للمفكر إدوارد سعيد صاحب كتاب «المثقف والسلطة» تعريف للمثقف، بالنسبة له، المثقف هو الإنسان الذي يمارس النقد للدولة والمجتمع الذي يعيش فيه بهدف توجيهه نحو الأفضل، فالمثقف لا يختصر فقط في حامل الشهادة، فكم من حملة شهادات هم في الحقيقة جهلة مقنعون، فالمثقف هو صاحب رسالة، دوره يكمن في طرح الأسئلة وتحليل الأحداث والظواهر التي تقع داخل مجتمعه، من أجل المساهمة في بناء الأفكار الأساسية التي تساعد في تطوير وتنمية المجتمع وبناء حالة وعي داخله.

حسب المفكر والفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي هناك قسمان من المثقفين، القسم الأول هو المثقف العضوي الذي يحمل هموم وقضايا شعبه وأمته الأساسية ويلتزم بها إلتزامًا إنسانيًّا وفكريًّا وأخلاقيًّا، أما القسم الثاني هو ما سماه بالمثقف التقليدي الذي يجلس في برجه العاجي ويعتقد بأنه فوق الجميع.

دور المثقفين هو تقويم انحراف السلطة الحاكمة درءًا للأزمات التي قد تنتج من الصراع الذي قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بين السلطة الحاكمة والمجتمع، فالمثقف له رؤية نقدية لمجتمعه، وهو على اطلاع بتجارب المجتمعات الأخرى التي تساعده على فهم وتقدير درجة وعي مواطني بلده، فالمثقف ليس منسلخًا عن واقع بلده، وهو يعتبر ضمير وطنه، فمن بين أبرز مميزات المثقف هو تمرده عن التخلف وتغييب الوعي.

فالثقافة اليوم أصبحت توظف من طرف السلطة داخل المجتمع من أجل صون مصالحها، فالحاكم المتسلط يسعى دائمًا إلى ضبط حركة المجتمع من أجل ضمان استمرارية واستقرار حكمه، لذلك يلاحظ في بعض الدول خاصة في منطقتنا العربية، يتم استقطاب المثقفين وأدلجتهم وفق ما تريد السلطة الحاكمة لكي تنتج الدول الثقافة والمثقف معًا، وبذلك تنقلب الأمور فعوضًا عن تثقيف السياسة يتسبب هذا التعايش بتسييس الثقافة، مما يعمق من علة الوعي والاستبداد داخل المجتمع.

ففي الدول المستبدة والسلطوية يكون المثقف غير محمي، على سبيل المثال لا الحصر، جل الدول العربية تقريبًا السلطات فيها تقمع كل صوت حر، وهي لا تقبل الرأي الذي يختلف عن توجهاتها، ولا تعطي أي قيمة للرأي الآخر، فمثل هذه السلطات تسعى دائمًا إلى تهميش الثقافة وتلجأ في بعض الأحيان إلى التأثير في المثقف إما بترهيبه وإما ترغيبه.

فالعلاقة بين المثقف والسلطة ملتبسة، وهي صراع بين نقيضين، وهناك ريبة وعدم ثقة، فالسلطة لها توجس من المثقف المستقل، لذلك في بعض الأحيان يكون من مصلحتها احتواء المثقفين وضمهم إلى صفوفها، لكي يروجوا لسياستها في تدبير شؤون البلاد، ويقوموا كذلك بالدفاع عنها وتبرير قراراتها كيفما كانت مآلاتها وإضفاء الشرعية عليها، بالمقابل ينال المثقف ما يطمح له من مزايا ورغبات شخصية.

أمثال هؤلاء المثقفين يلعبون دور المحامي الذي يدافع عن السلطة والبوق الذي يروج لها من أجل إعطائها المشروعية والصلاحية، مما يكرس ويرسخ للسلطوية في مجتمعهم، ويصبح همهم الوحيد والأوحد هو القرب من دوائر القرار داخل النظام الحاكم، ونيل رضاهم من أجل تحقيق مآربهم، وأمثال هؤلاء موجودون بكثرة في الوطن العربي، حيث شغلهم الشاغل هو مداهنة الحاكم وحاشيته، ومحاباتهم من أجل الحصول على مكانة معينة داخل هرم السلطة، أغلب المثقفين العرب لم يكونوا يومًا بعيدين عن السلطة، ولم يكونوا بالضرورة من صناع القرار، لكنهم لم يمانعوا في لعب أبواق صناع القرار.

رغم كل التضييقات والمتابعات التي قد تمارس على من لا يخضع لرغبات السلطة، هناك من المثقفين العرب الذين ترفع لهم القبعة لتشبثهم بأفكارهم وآرائهم التي لا يحيدون عنها، بالإضافة لحفاظهم على مواقفهم مهما كان الثمن الذي قد يؤدونه.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد