحقيق انسجام أفضل بين دوافع النمو المحلية والدولية، ينقسم صناع سياسات الدول حول العديد من القضايا، ولكن من المؤكد أنهم يمكنهم الاتفاق على الرغبة في تحقيق نمو أسرع وأكثر شمولًا وديمومة. وتتمثل الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذه الغاية على نحو مستدام في إقران تدابير الإغاثة القصيرة الأجل بسياسات مالية وإصلاحات بنيوية متطلعة إلى المستقبل وداعمة للنمو (والعمل) قد تُفعِّل دور الابتكار (innovation) لِنمو الإنتاجية بنسبة أكبر، والاستثمارات الجديدة ترفع مستوى المعيشة، كما يجب وضع الإستراتيجيات التي تضمن استفادة العمال من فرص زيادة الإنتاجية، ولكن تحت السطح فإن التباين بين الاقتصادات المتقدمة والصاعدة وبين الشركات الكبرى والشركات المنافسة الأصغر وبين العمال الأعلى مهارة والأقل مهارة يشير إلى ندوب ستظل في وجه الاقتصاد العالمي لفترة طويلة قبل أن تلتئم.
من جهة أخرى، في مثل هذه الأزمات يتنافس الراسخون في علم المؤامرات بنظريات عديدة يتداخل ويتواطأ فيها العلم والخبث والخيال والغباء، وتنجر العقول الضيقة وراء هذه الفرضيات الغريبة بدون دليل، لِيجد الإنسان في هذا التشخيص حرجًجا ومساسًا بمقامه ككبير الضيوف العابرين، لكن لا الشمس ينبغي لها أن تكتم الشهادة ولا القمر حاجِبُ الحقيقة. بكل صراحة ودون مجاملة إن الكون كله يشهد أن كوكب الأرض يتنفس الصعداء.
في حين ما سبق، وجب الوعي بأن الإنسان هو الذي يصنع الاقتصاد، فلابد من الاهتمام بالمنظومة الصحية، لأن إنسان صحيح يعني اقتصاد قوي؛ وبالتالي تكون دولة متقدمة، لافتًا إلى أنه سيكون هناك نظرة مختلفة لمنظومة الصحة في كل بلاد العالم عقب الانتهاء من أزمة فيروس كورونا، الذي نتمنى أن يتم القضاء عليه في أقرب وقت، كما يجب أن تكون لدى الشعوب الوعي بمقدار الأزمة الحالية حتى نخرج منها على خير.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست