كنت قد تحدثت في مقال سابق على ساسة بوست، أن يوم 11 نوفمبر القادم على الأرجح لن يكون ثورة حقيقية بمعنى أن تزيل النظام القديم من جذوره العميقة، وكنت قد قلت أيضًا إن أعظم ما يمكن أن يحدث إذا تفاقم الأمر هو خلع السيسي وإحضار واجهة جديدة بدلًا عنه، وما يحصل الآن من رفع للأسعار وتخبط في القرارات الاقتصادية وغيرها يدل على هذا الأمر، وقد يبدو الحشد الشعبي لهذا اليوم كبيرًا ولكن لا يكفي هذا، فقيام ثورة حقيقة مكتملة الأركان يحتاج إلى عدة عوامل تتضافر مع بعضها لإنجاح هذه الثورة.
هذه بعض هذه العوامل وإن كان بعضها نظريًا، إلا أنه يمكن تطبيقها على أرض الواقع بعزيمة وإصرار الشعب المصري.
1-لا لثورة الغلابة أو الجياع
معظم الحركات الكبرى في التاريخ، ومن ضمنها الثورات، لم تقم على أسباب اقتصادية بحتة لطلب الطعام أو الخبز أو ما سواهما، بل كانت هذه الأسباب من ضمن عدة أمور أخرى مؤثرة أدت لقيام هذه الحركات والثورات، ولم تكن أبدا الأسباب الاقتصادية في مقدمتها، فثورات الجياع أثبتت فشلها على مر التاريخ وأنها لم تقدم تغييرًا واضحًا، ولنا خير مثال في انتفاضة الخبز عام 1977 في مصر نفسها وكيف احتواها السادات بسهولة بعد عدة أيام.
2-لا للأناركية
وليس المقصود هنا الحركة العفوية والتلقائية لعموم الجماهير في مواجهة الطغمة الحاكمة، وإنما بعض الجماعات التي تتخذ من الفوضى والعبث ستارا لأعمالها التي تفسد الثورة، والمشكلة في هذه الجماعات أن الكثير من أفرادها مخترقون من المخابرات الأجنبية، بل إن بعضهم تلقى التدريبات في دول أوروبا الشرقية وجاء لينفذ أجندات خاصة، وهذه الأعمال لا تخدم الثورة بأي شكل من الأشكال، وإنما تدمرها من الداخل، لذا لا بد من غرف عمليات خاصة بعيد اندلاع الثورة تنظم حركة الجماهير يتصدرها أناس يريدون خدمة الثورة وقضيتها وتحقيق مصالح الشعب، وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان، والادعاء بعدم وجودهم هو ادعاء يروجه أنصار النظام ومؤيدوه دائما فيقولون: أن لا وجود لبديل لمن يحكم. وهذا أمر خاطئ تمامًا فمصر لم تخل يومًا من الكوادر والطاقات الأصيلة فيها، والتي تريد خدمة الشعب وتحقيق أهدافه.
3-عدم الاستماع للقيادات المترهلة
أتحدث هنا طبعًا عن القيادات التي ستحاول تثبيط همم الشباب وادعاء الحكمة المزيفة، وهذه القيادات موجودة في مختلف التيارات، وإن كانت في التيار الإسلامي هي الأسوأ لأنها هي المؤثرة الحقيقة في الشباب، فقد تخرج هذه القيادات وتقول كما سبق أن قالت من قبل: اجتنبوا الفتنة!
ولكن في المقابل أي فتنة أعظم مما تفعله هذه الطغمة الحاكمة في مصر؟!
4-اللعب على تناقضات المؤسسة الحاكمة
السيسي في مصر مجرد واجهة صورية لتحالف مؤلف من طبقتين، أما الطبقة الأولى تضم كبار ضباط الجيش مع رجال الأعمال وهم يديرون دفة الحكم في مصر، وتأتي خلفهم مباشرة الطبقة الثانية التي تتخذها الطبقة الأولى وسيلة لتضليل الشعب وتغييب الوعي عن المجتمع وتتكون هذه الطبقة من مجموعة من الإعلاميين والفنانين والكتاب، ومع أن الطبقة الأولى هي التي تحكم مصر فعليا إلا أنه لا يجب إغفال دور الطبقة الثانية وذلك لدورها المباشر في التأثير على الجماهير.
تشكل الطبقتان السابقتان العمود الفقري لحكم مصر، ومن خلال خلخلة فقرات هذا العمود ومحاولة اللعب على تناقضاته الموجودة، يمكن حينها التخلص من طغيان هاتين الطبقتين ومنعهم من تصدر المشهد المصري مرة أخرى، وقد شاهدنا في ثورة يناير الماضية عام 2011 كيف تم التخلص من مبارك وهرب حينها معظم رجال الأعمال الفاسدين وعندما جاء مرسي قام بعزل قيادات كبيرة في الجيش دفعة واحدة، ولكن حينها جاء دور الطبقة الثانية التي تحدثت عنها لتقوم بغسل أدمغة الناس وتمهيد الطريق لانقلاب السيسي وعودة الطبقة الأولى إلى الحكم الفعلي بعد أن غابت عن المشهد جزئيًا.
هناك مثل يقول عندما تنكشف السرقة يبدأ اللصوص بالإيقاع ببعضهم البعض، ويمكن قياس نفس الأمر هنا فعند بداية الأعمال الثورية الحقيقة تبدأ أركان المؤسسة الحاكمة بالتفكك، وكلما طالت مدة الثورة تفككت أكثر، ووجه أعضاؤها اللوم والاتهامات إلى بعضهم، وحينها يمكن توجيه الضربة القاضية لهم.
5-الاستعانة بالمؤسسة العسكرية
ظهرت عدة مقاطع على الإنترنت لمن قالوا عن أنفسهم أنهم ضباط أو أفراد في الجيش المصري، ورغم عدم القدرة على التأكد من هويتهم إلا أن تململًا واضحًا يجري في المؤسسة العسكرية، ويمكن الاستعانة بالضباط من الرتب المتوسطة وما تحتها من الرتب وبالطبع بالمجندين، لأنهم من عامة الشعب المصري، وهؤلاء يمكن أن يقلبوا الموازين في اللحظات الثورية الحاسمة.
6-تشكيل حكومة ظل جاهزة لتولي الحكم
فمعظم الثورات الحقيقة السابقة في التاريخ البشري كان لها ما يشبه حكومة ظل أو على الأقل أشخاصًا مهيأين للحكم في حال سقوط النظام السابق، وهؤلاء الأشخاص من الممكن توافرهم مع انطلاق الثورة، وهم معروفون في المجتمع وجاهزون لإدارة البلاد بعد نجاح الثورة، وأما ما يقوله البعض من عدم توافر البديل، فهذه كذبة اخترعتها الأنظمة الاستبدادية لتبرر بقاءها في الحكم كما ذكرت ذلك من قبل.
7-التضحية زاد الثورة ورأس مالها
لا يوجد ثورة من دون تضحيات كبرى، وكل الثورات الحقيقة التي أحدثت تغييرًا في المجتمع دفع أهلها الكثير من التضحيات، سواء كانت هذه الثورات ضد محتل خارجي كالثورة الجزائرية، أو ضد استبداد داخلي، والذي قد يكون أسوأ من المحتل الخارجي كما نشهده الآن في دولنا العربية.
8-عقيدة الثورة أساس انتصارها
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد
فباعتقادي أن لا ثورة حقيقة بدون عقيدة تحملها، وفي مصر وباقي الدول العربية لسنا بحاجة لاستيراد عقيدة من هنا أو هناك، فعقيدة هذه الشعوب موجودة ومترسخة في ضميرها، وهذه العقيدة مستمدة من دين معظم هذه الشعوب في المنطقة ألا وهو الإسلام، فثورة بعقيدة إسلامية واضحة المعالم تفضي في النهاية لقيام دولة العدل والحرية وتأمين احتياجات الناس الاقتصادية بالطبع، وهذا ما يأمله ليس الشعب المصري فقط بل سائر الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
عوامل