ها نحن الآن على مقرُبة من ثاني انتخابات رئاسية بعد أحداث الثلاثين من يونيو (حزيران) في حالة من الترقب لما ستفرزه الأيام لأسماء المرشحين الرئاسيين المحتملين، مصحوبة بحملة ممنهجة من الدعوات من بعض القوى والأحزاب المحسوبة على النظام الحاكم بإجراء استفتاء شعبي لتعديل المواد الدستورية المتعلقة بفترة الرئاسة، وجعلها مفتوحة، ودعوات أخرى تطالب بعدم فتح موضوع مد الفترة الرئاسية؛ لأن هذا يرجع الفترة الانتقالية – إذا جاز التعبير – إلى الوراء، داعيةً إلى ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترته الرئاسية الأخيرة.

من يقرأ مقدمة هذا المقال سيتبادر إلى ذهنه للوهلة الأولى أن الكاتب سيتحدث عن صلاحية ترشح السيسي لفترة رئاسية جديدة باعتبار ما يتبادر على ألسنة البعض عن فشل السيسي في القضايا الرئيسة التي تهم المواطن البسيط أولها وأهمها توفير الغذاء والمواد الأساسية بأسعار مناسبة لجيوب المواطنين.

لكن لا، دعونا نترك هذا الجانب الذي يشغل معظم الناس إلى جانب أهم منه في رأيي، وسؤال وجودى أطرحه على نفسي مرارًا، وهو «هل الانتخابات تعني الديمقراطية؟» وتوقيت هذا المقال اعتبره مثاليًا، فها قد بدأ موسم الحديث عن الانتخابات في الدوائر الإعلامية، وجهات صنع القرار الخفية والظاهرة.

ذكر الكاتب الأمريكى (فرانسيس فوكوياما) في كتابه «نهاية التاريخ وخاتم البشر» الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، وسعيها إلى تحقيق ديمقراطية زائفة من خلال انتخابات واهية ما هي إلا مجرد واجهة جميلة لإضفاء شرعية على حكمهم فهم يريدون مصدر للشرعية فبعد سقوط الأنظمة الشمولية تباعًا بدايةً من الاستالينية الروسية، ثم النازية والفاشية في عهد كلٍّ من هتلر وموسولينى في ألمانيا وإيطاليا انتهاءً بسقوط الاتحاد السوفيتي، انتهت نظرية «العقد الاجتماعي» الذي تحدث عنها توماس هوبز، كمصدر للشرعية، وأصبحت الديمقراطية الليبرالية هي المصدر الرئيس والوحيد للشرعية في العالم.

إن كل نظام شمولي استبدادي يسعى إلى البحث عن مصدر لشرعيته عن طريق الديمقراطية، بالرغم من كونه استبداديًا، فهو يجرى انتخابات حتى لو زُوِرت، فما يهمه إضفاء واجهة جميلة على نظام حكمه تعطى له رونقًا، فمن هنا كان حديثنا عن علاقة الانتخابات بالديمقراطية، وهل حقًا نستطيع استخدام الانتخابات كمرادف للديمقراطية.

ينقسم مصطلح الديمقراطية إلى شقين بحسب المؤرخ الألماني هيجل، أولهما ديمقراطية الحقوق، وثانيهما ليبرالية الحياة السياسية، فديمقراطية الحقوق هي أن كل البشر متساوون في حقوقهم، بغض النظر عن الجنس واللون والدين واللغة والعرق، أما ليبرالية الحياة السياسية والمدنية فهي القدرة على ممارسة العمل السياسي في بيئة تسمح للمواطن بالمشاركة بإيجابية ونزاههة في سياسة الدولة بأية وسيلة شرعية.

إن كل النظم العربية تتجاهل المعنى الحقيقى لكلمة ديمقراطية متحدثة أمام شعوبها عن سعيها لتحقيق العملية الديمقراطية من خلال الانتخابات مستخفة بسذاجة الفكر الشائع، وحتى إن صدقت الروايات الرسمية للحكومات العربية، فهي فعلًا تقوم بانتخابات، ومن الممكن أن تكون نزيهة، ولكن تنقصها جوهر العملية الديمقراطية ناهيك عن البيئة التي تقوم فيها الانتخابات «فأي انتخابات تُجرى في بلد لديها الآف المعتقلين السياسيين في سجونها؟!

أي انتخابات تُجرى في بلد جف فيها النشاط الحزبي، وتُحرم فيها منظمات المجتمع المدني من أداء مهامها؟!
أي انتخابات تُجري في بلد الصوت الواحد؟!
أي انتخابات تُجرى في بلد فقدت فيه السلطة القضائية استقلالها ناهيك عن حرمانها من الإشراف على الانتخابات؟!»

دعونا نحكم صوت العقل قبل فوات الأوان قبل أن نقوم بخطوة أخرى كارثية في بلد عانى مرارًا ويلات التقلبات السياسية وعدم الاستقرار لا انتخابات بدون حرية، وأخيرًا وليس آخرًا «الانتخابات لا تعني الديمقراطية».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد