لم يعد حزننا حزنًا عاديًا على فراق شهداء الوطن، بل تحول لقهر نعجز عن التغلب عليه بعد أن صارت أعيادنا مأتمًا كبيرًا، وبعد أن حفر اللون الأحمر والأشلاء المتناثرة مشاهد عصية على النسيان في ذاكرة كل مصري وكل عربي عاش ليرى حربًا تدار معاركها في دور العبادة بملابس العيد.
وإذا أردنا الإنصاف فعلينا أن نحاسب أنفسنا أولًا على الجهل واللامبالاة والإهمال الذي جعلنا أدوات سهلة ننفذ للأعداء ما يريدون. فأمريكا ومن قبلها إسرائيل تعجبهم لعبة الحرب على الإرهاب التي جعلتهم يعيدون تقسيم الوطن العربي وفقًا لمصالحهم الخاصة. فأشعلوا الصراعات الطائفية ليقتتل أبناء الوطن الواحد والدين الواحد. ومن استعصى على الاحتلال العسكري يسقطه معسكر الشر بالاحتلال الناعم عبر اتفاقيات الشراكة التي توقع في العلن، بينما يبرمون هذه الاتفاقيات كي يصدروا لنا التطرف والمرتزقة في الخفاء، وتكون لديهم ذريعة لاحتلال أراضينا بزعم جهودهم النبيلة في محاربة الإرهاب صنيعتهم، وإحلال السلام العالمي الذي أضاعوه بأطماعهم الاستعمارية التي لا تنتهي.
فلا ترددوا كل ما يروجه الغرب من مزاعم عن أصل داعش؛ لأنهم من صنعوها. ولا تنقادوا وراء خطابهم الدعائي المسيء لديننا الإسلامي باعتباره دينًا يحض على القتل والإرهاب، فهذا من عمل الصهيونية العالمية التي ستظل تحرض على قتل وعداء المسلمين حتى قيام الساعة.
وقبل أن نلقي بمسئولية ما يحدث من دمار فوق أراضينا على العدو الذي يفعل ما يجيد فعله، علينا أن نقف وقفة صدق ومصارحة ونحاسب أنفسنا أولًا. فلولا نشرنا لثقافة الجهل وضياعنا وانشغالنا بالتفاهات على حساب قضايانا المصيرية، لما أعطينا أحدًا فرصة قتل أبنائنا بدم بارد. ولنحفظ الدرس جيدًا، فلو لم نحافظ على أرضنا ودمائنا وكرامتنا وحريتنا لن يحافظ عليهم أحد. ولنعلم جيدًا أننا عندما اعتدنا الغياب صنعنا الإرهاب. فغابت الأخلاق وغاب العلم وغاب العدل وغاب الدين. وتركنا أجيالًا من الشباب فريسة سهلة لكل عدو متطرف ليتلاعب بعقولهم، ويسلبهم الدنيا والآخرة.
نحن نحصد اليوم حصيلة ما زرعناه بعد أن تراجعت الأسرة والمدرسة والجامعة عن التربية، وبعد أن أغلقت المساجد وتركت خاوية فتشكل وعينا الديني من الموتورين والجهلاء، في مجتمع يكره العلماء، ويمجد الجهل، ويساعد على انتشار الأمية حتى بين المتعلمين. وبدلًا من أن نرجح كفة العلم الصحيح للدين الذي يعلم الأخلاق والمبادئ الإنسانية التي تحرم سفك دماء الأبرياء، اخترنا في أشد محنة يمر بها وطننا أن نهاجم الأزهر أقدم وأعرق جامعة عربية إسلامية، بعد أن همشنا دوره لسنوات، وأبعدناه عن المشهد، ونحن وسط حرب شعواء تشن على الإسلام منذ سنوات طويلة دون هوادة من الداخل قبل الخارج.
أما إعلامنا الوطني فقد اختار طريق الغواية، وتحول لمرقص كبير يهدم أكثر مما يبني، يشيع الفتن، ويثمن الصوت العالي أكثر من أصوات العقل التي اختفت عن عمد؛ لنشجع الجميع على تبني ثقافة البلطجة، وفرض الرأي بالقوة. وأصبحت نماذج الشرف والمثل العليا التي نقدمها لشبابنا تخلو من الشرف. وأضعنا هيبة العلماء والأدباء لننشر ثقافة الهلس بعد أن ترك شبابنا القراءة، واكتفوا باستقبال رسائل الإعلام المشوهة. إذا فرضنا أن هناك إعلامًا يخاطب الشباب الذي يواجه مشاكله وحيدًا، ويترك سنوات فريسة للضياع وخفافيش الظلام التي لا تبذل جهدًا كبيرًا في تجنيده، وإقناعه أن صكوك الجنة لن تأتي إلا فوق أشلاء الأبرياء.
ولا عزاء لوطن يحارب نفسه قبل أن يحاربه الأعداء.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست