الوصول لكرسي الحكم أصبح في حد ذاته هو الهدف للإخوان المسلمين، والطريق إليه يمر عن طريق الغرب
جماعة الإخوان المسلمين، منذ عهد مُؤسسها حسن البنا – رحمه الله – وإلى يومنا هذا، كل همهم ومُبتغاهم هو أن يعترف بهم أصحابُ القوة والقرار في مصر (وباقي البلدان الإسلامية) كجماعة يجوز لها دخول الانتخابات البرلمانية، وإن كان الاعتراف لن يكون إلا تحت شروط الدستور العلماني والنظام العميل للغرب والغرب نفسه (خصوصًا أمريكا). فحسن البنا وجماعته كانوا يعترفون بشرعية الدستور المصري وبشرعية النظام القائم، رغم أن النظام كان تابعًا للمحتل البريطاني (اليوم النظام تابع لأمريكا)، ورغم أن الدستور علماني يخالف جملة وتفصيلًا الإسلام الذي حمله البنا وجماعته شعارًا وهدفًا.
كان البنا وجماعته يرون دخول البرلمان عن طريق الفوز بالانتخابات، هو الشرعية التي عن طريقها يمكنهم تحقيق التغيير المنشود.
حسن البنا ظن – وما زالت جماعته تظن ذلك إلى اليوم – أن الإخوان بمجرد الحصول على أغلبية في البرلمان يمكنهم تغيير القوانين، فيستبدلون التشريعات الإسلامية بالقوانين العلمانية، وهذا تصور خرافي باطل، أظهرت تجارب الإخوان عبثيته. فالبرلمانات نفسها والدساتير تخضع لأصحاب القوة (الجيش والمؤسسات الأمنية والمخابراتية)، ولا تسمح أبدًا بتغيير المنظومة من داخلها، اللهم إلا إذا آمن أصحاب القوة في البلد بالإسلام نظام حكم، وفَكُّوا ارتباطهم بدول الغرب، وجعلوا ولاءهم لله وحده وللمؤمنين، ساعتها فقط يستطيع حملة الدعوة بمساعدة أصحاب القوة – بالشروط المذكورة – تغيير النظام.
والمصيبة الأكبر، أنه مع مرور الزمن وتعاظم المحن، وتراكم الانحرافات العقائدية، أصبح الوصول لكرسي الحكم هو الهدف في حد ذاته للإخوان المسلمين، لم تعد الجماعة حتى تدَّعي رغبتها في «أسلمة» القوانين بعد الفوز بالانتخابات، بل أصبحت تقدم اليمين المغلظة للحفاظ على الأنظمة العلمانية، فتنازل الإخوان عن الإسلام كله مقابل أن يرضى الغرب ويُمَكِّنَهم من مناصب الحكم في مصر (وفي بلدان إسلامية أخرى). وأكتفي بنقل تصريح للمرشد العام السابق للإخوان، مأمون الهضيبي، في جريدة الشرق الأوسط، العدد الصادر في 13 رمضان 1307هـ (11 مايو/ أيار 1987م)، حجة على ما ذكرت، حيث قال: «إن الحكومة لا تستطيع حاليًا إنكار وجودنا بعد أن اعترفت خلال الانتخابات الأخيرة، وظهر ذلك في وسائل الإعلام الرسمية والصحف القومية وحصولنا على مليون ونصف مليون صوت، ولا بد أن نتعامل مع الواقع الموجود والقائم خاصة أن وجود الجماعة يمثل مصلحة للحكومة، لأنها تلجأ إلينا كثيرًا لضبط التيار الديني المتطرف».
فقد صدق الله حين حذر المسلمين من التنازل عن أي جزء من الإسلام، مهما كان يسيرًا، مقابل الحصول على رضا الناس أو رضا أصحاب السلطان، فمن قَبِلَ بالتنازل عند بداية الطريق بجزء بسيط، تنازل عن كل شيء في منتصف الطريق أو آخره، فقد قال الله محذرًا رسوله، صلى الله عليه وسلم: «وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا، وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا» (سورة الإسراء). يقول سيد قطب، رحمه الله، في هذه الاية: «…هَذِهِ الْمُحَاوَلَاتُ الَّتِي عَصَمَ اللَّهُ مِنْهَا رَسُولَهُ، هِيَ مُحَاوَلَاتُ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ مَعَ أَصْحَابِ الدَّعَوَاتِ دَائِمًا. مُحَاوِلَة إِغْرَائهُمْ لِيَنْحَرِفُوا – وَلَوْ قَلِيلًا – عَنِ اسْتِقَامَةِ الدَّعْوَةِ وَصَلَابَتِهَا. وَيَرْضَوْا بِالْحُلُولِ الْوَسَطِ الَّتِي يُغْرُونَهُمْ بِهَا فِي مُقَابِلِ مَغَانِمَ كَثِيرَةٍ. وَمِنْ حَملَةِ الدَّعَوَاتِ مَنْ يُفْتَنُ بِهَذَا عَنْ دَعْوَتِهِ لِأَنَّهُ يَرَى الْأَمْرَ هَيِّنًا، فَأَصْحَابُ السُّلْطَانِ لَا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ دَعْوَتَهُ كُلِّيَّةً، إِنَّمَا هُمْ يَطْلُبُونَ تَعْدِيلَاتٍ طَفِيفَةً لِيَلْتَقِيَ الطَّرَفَانِ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ. وَقَدْ يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ عَلَى حَامِلِ الدَّعْوَةِ مِنْ هَذِهِ الثُّغْرَةِ، فَيَتَصَوَّرُ أَنَّ خَيْرَ الدَّعْوَةِ فِي كَسْبِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ إِلَيْهَا وَلَوْ بِالتَّنَازُلِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهَا! وَلَكِنَّ الِانْحِرَافَ الطَّفِيفَ فِي أَوَّلِ الطَّرِيقِ يَنْتَهِي إِلَى الِانْحِرَافِ الْكَامِلِ فِي نِهَايَةِ الطَّرِيقِ. وَصَاحِبُ الدَّعْوَةِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّسْلِيمَ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَلَوْ يَسِيرٍ، وَفِي إِغْفَالِ طَرَفٍ مِنْهَا وَلَوْ ضَئِيلٍ، لَا يَمْلِكُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ مَا سَلَّمَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ. لِأَنَّ اسْتِعْدَادَهُ لِلتَّسْلِيمِ يَتَزَايَدُ كُلَّمَا رَجَعَ خُطْوَةً إِلَى الْوَرَاءِ!… وَأَصْحَابُ السُّلْطَانِ يَسْتَدْرِجُونَ أَصْحَابَ الدَّعَوَاتِ. فَإِذَا سَلَّمُوا فِي الْجُزْءِ فَقَدُوا هَيْبَتَهُمْ وَحَصَانَتَهُمْ، وَعَرَفَ الْمُتَسَلِّطُونَ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الْمُسَاوَمَةِ، وَارْتِفَاعَ السِّعْرِ يَنْتَهِيَانِ إِلَى تَسْلِيمِ الصَّفْقَةِ كُلِّهَا! وَالتَّسْلِيمُ فِي جَانِبٍ وَلَوْ ضَئِيلٍ مِنْ جَوَانِبِ الدَّعْوَةِ لِكَسْبِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ إِلَى صَفِّهَا، هُوَ هَزِيمَةٌ رُوحِيَّةٌ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فِي نُصْرَةِ الدَّعْوَةِ. وَاللَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ بِدَعْوَتِهِمْ. وَمَتَى دَبَّتِ الْهَزِيمَةُ فِي أَعْمَاقِ السَّرِيرَةِ، فَلَنْ تَنْقَلِبَ الْهَزِيمَةُ نَصْرًا!» (في ظلال القران).
الإخوان المسلمون يتطلعون لِتُحَقِّق لهم أمريكا ما لم تحقق بريطانيا
لما أصبح كرسي الحكم هو الغاية لدى الإخوان، وأساغوا منذ عهد مؤسسهم البنا كل السبل للوصول إليه (أي للحكم)، حتى لو كان مقابل ممارسة سياسة التملق لدى أصحاب النفوذ، ومقابل التخلي عن الإسلام نفسه الذي بدونه ما كانوا ليكسبوا شعبية واسعة، لَمَّا أصبح حالهم كذلك، سارع الإخوان المسلمون لمحاولة توطيد علاقاتهم بالسيد الجديد في مصر، الولايات المتحدة الأمريكية، التي آل إليها أمر مصر بعد انقلاب العسكر سنة 1371هـ (1952م) وطرد النفوذ البريطاني من مصر إبان العدوان الثلاثي سنة 1376هـ (1956م). فتواترت الأخبار منذ عقود عن علاقات الإخوان المسلمين بالإدارة الأمريكية، ومحاولاتهم المتكررة تسويق أنفسهم لدى أمريكا بديلًا ديمقراطيًّا في مصر. وأكتفي هنا بنقل فقرات من إحدى الوثائق التي تبرهن هذا الأمر، فقد نقل ثروت الخِرباوي (القيادي السابق بجماعة الاخوان المسلمين) في كتابه «سر المعبد: الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين» خطابًا – يعود لسنة 1426هـ (2005م) – من ممثل مكتب الإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية إلى القيادي الإخواني خيرت الشاطر، أقتبس منه:
«تحياتي وأشواقي لجميع الإخوة، أما بعد.
كانت للجهود التي بذلها الدكتور برونلي أثر طيب في تقريب وجهات النظر إلى حد كبير، إلا أنه ما زالت بعض الاختلافات في وجهات النظر، وقد ظهر لي أن مستر إيرلي متعنت، إلا أنني أوضحت للأصدقاء (يقصد الإدارة الأمريكية) الآتي:
1- لن نغير خريطة المنطقة السياسية (في حالة تولي الإخوان الحكم في مصر).
2- نتعهد بالحفاظ على كل المعاهدات والاتفاقيات. أبدى الأصدقاء (يقصد الأمريكان) سعادتهم بتصريحات المرشد عن إسرائيل وقالوا عنه: رجل محترم. (المرشد آنذاك هو محمد مهدي عاكف، وقد صرح في حوار مع «أسوسياتد بريس» على إثر الانتخابات التشريعية لعام 1426هـ (2005م)، بأن الإخوان لن يسعوا لتغيير السياسة الخارجية لمصر ومن ضمنها معاهدة السلام مع إسرائيل).
3- نقبل وجود إسرائيل بالمنطقة. وقالوا (أي الإدارة الأمريكية)، إنه ينبغي ألا ننظر إلى إسرائيل كما تنظر الحكومة المصرية إلينا، فلا هي محظورة ولا نحن محظورون.
4- أوضحتُ لهم إصرارنا على أن تقوم الإدارة الأمريكية بدعم التحول الديمقراطي بالمنطقة وقد ظهر لهم من نتائج المرحلة الأولى (للانتخابات التشريعية لسنة 1426هـ/ 2005م) أننا اصحاب الرصيد الجماهيري.
وقد أوضح الأصدقاء (يقصد الإدارة الأمريكية): بأنه يجب أن يتقدم الإخوان بطلب رخصة لحزب سياسي، وأن يكون هذا في خلال عام، وسيمارس الأصدقاء (أمريكا) ضغوطًا على الحكومة للموافقة عليه.(وأوضحوا) ضرورة الحفاظ على الكيان الحاكم وعدم خلخلته دستوريًّا أو شعبيًّا وعدم المساعدة في أي تجمع يسعى الى إحداث خلخلة للنظام». (انتهى الاقتباس).
الإخوان المسلمون نجحوا في إجهاض انتفاضة 1432هـ (2011م) بأقل تكلفة بالنسبة للغرب ولنظام العسكر في مصر
النقطتان الأخيرتان اللتان اشترطتهما الإدارة الأمريكية على الإخوان – في الرسالة المنقولة بأعلى – تفسر المشهد الذي ظهر به الإخوان المسلمون في انتفاضة 1432هـ (2011م)، إذ تشرح من ناحية تأخر الإخوان في مشاركتهم الرسمية في الانتفاضة، ومن ناحية أخرى مسارعتهم لإجهاضها حتى لا تتحول لثورة «تخلخل» النظام.
الإخوان لم يدركوا عظم الفرصة التاريخية التي منحتها انتفاضة 1432هـ (2011م)، والتي كانت ستمكنهم وتمكن المسلمين في مصر من التحرر كلية من هيمنة أمريكا والجيش المصري العميل. كانوا ما زالوا أسرى النظرة الضيقة السطحية الجبانة، لم يستطيعوا الخروج من عقلية ونفسية الاستضعاف، فلم يروا في الانتفاضة إلا فرصة لتحقيق أملهم الطويل – التافه – المتمثل في الاعتراف بهم حزبًا سياسيًّا والسماح لهم بدخول الانتخابات، مع تأديتهم ضريبة: المساهمة الفعالة في الحفاظ على النظام العميل القائم في مصر. الانتفاضة كانت فرصة كبيرة، لو حوَّلها الإخوان لثورة، لتغيير موازين القوة، فالشرعية لا تتحقق إلا بالقوة الذاتية، وليس باستجدائها من الأعداء. بالقوة تُقلع شرعية العسكر وأمريكا المتحكمين في مصر، وتفرض شرعية جديدة تعلن الولاء الخالص لله وللمؤمنين.
ولعل من الأصوات القليلة الصريحة التي وصفت بصدق دور جماعة الإخوان المسلمين إبان انتفاضة صفر 1432هـ (يناير 2011م) في مصر، هو الدكتور إبراهيم الخولي، إذ قال في مؤتمر عن «الثورة» سنة 1433هـ (2012م): [.. إن الإخوان المسلمين هم أول من أجهض «انتفاضة 1432هـ (يناير 2011م)» وقتلها وفرَّغها من مضمونها، بل أدانها، وتلكأ في إعلان موقفه منها حتى تبين له أن المد مستمر، فركبوا الموجة…».
https://www.youtube.com/watch?v=_K7e2fS2QGQ
نعم، الإخوان المسلمون هم أهم عنصر أفشل انتفاضة صفر 1432هـ (يناير 2011م)، إذ لم يسمحوا لها أن تتحول لثورة، وَأَدُوها قبل أن تولد. فبدلًا من أن ينخرط الإخوان في الانتفاضة (وهم أصحاب أكبر عدد من الأتباع المُنَظَّمين والمطيعين) من أجل الإبقاء على الزخم الشعبي الذي اقتحم مقرات الشرطة وأمن الدولة، وأخرج القاهرة ومُدُنًا وقُرى عدة من تحت قبضة النظام المصري (مما استدعى نشر الجيش)، ومن ثم تصعيد وتيرة الانتفاضة ومستواها لتتحول إلى ثورة تقلع النظام في مصر من جذوره، كما هو حال ثورات سابقة في التاريخ، كالثورة الفرنسية، والروسية، والإيرانية، والأمريكية، بدلًا من ذلك انخرط الإخوان المسلمون في الانتفاضة لوأدها، ومن ثم لحماية نظام العسكر العميل لأمريكا من الانهيار، تَبَعًا لإرشادات أمريكا – التي سبق ذكرها –.
https://www.youtube.com/watch?v=qNfJgo0IB8w
ففي الوقت الذي كان فيه «الثوار» يقتحمون مقرات الأمن، أحد أركان النظام، ويخرجونها عن الخدمة واحدة تلو الأخرى، واقتحموا مقرات «أمن الدولة»، وكانوا يعتصمون بميدان التحرير، … إلخ، سارع الإخوان للقاء بالمجلس العسكري وبرجل المخابرات الأول في مصر عمر سليمان، وبالسفارة الأمريكية، كان كل مبتغاهم أن يعترف بهم العسكر في مصر وتعترف بهم أمريكا حزبًا يجوز له دخول العمل السياسي، يدخلونه تحت سلطة النظام العسكري ودستوره، وبشروطه، فأي انتفاضة هذه – ناهيك عن أن تكون ثورة – التي تغازل النظام الذي قامت ضده وترجوا اعترافه بها، وتتحاكم إليه، وتقبل بهيمنته وشروطه، وتستميت للحفاظ على أركانه؟!
وبمجرد أن تمت موافقة العسكر، بتنسيق مع أمريكا، على قبول دخول الإخوان الانتخابات النيابية، أمروا (أي الإخوان) جماهيرهم بالانسحاب من الميادين ودعوهم للتحلي بالهدوء، أصبح هَمُّ الإخوان الأكبر أن يفسد عليهم المتظاهرون والثائرون الصفقة التي أبرموها مع العسكر.
https://www.youtube.com/watch?v=2VuAK1329M8
العسكر في مصر ومعه الغرب لم يكن بإمكانهم إخماد انتفاضة 1432هـ (يناير 2011م) إلا بحرب أهلية كالتي في سوريا، لكنها غير مضمونة العواقب بالنسبة للغرب وعملائه في المنطقة كلها، وليس في مصر فحسب، خصوصًا لو التحمت ثورةٌ مسلحة في مصر بالثورة السورية، وبأخرى في العراق، هذا المثلث السني، لو تلاحم واتحد وأخلص العمل لله – دون تفريط ولا غلو – يصعب على العالم احتواؤه أو الانتصار عليه. لكن الإخوان نجحوا في إجهاض الانتفاضة بسرعة وبأقل تكلفة بالنسبة لنظام العسكر وللغرب.
الإخوان أجهضوا كل المحاولات من بعض الثوار للإبقاء على زخم الانتفاضة وقلع هيمنة العسكر في مصر، كمحاولات حازم صلاح أبو إسماعيل (مع تلكؤه في حسم مواقفه، إذ من أخطائه محاولته هو أيضًا الترشح للرئاسة، تحت سلطة العسكر) و«حركة أحرار» الطلابية (حركة غاية في الوعي السياسي)، وخذلوا (أي الإخوان) الثوار في مواقف عدة كمواجهاتهم الدامية مع النظام إبان حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في شارع محمد محمود وفي العباسية.
https://www.youtube.com/watch?v=59rD-uN2SKQ
الإخوان المسلمون جزء من المشكلات في العالم الإسلامي وليسوا جزءًا من الحل
لم يقم الإخوان المسلمون حتى الساعة بمحاسبة ذاتية لمعرفة الأخطاء التي فعلوها، ناهيك عن تراجعهم عنها وتصحيح عقيدتهم ومنهجهم، ومن ثم تحَوَّلوا لعقبة كبيرة وخطيرة أمام تحرر المسلمين، فأينما انفجرت حركات تحرر في العالم الإسلامي، سارعوا لوأدها، وذلك بمسارعتهم لإقحام الغرب في قضايا المسلمين ووضع مصيرها بيده. الإخوان المسلمون يستميتون في إقناع المسلمين بأنه لا مناص من الاستعانة بدول الغرب إن أرادوا قلع حكامهم، ومن ثم وجوب التواصل معها (أي مع دول الغرب)، والوصول لحلول وسط لا تضر بمصالح تلك الدول. أي إبقاء البلدان الإسلامية تحت هيمنة الغرب والتبعية له، وتحت القوانين العلمانية، مع الاكتفاء بتغيير بعض الوجوه السياسية، وبعض الإجراءات الإدارية.
الإخوان أفسدوا كل محاولات للتحرر في العالم الإسلامي، في مصر وتونس، وفي سوريا واليمن، وفي العراق، وفي السودان سابقًا ولاحقًا،… إلخ.
فإذا أرادت الشعوب المسلمة التحرر، عليها نبذ الإخوان كما تنبذ الأنظمة الوظيفية، ولا تسمح لهم البتة بالتدخل في انتفاضاتها أو ثوراتها، ولا الحديث باسمها. فَهُمَا – الأنظمة الوظيفية في العالم الإسلامي والإخوان المسلمون – وجهان لعملة واحدة، عنوانها: الحفاظ على التبعية للغرب!
(يجب الإشارة إلى أنه لا يُنكر دور الإخوان الإيجابي والكبير (إلى جانب الحركة السلفية) في إعادة شرائح واسعة من الرجال والنساء للالتزام بأحكام العبادات، كالصلاة والصوم والحجاب وحفظ القرآن، إلخ. لكن المقال هنا يبحث حصريًّا في الأداء السياسي للإخوان، ليبين انحرافهم الكلي فيه، انحرافًا مصادمًا للإسلام الذي يرفعون شعاره.
يُتبع.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست