هل تعيد دماء الشهيد جمال خاشقجي ترتيب المنطقة؟ إنه السؤال الهام الذي يطرح نفسه الآن؟
فمن أجل احتواء تداعيات أزمة مقتل خاشقجي قد يتم إعادة النظر في العديد من أزمات المنطقة.. ويبقى أهم أربعة ملفات لهم علاقة بأحداث المنطقة يمكن إعادة النظر فيهم إذا أراد الفاعلون إعادة ترتيب المشهد.
أولًا: حصار قطر
إنه الملف الأول والأهم.. فتركيا الآن هي الفاعل الأكثر تأثيرًا في أزمة ما بعد مقتل خاشقجى.. والدولة التركية هي الداعم الأول والأساسي لقطر في أزمتها.. وإذا أرادت السعودية أن تعيد النظر في سياستها وتحاول تحسين صورتها.. فلابد أن تبدأ في إعادة النظر في ملف حصار قطر.. فكل ما روجت له دول الحصار من مبررات من أجل حصار قطر لم يقنع الكثير من دول العالم.. بل إن العديد من دول العالم ترى في قرار حصار قطر أحد أسوأ قرارات ابن سلمان.
لذا قد تجد السعودية نفسها في حاجة إلى قرار لابد منه.. وهو إنهاء حصار قطر.. فهل تكون دماء خاشقجي هي التي تدفع إلى ذلك؟
ثانيًا: حرب اليمن
إنه الملف الثانى الذي ستجد السعودية نفسها أمامه.. وهو خيار إعادة النظر في جدوي استمرار هذه الحرب.. فماذا جرت هذه الحرب على السعودية؟ هل قضت حرب اليمن على النفوذ الإيرانى؟ هل منعت اى اعتداء حوثي على السعودية؟ هل أعادت تمكين الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي؟ الإجابة بالطبع عن كل هذه الأسئلة بكلمة لا.
فلقد زادت وتوثقت علاقة الحوثيون بإيران.. وأصبحت صواريخ الحوثى تصل إلى الرياض.. وأضعفت الحرب من نفوذ الرئيس هادي.. خاصة بعد مقتل العديد من المدنيين جراء قصف التحالف.
وبالتالي ستجد السعودية أنها لابد أن تطرح حلًا سياسيًا من خلال تقاسم السلطة.. مع إيقاف الحرب في اليمن.. والتي لم تجلب لأهل اليمن، إلا الجوع والمرض والفقر والدمار.
ثالثًا: سجناء الرأي بالسعودية
لاشك أن اعتقال الدعاة وأصحاب الفكر والرأي في السعودية أظهر المملكة، وخاصة محمد بن سلمان كمشروع مستبد وطاغية جديد في الشرق الأوسط.. وبعد حادثة خاشقجي أصبح أمر إعادة النظر في هذا الملف حتميًا إذا أراد ابن سلمان أن يحسن من صورته أمام الرأي العام العالمي.
وأصبحت مسألة تخفيف الضغط على المعارضين داخل المملكة وربما الإفراج عن بعض أو كل المعتقلين أحد الأجراءات الهامة لإعادة رسم صورة محمد بن سلمان في الغرب كرجل ديمقراطي يقبل بتعدد الآراء.. ولكن هذا يتوقف على مدى إدراك ابن سلمان وإدارته لمدى ما وصل إليه الغرب من قناعة بأن هذا الشاب أرعن وطائش وتصرفاته غير مدروسة العواقب.. وأن سياسته تحتاج إلى مراجعة.
رابعًا: أزمة الإخوان المسلمين
هل تعيد المملكة ومصر والإمارات موقفها من جماعة الإخوان المسلمين بعد حادثة خاشقجي؟ أم يستمر الوضع كما هو عليه الآن؟
سؤال يطرح نفسه.. فجماعة الإخوان المسلمين مصنفة كجماعة إرهابية لدى هذه الدول.. وفي أزمة الإخوان في مصر بعد انقلاب 3 يوليو (تموز) 2013 كانت السعودية أهم داعم وبقوة لهذا الانقلاب.. إلا أنه في حالة رفع الحصار عن قطر.. وتطوير العلاقة بين السعودية وتركيا.. ومحاولة مصر إنهاء القطيعة مع تركيا.. لو سار الأمر في هذا الاتجاه فإنه حتمًا لابد أن يتناول حلحلة أزمة الإخوان مع النظام المصري وبالتالي مع السعودية والإمارات، ولكن هذا إن حدث، فسيتوقف على عدة عوامل:
1. مدى استعداد تركيا للتصدي لهذا الملف.
2. مدى استعداد جماعة الإخوان لحلحلة الأزمة ووضع تصور واقعي يأخذ في الاعتبار متغيرات ما بعد مقتل خاشقجي.. فلابد لجماعة الإخوان أن تبدأ في دراسة متجددة للواقع بمتغيراته وتداعياته وصياغة مشروع يكون جاهزًا للطرح في حالة ما إذا استدعى الأمر ذلك.. وكذلك التواصل الجيد مع صناع القرار في تركيا ومحاولة إيجاد دعم إقليمى ودولي لأي حل يمكن الوصول إليه.
3. مدى استعداد النظام المصري لإنهاء أزمة الإخوان وإمكانية الوصول إلى حلول وسط تحت رعاية إقليمية.. خاصة أن النظام لم يتعظ برد الفعل العالمي لما حدث لخاشقجي.. ولا تزال سياسة القمع مستمرة.
وأخيرًا.. لقد عاش جمال خاشقجي داعمًا لحريات الشعوب، فهل تكون وفاته أيضًا داعمة لذلك.
طبت حيا وميتا يا جمال.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست