أعرف أن السياسة لا شيء يستبعد فيها. ففي السياسة كل شيء ممكن أن يحدث حتى ولم يتخيله الإنسان. وعلى سبيل المثال بعد عدة حروب بين مصر وإسرائيل تم عقد اتفاقية سلام فيما بينهما.
والحديث الآن عن التقارب المصري – التركي ما هو إلا تقارب نتاج اللحظة، نقطة إلتقاء مصالح مؤقت ليس أكثر ولا أقل.
فمصر وتركيا، كأنهما قضيبا قطار لا يلتقيان أبدًا مهما طال الطريق وحتى نهايته ومنذ بدايته، فتركيا تريد الزعامة والسيطرة في المنطقة (الشرق الأوسط خصوصًا) وهو ما لن تسمح به مصر السيسي لأن ذلك يهدد مصالحها مع دول المنطقة خاصة الدول العربية، وكما أن مصر لن تخضع نفسها للسيطرة والهيمنة التركية.
إذًا فالتقارب أو لنقل الحديث عن التقارب التركي – المصري هو مجرد تقارب مصالح وقتي، فعلى سبيل المثال تستميت القاهرة في أن تستطيع تسلم الإعلاميين على وجه التحديد وقيادات الإخوان على وجه العموم من تركيا، وهي في سبيل ذلك من الممكن أن تقدم الكثير من تركيا من أجل هذا الهدف. ولكن على فرضية أن تم ذلك فماذا بعد هل يمكن أن تكون العلاقة بين القاهرة وأنقرة علاقة «سمن على عسل»؟ لا أعتقد ذلك.
ولأن الأسدان لو اجتمعا في قفص واحد فلابد أن ينهي أحدهما حياة الآخر حتى يتمكن من العيش بمفرده في القفص؛ فوجود الأسدين معًا في قفص واحد لا يمكن أن يحدث أبدًا.
وأنصح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يعمل في الدائرة الإسلامية، فهي الطريق الوحيدة أمام تركيا، التي تستطيع أن تعمل من خلالها، وتحصد نتائج مبهرة، وذلك من خلال منظمة التعاون الإسلامي.
فبعد سنوات عدة حاولت فيها تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولبت الكثير من طلباته وشروط الاتحاد الأوروبي التي طالب بها تركيا، إلا أنه في نهاية المطاف لم تتمكن تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إلا أن الدائرة الإسلامية التي تتمثل في منظمة التعاون الإسلامي، والتي تضم (1) 57 دولة إسلامية، وتصف المنظمة نفسها بأنها «الصوت الجماعي للعالم الإسلامي» وإن كانت لا تضم كل الدول الإسلامية وأنها تهدف «لحماية المصالح الحيوية للمسلمين» البالغ عددهم نحو 1.6 مليار نسمة. وللمنظمة عضوية دائمة في الأمم المتحدة. الدول السبع والخمسون هي دول ذات غالبية مسلمة من منطقة الوطن العربي، وأفريقيا، وآسيا الوسطى، وجنوب شرق آسيا، وشبه القارة الهندية، والبلقان (البوسنة وألبانيا)، ولقد تأسست المنظمة في الرباط في 25 سبتمبر (أيلول) 1969، إذ عقد أول اجتماع بين زعماء دول العالم الإسلامي، بعد حريق الأقصى في 21 أغسطس (آب) 1969. حيث طرح وقتها مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، وذلك كمحاولة لإيجاد قاسم مشترك بين جميع فئات المسلمين، وبعد ستة أشهر من الاجتماع الأول، تبنى المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء الخارجية المنعقد في مدينة جدة السعودية في 1392هـ/ مارس (آذار) 1970م. إنشاء أمانة عامة للمنظمة، كي يضمن الاتصال بين الدول الأعضاء وتنسيق العمل. عين وقتها أمين عام واختيرت جدة مقرا مؤقتا للمنظمة، بانتظار تحرير القدس، حيث سيكون المقر الدائم. عقد المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية جلسته الثالثة، في فبراير (شباط) 1972، وتم وقتها تبني دستور المنظمة، الذي يفترض به تقوية التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية في الحقول الاجتماعية، والعلمية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية.
وإذا لم تعجب المنظمة تركيا فمن الممكن أن تؤسس كيانًا إسلاميًا جديدًا يجمع عدة دول إسلامية في إطار دولي يتمثل في منظمة دولية تتزعمها تركيا بعيدًا عن مصر والسعودية.
فتركيا لها تاريخ إسلامي كبير يمكن أن تستثمره في حاضرها الحالي فقد كانت آخر خلافة إسلامية في تركيا، ولكن الزمن قد تغير ويمكن الآن العمل في الدائرة الإسلامية من خلال منظمة دولية حديثة. أما مصر فأنصحها أن تعمل بكل ود وإخلاص في إطار جامعة الدول العربية كإطار دولي تستطيع أن تنطلق منها لتحقيق التفاهمات مع القوى الدولية. فالدائرة العربية لمصر هي ظهر وسند لها أمام التحديات التي تواجهها خاصة وتواجه العالم العربي عامة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست