تعتبر قضية التعليم قضية شائكة في المغرب وفي غير المغرب من الدول الأخرى التي تعاني نفس الأمر، نفس الفشل في التسيير وضبط النظام، والتأقلم مع كل جديد متطور، ولا شك أن فايروس كورونا خلف العديد من المشاكل والعراقيل في العديد من المجالات، ومنها مجال التعليم، هذا المجال المسؤول عن الرقي والانحطاط في الآن نفسه، وفساد التعليم في المغرب متفق عليه من طرف عامة الأشخاص الذين كانوا متمدرسين، وبعضهم لا يزال مستمرا، وحتى من خلال الرؤية للواقع المعاش، الكل يعرف أن التعليم ضعيف في المغرب حتى قبل الجائحة، أما في هذه الظروف الحرجة التي نعيشها جميعا وجها لوجه مع الفايروس، لا يمكننا وليس من حقنا لوم شخص أو أشخاص معينين.
لكن في الدول المتقدمة لا توجد مشكلة في هذا الأمر لا قبل الجائحة ولا بعدها، وذلك كونه الأساس الذي بني عليه نظام التعليم السائر، وليس من حقنا أن نقارن لأن الفرق واضح وضوح الشمس، أما في الجانب الآخر كان التعليم قبل الجائحة متدهورا وزادت في تدهوره ليتخذ طريق الهاوية مصيرًا.
ما هي الأسباب الرئيسية في تدهوره؟
ما هي الحلول اللائقة لسد ثغرة التعليم في الأزمات العالمية كالتي نعيشها اليوم؟
إن الأسباب الحقيقية تكمن في رفض التغيير، تنبني هذه الأسباب على البناء الأول الذي تم عليه اتخاذ الطريق دون هيكلة منظمة، ولا ذنب لشخص معين كما تم ذكره لأنه ذنبنا جميعا، لأن غياب الثقافة، غياب حضورها القوي في المؤسسات التعليمية نتائجه واضحة، وغيابها يعني غياب الوعي الذاتي، الذي هو الأساس والبناء السميك للسير في طريق حسن، في طريق نضارع فيه المتقدمين، ولما لا نتفوق عليهم؟
التعليم قضية واحدة يشترك فيها الأستاذ والمتمدرس والنظام المسير، كل مسؤول ولن يتحمل الذنب طرف واحد، والنهوض أيضا يشمل الجميع، يشمل المنظومة التعليمية بشكل عام.
فعندما أصدرت وزارة التعليم قرار استمرار الدراسة عن بعد، كان ذلك عائقًا صعبًا عند العديد من التلاميذ والطلبة، وهي السبب في تدهور سيره، عقبة ضخمة تشمل وجهين، الوجه الأول أن العديد من المتمدرسين لا يتوفر على أجهزة إلكترونية، ولا يتوفر على المال الكافي من أجل شحن الإنترنت، ونسبة كبيرة أخرى تعيش في أماكن بعيدة كالجبال ونواحي المدن الكبيرة، وحتى إذا توافر لهم الجهاز فالإنترنت غائبة هناك بلا أدنى شك، أما الوجه الثاني والمرعب، هو الطريقة التواصلية ما بين الأستاذ والتلميذ، أو بمعنى أدق، التعليم الجديد والذي لم يكن لمتمدرس على البال، فأغلبية ساحقة لم يعتمدوا التعليم عن بعد مطلقًا، أي أنها التجربة الأولى، وكانت هي الأخرى صعبة لمعرفته أشياء جديدة وطرق تواصلية جديدة، التي هي في الأساس بسيطة وكان من الواجب اعتمادها سابقا وممارستها بشكل عادي يماشي التعليم الحضوري، وذلك سيعزز قوة المتمدرس وقدرته على التعليم بأي شكل من الأشكال، أما أزمة الوسائل التي يتم بها التواصل فذلك لا حديث عنه لأنه ضعيف ولا يعتمد عليه أبدا.
أما قبل الأزمة كان التعليم يسير بطيئًا، وكانت نسبة الاستيعاب لا بأس بها، وذلك حضوريا، ولعل بعض الأساتذة الكرام بدلوا أكبر جهد ممكن للتفسير والتوضيح لمساعدة المتمدرسين، وإعطاء أمثلة مناسبة، وبدل ما باستطاعتهم للمساعدة، بالإضافة لبعض المتمدرسين بل الأغلبية منهم تقوم بمتابعة حصص تدعيمية خارجة عن الساعات الأساسية لكونهم واجهوا في طريقهم أساتذة لا يقومون بعملهم جيدا كما هو مطلوب. أما التعليم عن بعد فهو شامل للتدهور، فكيف لمتمدرس لم يفهم الدروس جيدا حضوريا أن يفهم عن بعد؟ معادلة غير ناجحة بنسبة كبيرة، فلو كان اعتماد هذه الطريقة متوافرا وتطبقه المؤسسات التعليمية في السابق لن يسبب ذلك عائقا لأنه سيكون معتادا ومستعملا، كانت ستكون الأمور مختلفة ولن يكون لدينا مشكل مثل الدول المتقدمة، ومع ذلك هناك غياب لعنصر مهم وذكرناه مسبقا. التثقيف العام، أو الوعي الذاتي الذي يتغذى بالقراءة الحرة. أين المكتبات؟ أين البرامج الثقافية الخاصة بالمتمدرسين؟
الثقافة تلعب دورًا هامًّا في سد مثل هذه الثغرات، هي البديل في الأوقات العصيبة، لأن المتمدرس إذا كان واعيا بدوره، فلن يكون الأساس هو الحصول على شهادة أو النجاح في سنته الدراسية، وإنما تقديم إضافة، إضافة جديدة عملية تتمثل في تطوير المجال الذي يدرسه، لكن لا يمكن أن نلومه والمكتبات في المؤسسات التعليمية مغلقة، وفي الخارج توجد مكتبات قليلة، وهنا يتشتت المتمدرس، في ظل غياب التوجيه، لا يوجد من يدله على الطريق الصحيح، وأعود لأقول إن الوعي الذاتي هو الأساس البنّاء الذي صعدت به الدول المتقدمة، وسمح لها بتطوير منظوماتها التعليمية والنهوض بها، فلا وجود لنظام تعليم بدون ثقافة تدعيمية تفتح الباب أمام المتمدرس للإبداع والانفتاح على كل شيء جديد، ومعرفة ماذا يريد أن يكون؟ وإصلاح التعليم واجب وطني، لأنه النور الوحيد الذي سيضيء لنا الطريق وللأجيال القادمة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست