كيف ودعنا عام (2020) وما الحدث الرئيسي الأبرز فيه؟

وداعًا أيها العام الجميل، فقد عشنا فيك أيامًا لا تُنسى على قدر ما تُستذكر. وداعًا لأولئك الأعزاء الذين فقدناهم في العام الماضي. يبقى الألم: هو مادة الشعور التي تجلب الأحزان إلى النفس. لذا قد تأتي معاني الحُب مُرادفةً للألم وفيها مادتا الفرح والسرور اللتان تتوافدان لتجديد الحياة داخل الروح؛ فيصبحان في قلب الإنسان الحي كعناصر السعادة الأبدية. هكذا يجب أن نتخيَّل الألم والحُب بفلسفتيهما؛ لنطوي بهما صفحاتٍ مؤلمة من العام الماضي، ولو بشيء من الأمل بعد كل تلك المآسي التي تركها كوفيد-19.

ولعل من أهم الأحداث البارزة في عام 2020: كان فيروس كوفيد-19 الذي أصاب أكثر من 82 مليون إنسان بحسب الإحصائيات الأخيرة. إذن هذا الوباء قد أوقف حركة العالم. وأشغل العلماء وأرعب الناس، ولا يفهم أحدٌ طبيعة سلوكه أي شيء غير أنه سريع الانتشار، ومتحوِّر ويغزو الأجسام بقوة، ويتكاثر داخل الأجهزة لإلحاق الأضرار بالجسم. تلك هي طبيعة سلوك هذا الوباء.

وعلى الرغم من تقدم الأبحاث العلمية، وإبداعات التكنولوجيا الحيوية، والتطورات الطبية الهائلة، وكل ما أنتجته ثورات الحداثة وما بعدها، يقف علماء البيولوجيا الجزيئية حائرين في طبيعة هذا الفيروس المستجد. كما أن تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية رأيناه عاجزًا تمامًا عن التنبؤ بمستقبل هذا الفيروس ولو بقليل من التفاؤل بعدما قرأنا تصريحاته خلال المؤتمر الصحفي الأخير بجنيف، فقد كان متشائمًا فيما يتعلق بعام (2021) وسيناريوهات فيروس كوفيد-19 المجهولة، ويبدو أنه لا أحد يعلم متى نعود للحياة الطبيعية، وننتهي من كوابيس كورونا المزعجة والمملة!

من السباق الدولي إلى إنتاج اللِّقاحات!

في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، شعرنا بالأمل بعد الإعلان عن اللِّقاحات، إلا أن ذلك الشعور لم يدم طويلًا بعدما ظهرت سلالة محوَّرة من الفيروس القديم في بريطانيا! لتتجدد الشكوك مرة أخرى حول كورونا ونجاعة اللِّقاحات؛ مما جعل البعض يتساءل: كيف إذن جرى الإعلان عن لِقاح كوفيد-19 بينما انتشرت سلالة جديدة محّورة من العائلة نفسها منذ سبتمبر (أيلول) الماضي ولم يجر الكشف عنها إلا في ديسمبر (كانون الثاني)؟! السؤال جوهريٌّ، ويستحق المناقشة والتحليل.

حسنًا!

أصبح الآن الفصل الأخير من القصة في غاية الوضوح: في شهر ديسمبر من عام 2019 جرى تسجيل أول حالة مصابة بكوفيد-19 بمدينة ووهان الصينية. وفي ديسمبر من عام 2020 بدأت برامج التطعيم الدولية المتزامنة مع تفشي الفيروسات الجديدة، فكأن هناك علاقة تربط بين نهاية العام وتفشي وباء كورونا واللقاحات! وتستمر هذه الفصول التراجيدية اللطيفة من كوفيد-19 بهذا النسق الهوليودي.

 ولكن!

تُراودنا الآن بعض الشكوك المتعلقة بنجاعة هذه اللِّقاحات، فكونها تحوَّرت في نهاية العام الماضي، من حقنا مناقشتها ضمن سياق مقالنا هذا الذي نستطرد من خلاله أبرز الأحداث لذلك العام. لقد أرغمت الجائحة بعض دول العالم على أن تشارك في سباق تطوير اللِّقاحات. غير أن تلك الشركات المشاركة في هذا السباق لم يذع صيت أيٍّ منها أكثر من هذه الشركات الثلاثة الحاصلة على الضوء الأخضر مثل:«بي فايزر»،  و«بيو إن تك» الألمانية و«إسترازانيكا» أكسفورد كما أن لقاح «موديرنا» قيد الانتظار؛ مما يضفي على هذه اللِّقاحات الطابع الرأسمالي الاستغلالي والاحتكاري!

فيما قامت شركتا «بي فايزر» و«بيو إن تك» الأمريكية والألمانية بتطوير لقاحٍ لكوفيد-19 بتقنية الحمض النووي الريبوزي (mRNA) الذي يُحفز خلايا الأجسام المضادة ويقوم بترجمة جزء من البروتين الخاص بفيروس كورونا من أجل تدريب جهاز المناعة لكي يكون مستعدًّا لمحاربة كوفيد-19 عند اقتحامه الجسم، مباشرة ستبدأ الأجسام المضادة بمحاربته، تلك هي الآليات الدفاعية لهذا اللِّقاح!

والحمض النووي الريبوزي (RNA) هو حمض مسؤول عن إنتاج البروتينات داخل الريبوسوم في السيتوبلازم. وهو مكوَّن من جزيء أحادي ومجموعة فوسفات وسكر خماسي ريبوزي، وأربعة قواعد نيتروجينية: الأدنين والجوانين والسايتوسين، واليوراسيل. وتجري ترجمة المادة الوراثية المنسوخة من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) داخل السيتوبلازم. كما توجد ثلاثة أنواع للحمض النووي الريبوزي «الآر إن أي» وهما على هذا النحو: rRNA tRNA mRNA.

وهذه التقنية جديدة في مجال تطوير اللقاحات. ولم يعمل على هذه التقنية أيٌّ من الشركات الأخرى غير شركتا «بي فايزر» و«بيو إن تك» والشركة الأمريكية «موديرنا»؛ فيما طوَّر اللقاح الآخر «أسترازانيكا» أكسفورد بالطريقة التقليدية: التي تعتمد على تعديل الفيروسات بالهندسة الوراثية وإدخالها إلى الجسم؛ لإنتاج بروتينات خاصة بفيروس كورونا، بهدف تمكين الأجسام المضادة من أن تتدرب عليها، وأخذ المناعة اللازمة ضدها فتكون أجهزة المناعة مستعدة بعد ذلك عند مهاجمة كوفيد-19 للجسم.

ويتم حفظ لقاح فايزر/ بيو إن تك في برودة عالية تصل لـ70 درجة تحت الصفر، مما يجعل عملية النقل والتخزين في غاية الصعوبة، وتعطى حقنتان للمُطعَّمين يفصل بينهما ثلاث أسابيع؛ وفاعلية اللقاح تصل لـ95% بحسب ما أعلنته الشركة المصنعة استنادًا إلى تجاربها السريرية التي أجرتها على المتطوعين خلال مراحل التجارب السريرية.

لماذا تنعدم الإنسانية ويتزايد الجشع عند الشركات الرأسمالية؟

يتفق الجميع على أن هذه المدة التي طورت فيها هذه اللقاحات مدة قصيرة وغير كافية لإنتاج اللقاح؛ مما جلب الخوف لدى البعض، فكأن هذه الشركات أنتجت هذه اللقاحات بهدف التنافس وجني الأرباح المادية، وليس بهدف القضاء على الوباء، ومساعدة العالم والناس لكي يتسنى لهم الخروج من أزمة هذا الفيروس المستجد وتعود الحياة إلى طبيعتها.

كما أن بعض المواطنين الأوروبيين فقدوا الثقة بمثل هذه الشركات، حتى ولو حصلت على التصاريح الطارئة من قبل المؤسسات العامة، ستبقى تلك الثقة منزوعة بسبب خوفهم من لقاحات هذه الشركات المتهمة بالجشع والمتاجرة والسعي وراء تحقيق الأرباح المادية على حساب البشر. فهذه الشركات تنظر إلى الإنسان على أنه مجرد: ابن الطبيعة ولا فرق بينه وبين فئران التجارب المخبرية؛ إلا أن الفئران تُجرى عليهم التجارب، والإنسان تباع له خلاصة تلك التجارب التي انتهت بصناعة الأدوية واللقاحات!

وأخيرًا: سياسة التوزيع لهذه اللقاحات غير عادلة وغير أخلاقية؛ فاللقاحات قد أعطيت للأثرياء داخل المجتمع الأوروبي أولًا! ثم قامت بعض الدول العربية الغنية بشرائها ثانيًا. بينما استبعد من الخطة مواطنو بعض الدول الفقيرة والنامية؛ فكأن الفقراء لا يستحقون اللقاح؛ نظرًا لارتفاع أسعاره! لذا تنتظر حكومات هذه الدول النامية تلك الصدقات القادمة من التحالف العالمي للِّقاحات (غافي) بما يُعرف باتفاقية (كوفاكس) ومثل هذه المبادرات التي تشارك فيها منظمة الصحة العالمية وغيرها. يكون الهدف الأساسي منها هو: إرسال دعاية إعلامية تُخبر العالم: بأن منظمة الأمم المتحدة وجميع برامجها الإنسانية تهتم فعلًا بصحة الإنسان أينما كان! وكأن حقيقة العبارة هي: بل هي تستغل الإنسان أينما كان!

ختامًا: شكرا لك أيها العام الجميل فقد كشفت لنا عن الوجه البائس لهذا العالم الذي تهيمن عليه هذه الشركات الرأسمالية العابرة للقارات، التي تنظر إلى الإنسان نظرة مادية متوحشة، وتُساوي بينه وبين الطبيعة على حد سواء!كم أنا سعيد بقدوم عام 2021 الذي سيكشف لنا أيضًا ما تبقى من تراجيديا فيروس كوفيد-19.

*ملاحظة: وقبل أن ألقي القلم من يدي، أود أن أشكر زميلتي الدكتورة «ابتهاج»، التي تناقشت معها قبل كتابة هذا المقال، وما أجمل تلك النقاشات العلمية التي أنتجت مادة هذا المقال، وفي الأيام القادمة سأتحف زميلتي بمقال آخر أكشف لها عن سوءات النظام الرأسمالي، وشركاته المتوحشة حتى تُخفف قليلًا من نظرتها الرومانسية تجاه هذا النظام وتلك الشركات.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد