سرعة إصدار القانون، وعدم أخذ الوقت الكافي في مراجعته ومناقشته، وكثرة سلبياته على إيجابياته، وكثرة التساؤلات حول ما إذا تم الطعن عليه دستوريًا بسبب بعض الشبهات غير الدستورية التي تحوم حوله. لكل هذه الأسباب جاز أن نشبهه بالطبخة التي لم تنضج!
إذًا دعونا نتعرف على هذا القانون بشكل مبسط في الأسطر القليلة القادمة:
هل هو قانون موحد للاستثمار أم تعديلات على عدة قوانين؟
القانون عبارة عن تعديلات على عدة قوانين وتشريعات اقتصادية منظمة للاستثمار والأعمال في مصر، وبالتالي فهو ليس قانونًا موحدًا للاستثمار كما يعتقد البعض، ولكنه مجموعة من التعديلات أجريت على القوانين الآتية:
– قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981.
– قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
– قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر برقم 8 لسنة 1997.
– قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005.
هذه هي أبرز القوانين التي تم التعديل فيها.
إذًا ما قصة هذه التعديلات؟
هي 9 مواد رئيسية تحت كل مادة من هذه المواد تعديلات وإضافات على قانون معين من القوانين السابقة وبالتالي هي عبارة عن – استبدال نصوص في القوانين السابقة، وتعديل نصوص، واستحداث بعض الأحكام في تشريعات الاستثمار متمثلة في إضافة 3 أبواب جديدة إلى قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر برقم 8 لسنة 1997، وهذه الأبواب هي:
. الباب الخامس: التصرف في الأراضي والعقارات ويتضمن موادًا من المادة 71 إلى المادة 83
الباب السادس: الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة والمركز القومي لتنمية وترويج الاستثمار ويتضمن فصلين بمواد من المادة 84 إلى المادة 100.
الباب السابع: تسوية منازعات الاستثمار ويتضمن ثلاثة فصول بمواد من المادة 101 إلى المادة 110.
صدرت هذه التعديلات من رئيس الجمهورية، فوفقًا للدستور فإن رئيس الجمهورية يحق له إصدار قرارات بقوانين في حالة غياب مجلس الشعب، على أن تتم مناقشة هذه القوانين بعد انعقاد مجلس النواب – مجلس الشعب قديمًا – بحد أقصى 15 يومًا من تاريخ أول جلسة لانعقاده.
ونشرت هذه التعديلات في الجريدة الرسمية بتاريخ 12/3/2015.
رأي قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في القانون:
تم عرض القانون على قسم التشريع بمجلس الدولة “وهذا القسم مهمته إعطاء الرأي والمشورة للسلطة التنفيذية ممثلة هنا في رئيس الجمهورية في القوانين التي يصدرها حتى لا يتم الطعن عليها مستقبلاً بعدم الدستورية أي أن مهمته هي التأكد من أن القوانين ليست مخالفة للدستور، ولكن رأيه غير ملزم لرئيس الجمهورية فإما أن يأخذ به أو ببعضه أو لا يأخذ به من الأساس كما سنرى بعد قليل”.
وكان لقسم التشريع والفتوى تعديلات على القانون، تم الأخذ ببعضها ولم يتم الأخذ بالآخر، إلا أن في النهاية وافق قسم التشريع والفتوى على عجلٍ على القانون نظرًا لاستعجال الحكومة في صدور القانون قبل المؤتمر الاقتصادي الذي عقد بعد صدور القانون بساعات قليلة.
سأعطي مثاليْن على ذلك:
من ضمن هذه الملاحظات التي لم يؤخذ بها:
أن المادة 33 فقرة 2 والتي جاءت تحت المادة الرابعة “الرئيسية” كما نوهنا، من القانون تسمح للمواد والنفايات الناتجة عن أنشطة المشروعات العاملة بالمناطق الحرة والتي يُسمح بدخولها البلاد بغرض التخلص منها. هل هذه المواد التي ذكرت في صلب المادة المعدلة تشمل المواد والنفايات الخطرة أيضًا؟ وبالتالي كان لا بد أن يتم استثناء المواد والنفايات الخطرة بشكل صريح في المادة.
هذه الملاحظة لم يؤخذ بها وظلت المادة المعدلة كما هي دون ذكر استثناء المواد والنفايات الخطرة من دخول البلاد.
ومن الملاحظات التي أُخذ بها:
أن المادة 32 من الدستور تقول أن: “يحدد القانون أحكام التصرف في أملاك الدولة الخاصة والقواعد والإجراءات المنظمة لذلك…”، وكانت المادة محل التعديل وهي المادة 77 المندرجة تحت المادة الرابعة لم تبين كيفية المفاضلة عند التزاحم بين المستثمرين على الأراضي والعقارات اللازمة لإقامة المشروعات الاستثمارية، وبالتالي إغفال النص ذلك يثير شبهة عدم الدستورية.
وتم الأخذ بهذا الرأي في المادة 77 حيث نصت على نظام النقاط عند تزاحم المستثمرين المستوفين للشروط.
السخاء الحكومي الكبير:
إن القانون وإن كان له بعض الإيجابيات كما سنرى إلا أنه بشكل عام يقدم ضمانات للمستثمرين أكثر مما هو متبع في الدول الجاذبة للاستثمارت، حتى أنه يبخس حق الدولة نفسها، ويعرض الأمن القومي المصري للخطر من خلال فتح باب تملك الأراضي والعقارات دون مقابل لأي مستثمر بغض النظر عن جنسيته أو عرقه وهذا الأمر يعد سلطة تقديرية للحكومة تمارسها دون رقابة عليها، كما سنرى لاحقًا، والحقيقة أنه لا يوجد على الإطلاق ما يبرر هذا السخاء الحكومي الكبير للمستثمرين الأجانب والذي يدعو للريبة بحق.
فالهدف الذي رمت إليه الحكومة من خلال هذه التعديلات هو تقديم كل التسهيلات لرجال الأعمال للتوسع في الأعمال وتحسين ربحيتها، ولكن كان ذلك على حساب قواعد العدالة وتكافؤ العلاقة بين الدولة والمستثمرين ومن ثم إهدار حق الدولة من خلال هذه التسهيلات المبالغ فيها.
وبالتالي فإن الدولة انتصرت في هذا القانون للطبقة الرأسمالية كما كان متبعًا على مدار العقود الأربعة الماضية.
“مضاعف الاستثمار”:
فالفكرة الرئيسية والمبرر الرئيسي في رأيهم لمثل ذلك هو أن هذه التسهيلات تجذب رؤوس الأموال، ومن ثم يتم إنشاء أعمال جديدة، وبالتالي يتم خلق فرص عمل جديدة، وبالتالي فإن آثار وثمار النمو سوف ترد على الطبقة الفقيرة، ومن ثم تحدث عدالة في توزيع الدخل، ومن ثم تتحسن أحوال هذه الطبقة. هذا التحسن يخلق “طلبًا فعالاً” على السلع والخدمات، وبالتالي يتحفز المستثمرون لإنشاء وتوسعة المشروعات لتلبية هذا الطلب، مما يعني توظيف عمالة جديدة، وبالتالي إنشاء دخول جديدة لهم، مما يخلق طلبًا فعالاً على السلع والخدمات أيضًا… وهكذا. وهذا يسمى انتعاشًا اقتصاديًا ويؤدي إلى حدوث تنمية اقتصادية.
ولكن الواقع العملي في مصر يشهد بفشل هذه الرؤية تمامًا، وتؤدي إلى العكس تمامًا:
– حيث يحدث عجز في الموازنة بسبب الإعفاءات الجمركية والضريبية ودعم المواد مثل الكهرباء والسولار وهي طبعًا إعفاءات ودعم لمصلحة الطبقة الرأسمالية.
– تزايد الفقر وارتفاع معدلات البطالة.
– تزايد الثراء الفاحش حيث يصبح الأثرياء أكثر ثراءً والفقراء أكثر فقرًا.
– ظهور النماذج الاحتكارية والأسعار الاحتكارية مثل أسعار الأسمنت مثلاً.
وبالتالي يحدث نمو اقتصادي دون تنمية اقتصادية، والسبب الرئيسي هو عوار السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخلل في التطبيق.
إيجابيات القانون:
1- ومن إيجابيات هذا القانون: تفعيل نظام الشباك الواحد، أي توحيد الإجراءات والتراخيص من خلال شباك واحد وفقًا لقانون ينص صراحة على ذلك.
حيث أن الهيئة العامة للاستثمار هي الجهة التي تتولى إصدار التراخيص النهائية للشركات في مدة لا تجاوز 15 يومًا من تاريخ استصدار جميع التراخيص والموافقات المطلوبة من الجهات المختصة والتي تنهيها الهيئة هي بنفسها بما في ذلك المعاملات مع شركات الكهرباء والغاز والمياه.
وبالتالي منع هذا النص تعدد الكيانات والجهات بمختلف قوانينها ومشاكلها، وأصبح المستثمر في حل من التعامل معهم.
جاء ذلك في المادة 51 مكرر المندرجة تحت المادة الرابعة.
2- ومن ضمن الأمور الإيجابية أيضًا هو استحداث مركز قومي للترويج للاستثمار، وهو مركز مستقل ويتبع إداريًا وزير الاستثمار. وذلك منعًا لتضارب المصالح بين من يقوم بعملية الترويج، ومن يقوم بعملية الرقابة والتنظيم، وجاء ذلك في الفصل الثاني من الباب السادس المستحدث.
3- أيضًا من الأمور الجيدة في هذا القانون في المادة الرابعة هو إجازة تسوية منازعات الاستثمار بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها مع المستثمر أو وفقًا لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون 27 لسنة 1994. وبالتالي حل مشكلة بطء عملية التقاضي، كما أن المحاكم الاقتصادية التي تم إنشاؤها خصيصًا لهذا الغرض لم تفلح في مواجهة هذه المشاكل لأنها تفتقر إلى الخبراء الحقيقيين في مجال الاستثمار.
سلبيات القانون:
1- تسهيل عملية دخول وخروج رؤوس أموال المستثمرين بالدولار أو أي عملة نقدية يريدها المستثمر بما في ذلك أرباحه دون ضوابط.
وكان يجب أن يلزم القانون المستثمر بعدم تحويل نسبة معتبرة من أرباحه المحققة من مشروعه للخارج بل يجب استثمارها في مشروعات جديدة في الداخل أو توسعة مشروعه القائم.
2- أيضًا سمح القانون باستخدام العمالة الأجنبية دون تحديد نسبة قصوى لهذه العمالة، فإذا كان ذلك فما الهدف الأساسي من وراء جذب الاستثمارات إذن؟ أليس الهدف هو خلق فرص عمل للعمالة المصرية؟ فكان يجب إلزام المستثمرين بتشغيل نسبة من العمالة المصرية في مشروعاتهم.
3- أيضًا من ضمن الأمور السلبية هي عدم إتاحة الطعن قضائيًا في التعاقدات التي تجريها الحكومة مع المستثمر ويرى من يريد الطعن أن هذه التعاقدات تهدر الموارد وتهدر إمكانيات الدولة، بل قَصَرَ الطعن على النيابة العامة وحدها.
4- ومن ضمن الأمور السلبية الكبيرة والتي تفتح باب التساؤل بحق، وتدعو للريبة هو إعطاء القانون الحق لغير المصريين في تملك الأراضي والعقارات حتى دون مقابل، حتى وإن كان ذلك مقصورًا بمدة خمس سنوات تبدأ من الأول من أبريل 2015 وتنتهي في أبريل 2020. دون مراعاة لاعتبارات الأمن القومي، فما الداعي لمثل ذلك وهناك نظام يكفل المصلحة لجميع الأطراف وهو نظام حق الانتفاع.
وجاء ذلك ضمن الأبواب المستحدثة وهي الباب الخامس والمعنون بـ”التصرف في الأراضي والعقارات”.
5- أما النص الذي من الممكن أن ينال من هذا القانون ويصمه بعدم الدستورية هو إعطاء رئيس الوزراء الحق في إضافة أنشطة زراعية أو رياضية أو صناعية دون اللجوء لتعديل تشريعي.
حيث تنص المادة (1) من قانون ضمانات وحوافز الاستثمار على أن “تسري أحكام هذا القانون على جميع الشركات والمنشآت أيًا كان النظام القانوني الخاضعة له التي تنشأ بعد تاريخ العمل به لمزاولة نشاطها في أي من المجالات، ويجوز لرئيس الوزراء إضافة مجالات أخرى تتطلبها حاجة البلاد”.
وبالتالي أجاز النص لرئيس الوزراء إضافة أنشطة جديدة إلى الأنشطة المنصوص عليها في هذه المادة دون رقابة تشريعية.
6- وبخصوص التعديلات على قانون الدخل فإن القانون وَحّد الضرائب على الدخل في مصر ليكون حدها الأقصى 22.5% بدلاً من 30% بمعنى تخفيض الشريحة العليا للضريبة من 30% إلى 22.5% لمن يتجاوز دخله مليون جنيه سنويًا.
وهذا التعديل غير مفهوم بالمرة، حيث أن المعدل في الدول الرأسمالية والنامية صاحبة أعلى معدلات جذب للاستثمارت الأجنبية يتجاوز الـ 30% أصلاً، فما الداعي لهذا التخفيض؟ وما الداعي لتقليل المتحصلات الواردة للخزانة العامة؟ فنجد مثلاً دولاً مثل الدنمارك حيث الضريبة على الدخل فيها 62%، واليابان 50%، وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا 40%، والصين 45%، وتركيا 35%، وكوريا الجنوبية 40%.
إلا أنه يُحمد لهذا القانون خفض سعر الضريبة على المبيعات المقررة على الآلات والمعدات من 10% إلى 5% مع رد كامل الضريبة على دفعة واحدة فور تقديم أول إقرار ضريبي للممول (المادة الثانية)، حيث أن ذلك يشجع على إدخال المعدات الحديثة ونقل التكنولوجيا المتقدمة إلى مصر.
وإن كان تخفيض الرسوم الجمركية على واردات الآلات والمعدات إلى 2% (المادة الرابعة) قد يفتح الباب أمام إضاعة وإهدار مليارات الجنيهات حيث أنه من المعلوم كم التهرب والفساد الجمركي الموجود، مما يضيع حق الدولة، فكان من الممكن مع ذلك القيام بإصلاحات حقيقية في النظام الجمركي لمنع التلاعب ودخول بضائع لا تخدم الاقتصاد القومي ولا أهدافه على أنها آلات ومعدات يجب إعفاؤها أو تخفيض الرسوم عليها.
7- ومن الأمور التي يجب التوقف عندها أيضًا في المادة 20 مكرر يعطي القانون لمجلس الوزراء سلطة منح مميزات للشركات كثيفة الاستخدام للعمالة تتضمن: ** الحصول على الطاقة بأسعار منخفضة **. تحمل الدولة جزءًا من تكاليف تدريب العاملين ** تحمل الدولة حصة العامل ورب العمل في التأمينات لمدة محددة.
ونرى في ذلك إسرافًا وبذخًا في منح المميزات، فكان يمكن الاكتفاء بتدريب العاملين باعتبار ذلك يخدم الاقتصاد على المدى القريب والبعيد أيضًا ولا يكلف الدولة تكاليف باهظة.
أمور يجب أن تُحكم وتحاط بالضوابط:
ضمن الأمور التي يجب أن تحاط بالضوابط الصارمة في اللائحة التنفيذية لهذا القانون، هو ما جاء في المادة الرابعة من عدم ملاحقة المستثمرين جنائيًا بسبب ارتكاب أخطاء إدارية أو إجرائية لم يرتكب هو بذاته إلا إذا ثبت علم المستثمر بها أو اتجهت إرادته إليها. وقد كان رئيس الشركة قبل ذلك يتحمل المسئولية عن أي مخالفة يرتكبها أي فرد في الشركة، أما الآن أصبحت المسئولية على العامل أو على الشركة من خلال الغرامة أو إيقاف أو إلغاء ترخيص مزاولة النشاط.
فيجب أن يتم تطبيق هذا الأمر بشفافية وبصرامة حتى لا يتلاعب المستثمرون بهذا النص ويرتكبون أخطاء ثم يتحايلون على تطبيق ما جاء في النص ويفلتون من العقاب.
وفي المادة 60 مكرر المندرجة تحت المادة الرابعة سهل القانون من إجراءات عمليات الإفلاس والتصفية لشركات الاستثمار خلال 120 يوم كحد أقصى، وهذا شيء يُحمد للقانون إلا أنه كان يجب وضع ضوابط للجهات الإدارية وهي الملزمة أن تخطر الشركة بما عليها من التزامات خلال هذه المدة وإلا برأت ذمة الشركة تحت التصفية ومن ثم تفلتت من التزاماتها بقوة القانون. ونحن نعلم مدى تقاعس الموظفين الحكوميين وعدم مراعاتهم لهذه المواعيد، مما يفوت الفرصة على أصحاب الحق سواء كانت الدولة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية أو الطبيعية من استرداد حقوقهم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست