اعتبر الكثيرون هبوط طائرة «العال» الإسرائيلية في الإمارات حدثًا تاريخيًا في العلاقات العربية – الإسرائيلية. ولكن يبدو بأن الحدث التاريخي ليس هبوط الطائرة في الإمارات، وإنما كيف تحولت الإمارات إلى أداة لانتشال بنيامين نتنياهو من مزبلة التاريخ. فهبوط الطائرة لا يشكل حدثًا شاذًا، خصوصًا بعد الزيارات السرية الكثيرة بين البلدين على مدى السنوات الماضية. الحدث التاريخي هو كيف ستكون كتب التاريخ والجغرافية والتربية الدينية في الإمارات بعد هذا التطبيع؟

كيف سيكون شكلها؟ وكيف ستكون روايتهم عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسلطين العربية؟ تُرى هل يحذفون دولة فلسطين العربية من خرائط كتب الجغرافية؟ وكيف ستروي كتبهم الدينية التي سيدرسونها لأطفالهم حول الإسراء والمعراج على سبيل المثال؟ هل سيرون أن المسجد الأقصى لا وجود له؟ أم سينسبون المسجد الذي عرج منه رسول الله لإسرائيل؟

الجميع ناقش ويناقش الجوانب الاقتصادية والسياسية لهذا التطبيع، وتأثيره على المنطقة والعالم. ولكن قررنا أن نلفت نظر القارئ إلى التشويه المتعمد للتاريخ الذي ستقوم به الإمارات لتبرير ما ارتكبته اليوم من خيانة، لجيل المستقبل. لم تعد اللغة الدبلوماسية مفيدة لوصف هذه الخيانة. فالكلمات الدبلوماسية لطالما تكون فارغة من الضممون ولا تعبر عن الواقع المرير.

الواقع المرير اليوم، يروي قصةً بديهيةً للغاية، وهي أنّ دولة عربية مسلمة «من محور الاعتدال» (كما يحب الأمريكيون توصيفها)، قامت بخيانة قضية العرب الأولى والأخيرة منذ عام 1948. ببساطة فالإمارات – ولتحقيق أهداف غير معروفة إلى الآن – قامت بالتطبيع، ووضعت المنطقة والفلسطينيين بوجه المدفع. وذلك لأن نتنياهو عاد ليغرد بأن الإمارات منحتنا السلام مقابل السلام، وهذا هو منطلق القوة.

بحثنا كثيرًا عن الامتيازات التي كان من المقرر أن تحصل عليها الإمارات، ولكننا لم نجد سوى الوهم والخنوع. على أمل أن يحصلوا على طائرات (F35) الأمريكية قاموا بالتطبيع. في دول لا تحترم الديمقراطية ورأي الشعب، تمّ اتخاذ قرار مصيري وتاريخي خلال ساعات من قبل ابن زايد. وكان من الأولى استشارة الشعب الإماراتي برغبته بالتطبيع من عدمه.

من جانب آخر، فالمعضلة اليوم هي بأن الجانب الإسرائيلي يمتنع ولا يرغب بمنح هذه الطائرات للإمارات. يتساءل الكثيرون عن دوافع الموقف الإسرائيلي هذا؟ الجواب واضح وهو أن إسرائيل تنظر إلى المطبعين وغير المطبعين على أنهم أعداء محتملون في المستقبل. لطالما صوّرت إدراة ترامب وحكومة نتنياهو كلًّا من تركيا وإيران على أنهما العدوتان اللدوتان للدول العربية، وبأنّ على هذه الدول أن تتطبع مع الكيان الغاصب لحماية نفسها من هذه الدول «الشريرة». ولكن وبعد التطبيع المجاني لا ترغب إسرائيل بإعطاء الضوء الأخضر للأمريكيين لبيع طائرات متقدمة للإمارات. أليس في ذلك تناقض صارخ؟

في مراجعة تاريخية مختصرة لموقف تركيا وإيران، نجد بأنّ هاتين الدولتين لم تكن في نيتهما أبدًا الهجوم على أي دول عربية سواء في الخليج أو خارج الخليج. فإيران على سبيل المثال لم تشن هجمات صاروخية كانت ستكسر العمود الفقري للاقتصاد الإماراتي عندما وصلتها تقارير عن ضلوع الإمارات بدفع ترامب إلى اغتيال أهم جنرالاتها على الإطلاق وهو قاسم سليماني. وتركيا لم تهاجم السعودية أو الإمارات عندما قرروا فرض حصار خانق على الأخوة في قطر.

أما وعلى الجانب الآخر فنشاهد الولايات المتحدة يتفرج كيف تضرب صواريخ الحوثيين العصب الحياتي للسعودية (أرامكو) دون أن يحرك ساكنًا.

عزيزي القارئ، لقد فشلت زيارة بومبيو لدفع العرب نحو التطبيع الأسبوع الماضي، ولكنهم لم يتوقفوا، بل أرسلو معتوههم «جاريد كوشنر» (هكذا تصفه الصحافة الأمريكية، ولست أنا)، ليتدارك الموقف ويعيد رص صفوف المطبعين من جديد. لقد سمحت السعودية بمرور الطائرة ضمن أجوائها، وهذا سلوك تطبيعي واضح. ولكن علينا أن نحذر الجميع بأن الشعوب العربية لن تسكت عن أي تطبيع آخر، ويبدو أن عروشكم المتزلزلة ستزلزلها كلمة حق تنطقها الشعوب العربية.

وأخيرًا، ولكي لا نسمح لا للإمارات ولا لغيرها بتشويه التاريخ والجغرافية الفلسطينية، سنروي نحن لأبنائنا كيف أنّ الإمارات وغيرها قاموا ببيع قضيتنا مجانًا، وبأنّ الشعب الفلسطيني كان وما يزال وسيبقى رمزًا حقيقيًا وملهمًا لشعب قاوم الاحتلال الصهيوني، وقاوم بعض الأخوة الذين طعنوه بالظهر، وهذا لن يغير في التاريخ أو الجغرافية الحقيقية شيئًا مهما حاولت الإمارات التغيير.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد