بين كل حين وحين، ومع ازدياد الأعباء، وموجات غلاء الأسعار، وما يتلوها من أثر مدمر علي المواطن المصري، نجد تصاعدًا في التنبؤات بثورة قادمة، ثورة مبنية علي آلام المهمشين والكادحين ممن يوفرون بالكاد قوت يومهم، هنا يبدأ أصحاب الأجندات السياسية في توصيف الوضع بما يتناسب مع أحلامهم، وما يروجون له، و تعلو أصواتهم طلبًا للجماهير بالاحتشاد، ودفع الظلم، ولكن في الأغلب تصطدم تلك النخب السياسة بعدم استجابة الشارع لدعواتها، أو بالأحرى انهماك المواطنين في طلب أرزاقهم، والسعي للحصول على ما يعينهم على العيش.
الأزمة لا تكمن هنا في الشعوب، فهي لا تتحرك من تلقاء نفسها، ولا يمكن أن نلوم عليها ميلها لسد احتياجاتها، فإننا هنا نجعلها بين سندان الفناء ومطرقة السلطة.
الأزمة الحقيقية تكمن في عدم وجود الطليعة الثورية أو القاعدة التي تمثل مرتكز للانطلاق، الأزمة في حالة اليأس التي سيطرت علي قطاعات عريضة من الأفراد المتصلين بتلك النخب كانوا يمثلون حلقة الوصل بينهم وبين الشارع.
هذا اليأس الذي يفت في عضد الثورة ويمنع انطلاقها ويؤخر من انتصارها.
إننا هنا نبحث في أسباب يأس هؤلاء الذين يمثلون امتدادات شعبية كانت بمثابة الأرض الصلبة التي تُبنى عليها كل التحركات الثورية، والأنشطة الاحتجاجية، ولأنهم، هم دون غيرهم، من ينعقد عليهم أمل التغيير.
ربما يكون أحد أهم أسباب ظهور هذا المرض اللعين هو افتقار الكثيرين إلى الأمل، وفقدان الدافع والرغبة في الوصول لحلم التغيير المنشود، وهذا يقودنا إلى التساؤل: ما الذي انحدر بنا إلى تلك الهاوية؟
هذه الهاوية التي ضعنا فيها، واستنفدت ما نملك من قوى تتمثل في عدة عوامل: أولها، استخدام أساليب مواجهة مع النظام، لم تكن بالقدر الكافي من الفعالية والتأثير، بحيث تؤدي لإسقاطه، فقد كنا نتعامل مع النظام على أنه هو نفس الكيان الذي استطعنا خلخلته في يناير (كانون الثاني) 2011، لم نضع في حسباننا تغير رأس النظام، واستخدامه لأساليب في المواجهة أشد عنفًا، وأكثر قمعًا من التي كان يستخدمها لصد الاحتجاجات في يناير (كانون الثاني) وما قبلها، فلم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن يقوم النظام بمجازر كالتي كانت في «رابعة، والنهضة، ورمسيس»، وامتدت إلى كل ميادين مصر، بل إلى كل الحارات والشوارع، فقد تحولت الطرقات لميادين حرب، ولكن الاختلاف هو أن القاتل يمتلك أسلحة نارية، ولا يتورع في استخدامها، بينما يواجهه الثوار بصدور عارية.
وهذا يقودنا ـ حتمًا ـ إلى ثاني الأسباب الذي يتمثل في تصدر بعض الأفراد، والتنظيمات لقيادة تلك التحركات، مع عدم تماهي تلك القيادة، لا مع تغيير السلطة وأساليبها، ولا تغيير طبيعة مؤيديها من الثوار، تلك القيادة التي استنفدت كل ما تملك من أدوات شحن عاطفي، وتجييش لأفرادها على صدى بعض الشعارات الخداعة، والتوقعات غير المبنية على أسس سليمة من قراءة الواقع، ومجريات الأحداث.
مع عدم اهتمامها ببناء فرد ثوري يدافع عن قيم ومبادئ، وليس عن أفراد، وإن كان بعض الأفراد يمثلون رموزًا لتحقيق تلك القيم، ولكن بالأساس لابد أن يقع في ذهن الثائر أن تلك القيمة أسمى من كل من قد يمثلها.
فالثورات يا سادة لا تبنى على عاطفة، ولا على أحلام وهمية بالسيطرة والسيادة، ولكنها تُبنى على إيمان الفرد بالقيم التي قد يُحارب، ويسجن، بل تصل إلى أن يفني حياته من أجلها.
تلك القيم التي تجلت في يناير (كانون الثاني) في شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية.
الحرية، ويا لها من قيمة تساقط من أجلها الكثيرون، وغيرهم حتى الآن كثيرون ممن يحلمون بها، حرية الفكر والاختيار والعيش بكرامة تلك الحقوق التي تستحق أن نضحي بأرواحنا من أجلها، إذا لزم الأمر.
أما تلك الثورات التي تطلب بدافع تحقيق الاحتياجات الأساسية للشعب فيما يطلق عليه «ثورة الغلابة»، فهذه لا ينبني عليها أي تغيير، وإن كانت تمثل جرس إنذار يدل علي الغضب الشعبي، ولكن، وللأسف، فإن أنظمتنا الحاكمة قد اعتادت على مثل تلك الحالات من الغضب، وتعرف كيفية تحجيمها، وإبطال مفعولها، وأثرها على طريقة «إذا أردت أن تعيش، فكن كالنملة، و اقنع بما يلقي إليك من فتات الموائد».
الثورات يا سادة لا تثمر وتؤتي أكلها، إلا إذا كانت طلبًا لقيم لا تملك تلك الأنظمة الغاشمة رفاهية السماح، حتى ولو بالقليل منها. و إلا تكون قد خطت تلك السلطة بأناملها آخر فصول سقوطها.
والتغيير، وإن صعب نيله، فإنه آت لا محالة، إما على أرواحنا أو على أرواح من تلانا، فهذه هي سنن الله في كونه، ومهما طال أمد الظالمين، فإنهم إلى زوال.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الثورة المصرية